معايير أدب الأطفال الجيّد ودوره
د. محمود أبو فنه
تاريخ النشر: 22/08/23 | 8:06إنّ أدب الأطفال يلعبُ دورًا حاسمًا في تنشئة الأطفال السويّة، وفي بلورة شخصيّاتهم وصقلها، وفي إكسابهم المثلَ والقيم التي تحصنّهم أمام زحف العولمة وتحدّيات انفجار المعرفة!
وهناك من يغالي في أهمية أدب الأطفال ودوره في تكوين شخصيّة الطفل ويستشهد بعبارة الشاعر البلغاريّ ران بوسيليك الذي قال في هذا الصدد: “الأدبُ للأطفال كحليب الأم والهواء النقيّ اللذّيْن لا بدَّ من توافرِهما.”
ونحنُ نؤمن أنّ الأطفال هم أهمّ رأس مال نمتلكه، وهم أملُنا لمستقبل مشرق، وهم جديرون بكلّ رعايتنا واهتمامنا، وأن نقدّم لهم أفضل ما لدينا لتلبية حاجاتهم المادّية والعقليّة والنفسيّة.
ويجدر بنا أن نتذكّر أنّ الأطفال يتّصفون بحساسيّة مفرطة، ولديهم حبّ استطلاع كبير لارتياد عوالمَ وآفاقٍ جديدة، ويمتلكون قدرة كبيرة على الانبهار والدهشة، وهذه الصفات قد يفتقدها الكبار البالغون الذين أرهقتهم أعباء الحياة، فتبلدت حواسّهم، ووهنت ردودُ فعلهم!
وأدب الأطفال هو أدب أوّلا وقبل كلّ شيء، وعليه أن يحرص على توفير المعايير الأدبيّة الفنيّة الجماليّة، ولا يكتفي بنقل الأفكار والقيم مهما كانت سامية!
وكتابة العمل الأدبيّ الجيّد للأطفال تتطلّب الموهبةَ ومعرفةَ عالمِ الأطفال وميولهم وحاجاتِهم وقدراتهم العقليّة والعاطفيّة واللغويّة، وأديب الأطفال الناجح يحاول تحقيق التوازن والاندغام بين العمليّة الإبداعيّة الفنيّة والعمليّة التربويّة النفسيّة.
بكلمات أخرى: يجب أن تتوفّر المقوّماتُ الفنّية الجماليّة في أدب الأطفال، وأن يراعيَ الحاجاتِ النفسيّةَ والغايات التربويّة. التربويّة.
في هذا السياق كتب أديب الأطفال والباحث في ثقافة الأطفال عبد التواب يوسف:
((إنّ الكتابة للأطفال “أدب” و”إبداع”، وليست تعليمًا ولا وعظًا”.
وطبعًا هذا لا ينفي أن تكون هناك قيم ومعلومات في العمل الأدبيّ للأطفال، ولكن ليس على حساب جماليّة العمل الأدبيّ وفنيّته، وأن لا ترد تلك القيم بصورة تقريريّة مباشرة. ولكي تنجح الكتابة للأطفال، يجب أن تتوفّر الموهبة لدى الكاتب، و”أن يحبّ الأطفال حبًّا حقيقيًّا لا ادّعاء فيه”)).
ورغم اشتمال أدب الأطفال الجيّد، وبصورة ضمنيّة، على قيم ومفاهيم إيجابيّة منشودة، إلّا أنّه يتوجّب على أدباء الأطفال عدم المبالغة في نقل تلك القيم والعادات والمفاهيم لأحبّائنا الأطفال الصغارلأنّهم مخلوقون لزمانٍ غير زماننا، وحول ذلك كتب جبران خليل جبران عن الأولاد/الأبناء في كتابه “النبيّ” موجّهًا حديثه للآباء:
” أولادُكم ليسوا أولادًا لكم
أولادُكم أبناءُ الحياةِ المشتاقةِ إلى نفسِها:
بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم.
ومع أنّهم يعيشون معكم، فهم ليسوا مُلكًا لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبّتَكم، ولكنّكم لا تقدرون أنْ تغرسوا فيهم بذورَ أفكارِكم، لأنَّ لهم أفكارًا خاصةً بهم.
وفي طاقتِكم أن تصنعوا المساكنَ لأجسادِهم، ولكنَّ نفوسَهم لا تقطنُ في مساكنِكم.
فهي تقطنُ في مسكنِ الغد، الذي لا تستطيعون أنْ تزوروه حتّى ولا في أحلامِكم.
وإنّ لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلَهم، ولكنّكم عبثًا تحاولون أن تجعلوهم مثلَكم.
لأنَّ الحياة لا ترجعُ إلى الوراء، ولا تلذّ لها الإقامةُ في منزلِ الأمس”.