دراسة في قصة “عيد الأطفال” للكاتبة د. روز اليوسف شعبان
تقدمها د. ميساء الصح
تاريخ النشر: 19/08/23 | 2:02يؤكد هادي نعمان الهيثي على أن الطفل يولد مرتين الأولى هي الولادة البيلوجية والثانية ولادة ثقافية وتبدأ الثانية مع بدء امتصاص الطفل العادات والأنماط السلوكية، اللغة والأفكار من مجتمعه المحيط وبهذا تتشكل ثقافته(الهيثي، 1988)
ومن هنا لا بد من التركيز على الثقافة كونها عاملًا أساسياً في تكوين مدارك الطفل وشخصيته وبنيته العقلية، مما تمكنه من القدرة على تقبل كل ما حوله من عاداتٍ وتقاليدَ أو حتى التمرد عليها، إضافة إلى أنها تلعب دورها المهم في انتماء الطفل للمجتمع الذي يعيش به أو اغترابه عنه( فاروق عبده، 2003).
ويعتبر فاروق اللقاني أن احترام الإنسان لثقافته وحرصه على بثها في نفوس الأطفال إنما يعمل على إشباع حاجة الانتماء، وذلك عبر نقل كل ما يعرفه الجيل القديم للجيل الحديث ونقل كل ما يلزمهم من قيمٍ ومعاييرَ ومُثلٍ واتجاهات(اللقاني، 1976).
كما يؤكد إبراهيم محمود وآخرون على أن الاعتزاز بالوطن لا يكفي وحده وإنما على الطفل أن يتميز بالوعي لما يجري في عصره من أحداث بحيث يتمكن من الإسهام الفعال في بحث وحتى معالجة كل ما يعوق من مشكلات تقدم مجتمعه (محمود، ابراهيم وآخرون، 1995)
وفي الحديث عن تثقيف الطفل الفلسطيني وانتمائه لا بد لنا من الحديث عن أدب الأطفال الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالطفل ويعتبر العامل الأساسي من عوامل تثقيف الطفل
وخير مثال على عظمة القصة وأثرها في جلاء النفوس وصقلها الآية القرآنية “نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين” (سورة يوسف، آية3)
وعلى الرغم من تأخر أدب الأطفال الفلسطيني إلا أنه فيما بعد أصبح له ذاك الحضور الملموس على الساحة الأدبية
فأصدر مفيد نحلة (أطفال القدس القديمة، 1979)كما نشر شحادة ناطور مجموعته القصصية في ذات العام ومنها( البلبل الحزين والأرنب الذكي) بحيث تتناول هاتان القصتان بمجموعتيهما الهم الوطني بصورة رمزية جاءت على لسان الحيوان.
وبصدد ما تقدم نطرح السؤال المشروع، هل هناك طفولة قي المجتمع الفلسطيني بكل أبعادها الإنسانية، ومستوياتها التربوية؟
قبيل الإجابة عن السؤال لا بد لنا من الانطلاق من أن الطفل الفلسطيني يعيش حالة اغتراب لأن واقعه يفتقر لما يتحلى به الطفل في الغرب
وللإجابة عن السؤال لا بد لنا من معرفة القواعد التي تقوم عليها قصة الطفل الفلسطيني ومدى ملاءمتها لخصوصياته التي يعيشها ضمن ظروف غير طبيعية تشكل هاجسا دائم القلق، وذلك من خلال نموذج قصة عيد الأطفال للكاتبة د. روز شعبان، رسومات سندس محمد عبد الفتاح، الناشر مؤسسة ثقافات وأكثر.
القصة مكونة من 44صفحة
تتحدث القصة عن طفل يُدعى سامر يحترم ويقدر والديه، ويساعد أمه في تنظيف البيت استقبالا للعيد، أما عن العيد فهو ليس عيدا متعارفا عالميا كما وإنما أهل القرية من قرروا إضافته للأعياد المتعارف عليها، أما عن السبب فهو من أجل قلع نار الفتنة من البلدة ولوضع حد للدمار والعداوة بين الناس، وزرع بدور التآخي بين الجميع فتم عقد صلح تقرر فيه إضافة عيد يجمع كل الطوائف من مسلمين ومسيحيين ودروز ومن ثم اتفقوا على تسميته بعيد الأطفال.
-أنتم الأطفال فرح الحياة يا بني، أنتم مستقبلها الذي ننشده ونريده أن يكون زاخرا بالحب والتسامح والسلام.
(ص15)
كما أنها تجاري التطورات الحالية، فقد اختار سامر هدية من موقع لبيع الهدايا، هو يتطور ولكن لا يتبدد ولا يتغير، يبقى ذاك المحافظ على تراثه وعاداته العربية فقد قررت أن يختار هدية لصديقه سمير، وسامر وسمير من جذر واحد، رغم أن الظروف الاقتصادية لعائلة سمير صعبة،
إلا أن ذلك لن يكون سببا في أن لا يكونا صديقين أو أخوين،
سمير الذي يمثل الخير في الطفل الفلسطيني الطموح والذي عندما وصل الطرد البريدي من غير ألواح الرسم التي أرادها لصديقه؛ فكر في حل ولم يعزف عن تقديم هدية لصديقه، وإنما قرر الذهاب لمنجرة والده وصنع الألواح بنفسه، وقد شجعه والده في ذلك.
