لماذا نحتفل بنجاة سيّدنا موسى بصوم عاشوراء دون غيره من أسيادنا الأنبياء
معمر حبار
تاريخ النشر: 30/07/23 | 10:05السبت 11 ذو الحجة 1444 هـ، الموافق لـ 29 جويلية 2023
قرأت هذه الأيّام لبعض الأساتذة يتساءلون: لماذا تصومون عاشوراء بسبب نجاة سيّدنا موسى عليه السّلام، ولا تصومون لنجاة أسيادنا نوح، وإبراهيم، ويوسف، ولوط، وأيوب، ويونس عليهم السّلام؟ مع الإشارة، أنّ هذا الأدب مع أسيادنا الأنبياء من وضعنا.
أقول: سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ابن بيئته، ويأخذ منها مالم يمسّ دينه وعقيدته، ويفتخر بكونه: “أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد”، ويعلنها بصريح العبارة: “إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق”.
ومن أخلاق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّه كان يأخذ من قومه مالم يمسّ دينه وعقيدته، خاصّة في الأيّام الأولى من بعثته.
وطبّق نفس القاعدة حين هاجر إلى المدينة المنوّرة، ووافق سكان المدينة، ومنهم اليهود في بعض المسائل التي كانت من شريعة الأوّلين من أسيادنا الأنبياء والرسل. والمعروف، أنّ ماكان شرعة لما قبلنا فهو شرعة لنا مالم يكون نهي، ولا نسخ.
وعادي جدّا أن يشارك سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يهود المدينة بعض عاداتهم التي تتوافق، ولا تتعارض مع الإسلام كصيام يوم عاشوراء، والذي كان من قبل في الجاهلية.
سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث رحمة للعالمين، لكنّه ابن بيئته. وبما أنّه صلى الله عليه وسلّم هاجر للمدينة، وأقام بها دولة، وتعاهد مع اليهود. فلا عجب أن يشاركهم مناسباتهم مالم تمسّ الإسلام، ومنها صيامه يوم عاشوراء بسبب نجاة سيّدنا موسى عليه السّلام.
الجوار، والعشرة، والملح، والمعاهدات تتطلّب مشاركة الجار، والمعاهد، والمسالم مناسباته التي لاتمسّ الدين، والعقيدة.
يسأل المرء عن مشاركته -أو عدم مشاركته- مناسبات القوم الذين يقاسمهم الأرض، والزمان، والمجتمع، والظروف ولا يسأل عن القوم الذين لايقاسمهم الأرض، والزمان، والمجتمع، والظروف.
سأشرح أكثر بمثال واقعي: يشارك المغترب -وليكن الجزائري مثلا-، المجتمع الفرنسي عاداته، ومناسباته، وظروفه مالم تمسّ دينه، وعقيدته، ووطنه. ولا يلام إن لم يشارك مناسبات، وعادات، وظروف مجتمعات أخرى لايقاسمها المكان، والزمان، والظروف.
ليس من الأدب أن يسأل المرء -في هذه الحالة- لماذا لم تشارك مناسبات المجتمع الألماني، والدنماركي، والكندي، والبرازيلي، والأرجنتيني، والهولندي مناسباتهم وهو لم يعش معهم، ولم يقاسمهم يوما عاداتهم، ومناسباتهم.
عاش سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المدينة المنوّرة ومع الأوس والخزرج، واليهود. وبالتّالي شاركهم أيّامهم، ومناسباتهم مالم تمسّ الدين، والعقيدة. كما فعل من قبل مع قومه قريش الذين شاركههم أيّامهم، ومناسباتهم التي لاتمسّ الإسلام، ولا العقيدة الإسلامية. ولو عاش في مجتمعات أخرى لشاركهم أيّامهم، ومناسباتهم، ولفرح بنجاة أسيادنا نوح، وإبراهيم، ويوسف، ولوط، وأيوب، ويونس عليهم السّلام.
بما أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث رحمة للعالمين، فإنّ الاحتفال بنجاة سيّدنا موسى عليه السّلام، هو احتفال بالضرورة بنجاة أسيادنا نوح، وإبراهيم، ويوسف، ولوط، وأيوب، ويونس عليهم السّلام.
احتفال سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بنجاة سيّدنا موسى عليه السّلام، عبر صيام عاشوراء مبني على تثبيت قواعد، ومنها: قاعدة “نحن أحقّ بموسى عليه السّلام من اليهود”. وقاعدة مخالفة اليهود بإضافة يوم التّاسع وصوم التّاسع، والعاشر.وقاعدة الاستقلالية في الشعائر، والعبادات المبنية على تأكيد مامضى مالم يمسّ الدين، والعقيدة. وقاعدة أنّنا أمّة مميّزة في دينها، وعاداتها، ولا تتبع أمّة. وقاعدة أنّنا آخر أمّة تحترم عادات، وتقاليد، ومناسبات المجتمعات التي تقاسمها الأرض، والزمان، والظروف، والمجتمع. وهذه من مظاهر القوّة، والعظمة، والحضارة التي تظلّ تفتخر بها الأمّة.