ما أحوجنا لترسيخ قيم التكافل والإيثار!
د. محمود أبو فنّه
تاريخ النشر: 14/08/23 | 13:07في العديد من المناسبات والأعياد الدينيّة من كلّ عام تكثر مظاهر البرّ والإحسان في مجتمعاتنا، فهناك صلة الأرحام وزيارة الأقارب، وهناك تقديم العون الماديّ من أموال وموادّ غذائيّة وملابس وغيرها للعائلات المحتاجة المستورة …
ولا نملك إلّا أن نبارك مثل تلك الأعمال والمبادرات التي تعزّز الألفة والتقارب والمحبّة بين الناس.
لكنّني، وفي هذه العجالة، سأتطرّق لبعض الجوانب الأخرى من التكافل والإيثار، والتي لا تحظى بالعناية الكافية رغم أهميّتها وانعكاساتها الإيجابيّة على الجميع.
في رأيي، التكافل الاجتماعي لا يقتصر على المظاهر الماديّة – رغم ضرورتها – بل يجب أن يتّسع مفهومه ليشمل مظاهر معنويّة وروحيّة من شأنها أن تعمّق قيم التكافل، وتُسهم في تحقيق مجتمع أفضل!
قال تعالى: ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ…” (المائدة: من الآية2)
فالآية الكريمة تدعونا للتعاون على أعمال الخير والصلاح لا على أعمال الشرّ والعدوان الآثمة، وبهذا السياق أذكر تجربتي في الإشراف على امتحانات البجروت/التوجيهي إذ حرصتُ على الحفاظ على طهارة الامتحانات ونزاهتها، رافضُا بشكل قاطع، أيّ “تعاون أو مساعدة” يتلقّاها الممتحَن من زملائه أو معلّميه!
وتتكرّر الدعوة للتكافل والتعاضد في نصوص الحديث النبويّ الشريف، فقد وردت الأحاديث التالية:
– ” اللهُ في عون العبدِ مادام العبدُ في عونِ أَخيه .”
– “مثلُ المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمّى.”
– “المؤمنُ للمؤمن كبنيانٍ مرصوص يشدُّ بعضُه بعضا.”
هذه الأحاديث النبويّة الشريفة تنصّ بوضوح على التعاون والتراحم والتوادد والتعاضد والبذل والإيثار.
وممّا يّبهج النفس أن الكثير من الدول المتقدّمة سعت لتحقيق التكافل والعدالة الاجتماعيّة بين المواطنين من خلال صياغة قوانين الضمان الاجتماعيّ التي تكفل التأمين الصحّي والتعليم المجّاني حتّى سنٍّ معيّنة، وضمان حدّ أدنى من الدخل لمعيشة للعاجزين أو للعاطلين عن العمل!
ولكن، ومع الأسف الشديد، لا تتوفّر مثل هذه القوانين في العديد من الدول العربيّة والإسلاميّة – وفي غيرها من دول العالم – من هنا تكون مبادرات وفعاليّات التكافل الاجتماعيّ ضروريّة وحيويّة ولها أعظم مردود.
إذن، لا يكفي أن نقدّم العون المادّي مع تقديري لهذا العون، بل يجدر بنا أن نعمل على إكساب المحتاجين مهارات حياتيّة ومهنيّة تؤهّلهم للاعتماد على أنفسهم في كسب أرزاقهم، ولنا أسوة حسنة في قصّة ذلك الصحابيّ الذي جاء الرسول محمّد، صلّى الله عليه وسلم، يشكو ضيق ذات اليد فقام الرسول بإعطائه درهمَين وقال له:
“اجعل أحدَ الدرهمين في أهلِكَ، وخُذ الآخرَ واشترِ به فأسًا وحبلًا واحتطِبْ”
فهنا دعوة صريحة جليّة للاعتماد على النفس، وعدم الاكتفاء بتقبّل الصدقات!
وبهذا السياق أشيد بالتوجّهات وبالأساليب الحديثة في التربية والتعليم التي تدعو المتعلّم إلى الاعتماد على النفس في عمليّة التعلّم والدراسة، وأن يقتصر دور المعلّم على الإرشاد والتوجيه لا على نقل المعارف وتلقينها للمتعلّم!
لتحقيق التكافل الاجتماعيّ المنشود علينا مساعدة المحتاجين من خلال فتح دورات للتأهيل وإقامة الورش والمشاريع والمصانع التي توفّر لهم فرص العمل الكريم.
وتتنوّع مظاهر التكافل الاجتماعيّ لتشمل تخصيص الوقت والجهد من القادرين للمحتاجين؛ فعلى سبيل المثال يمكن القيام بزيارة المرضى والمسنّين والعجزة للعناية بهم وتسليتهم، ويمكن التطوّع والتبرّع لمساعدة الطلّاب من الأسر المحتاجة الفقيرة الذين لا يقدرون على تغطية تكلفة الدروس الخصوصيّة الباهظة!
كذلك، يجدر بالمتعلّمين المثقّفين النزول من أبراجهم العاجيّةّ والقيام بدورهم ورسالتهم في نشر الوعي والتنوير بين الأفراد والجماعات!
هذه بعض من الأفكار حول التكافل الاجتماعيّ المرجوّ لتحقيق العدالة الاجتماعيّة، ولزيادة ثقة المواطن بنفسه وبقدراته، ولتقويّة روح الألفة والمودّة والإخاء، ولتعزيز اللحمة والانتماء بين أبناء الأمّة!