سامر طفل يمثل شعبا لا يستسلم ويتحلى بأفضل الخصال برغم ظروف الطفل الفلسطيني، حيث التقى سامر بامرأة عجوز تحمل كيسا من الأعراض فعرض عليها المساعدة، مما أدى لتركه الألواح الخشبية ريثما يعود؛ وبهذا مر الأطفال يركبون دراجاتهم فاصطدمت إحدى الدراجات بالألواح وكسرتها، لكنه مجددا لا ييأس وقد تعلم ذلك من والديه، حيث قال له والده:
-لا عليك يا سامر
-فكر يا سامر وستجد حلا(ص32)
ووجد سامر فكرة عبرها يستطيع صنع الواح خشبية لسمير، وقبل أن ينفذها وصلت ألواح خشبية للبيت في طرد بريدي.
كان والده قد أنجزها برفقة العامل في المنجرة، والذي بدوره أحضرها، وكان الوالد قد عرف بأمر الألواح التي كُسرت من تلك المرأة العجوز مما شجع والده بأن يعمل على تحضير الألواح كمكافأة له على عمله الإنساني.
وتنتهي القصة بما ابتدأت وامتلأت أيضا، وهو ضرورة التفكير في إيجاد حلول لمشكلاتنا.
فجاء للوالد في نهاية القصة: التفكير ضروري لحل مشاكلنا.
والطفل الفلسطيني هو طفل مفكر لا يقنط ولا يستسلم وإنما يبحث عن الحلول دوما، طفل مفكر يتخذ من العلم والثقافة والأخلاق الحميدة سلاحا.
في حلقة واسعة ينتمي سامر لبلدته التي قررت الاحتفال بهذا العيد دلالة على الأخوة والمحبة، وينتمي لأصدقائه ففكر في إهداء صديقه سمير هدية، وينتمي لنساء البلدة فقرر مساعدة امراة عجوز، وكان واضحا بأنه يقدر أمه ووالده، هو خير مثال على الطفل الفلسطيني الذي يغرس الخير حيثما كان.
– تدور القصة حول القضية الفلسطينية والهم الوطني الذي يتمثلها، وتعبيرا عن الواقع الذي يعيشه بطريقة غير مباشرة، بدعوة للسلام الداخلي، باستخدام كل القدرات الموجودة.
-ومن الواضح من خلال هذا النموذج بأن الأدب الفلسطيني قادر على مواكبة الصدمات الدائمة وبرغم تلك الظروف بقي الأدب الفلسطيني يأخذ مساره المباشر وغير المباشر.
لقد اهتمت روز شعبان بتوصيل هذه القيم المتعلقة بالانتماء والتكاتف.
-ويبدو ذاك بسبب إيمانها وتوافقها مع علي الحديدي، لما في قصة الطفل من الأثر النفسي والتربوي على الصغار الذين لا بد لهم بأن يتشربوا مآثر قومهم (الحديدي، 1967).
—لقد جاءت القصة تمثيلا لجوانب تنشئة عديدة ومختلفة ومؤثرة في الدعم العقلي والوجداني في مراحل النمو المختلفة.
نرى الكاتبة هنا تساهم في صنع الحضارة عبر قصتها فهي تعلم تماما وتوافق أيضا عبد العاطي كيوان بأن الأيدي الضعيفة المرتعشة لا تصنع الحضارة ولا تُعلي البناء وأن الشعوب لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها الفتية، وبتلك الأيدي القوية والنفس الأبية التي تتطلع وترفع الرأس في آن، هذه هي روز شعبان وما قدمته من صور حية من خلال قصصها عامة، وقصتها التي بين أيدينا الآن (كيوان، 2003).
-فهي هنا لم تشارك في توفير هذا التراث العظيم فحسب وإنما تساهم في تنمية الولاء للوطن ونجعل البطل سامر وحتى جميع أبناء البلدة يَرْنون إلى بطولات وطنهم ويعشقونها ويحلمون بالسير على ذات الدرب، وكل طفل كما يبين علي الحديدي” جائع نحو البطولات والأبطال”(الحديدي، 1967)
-لقد قدمت الكاتبة نموذجا حيا ناجحا للانتماء والعطاء الفلسطيني، للمثابرة وعدم اليأس، ولم تهمش جانب المتعة والجمال والسعادة الطفولية في القصة.
وإني لكنت أنصح بتوسيع رقعة توزيع القصة ونشرها لما فيها من معانٍ عميقة.
وأخيرا بوركت جهودك الدكتورة روز ونتمنى لها المزيد.