“مش أبيض”
حسن عبادي/حيفا
تاريخ النشر: 22/08/23 | 10:50سنحت لي الفرصة لأعيش مع الكوميدي المقدسي علاء أبو دياب عرض “مش أبيض” على منصة قاعة كريغر (مركز الثقافة الفرنسي) في حي الكرمل الفرنسي في حيفا مساء الأحد 20.08.2023، فكنت محظوظًا.
ابتدأ العرض (بتأخير 28 دقيقة عن الموعد المحدد، وهذا مأخذ يُؤاخذ عليه المنظمون فعليهم احترام التوقيت لترسيخ ثقافة وآداب الأمسيات واحترام الفن كثقافة مُذوّتة، واستمر 72 دقيقة) لاقى إعجاب الحضور وجعلته منفعلا مع العرض وأدخلته للجو بانسيابيّة ولباقة.
كان العرض ستاند آب كوميدي ((Stand-up comedy، “كوميديا إرتجاليّة”، وهو عبارة عن مونولوج ديالوج يؤدي الفنان الكوميدي مباشرة أمام جمهور حيّ وهو يلقي النكات ويتحدث عن مواضيع يومية بصورة كوميديّة ساخرة ومضحكة، كوميديا ارتجاليّة، يتفاعل الكوميديان مع الجمهور ويشركهم في الأداء.
أبهرنا علاء بعرضه المميّز الذكي الساخر، يرمز للمخفي ويكشف أسراره أحياناً، ويبقي المخفي أعظم أحياناً أخرى، ليترك لنا أن نستنتج ما نشاء، مع إيحاءات ذكيّة بالقطّارة.
“مش أبيض” أمسية كوميدية عربية، حلّق بنا علاء بذكاء فطريّ، والموتيف المركزي “أبيض ومش أبيض” ليتناول ازدواجية المعايير في أوروبا حين يتعامل مع العربي لينتقد الأوضاع بعد حرب أوكرانيا، حيث أصبح الغربيّ أحاديّ الفكرة والمنطق بعيداً عن احترام التعدّدية التي يتشدّق بها ليل نهار، (وإحنا المقدسيّين ربّ التعدّدية)، ينتقد المفاوضات العبثيّة مع الإسرائيليّين متغطياً بالبوليساريو.
وينتقد الوضع الفلسطيني، وتصالحنا مع العبثيّة (وراء عباءة المصريّين)، وكيف صرنا ملطشة للعالم برمّته، ويتناول توزير عاطف أبو سيف (ضربوه في غزة، أغمي عليه وصحي من غيبوبته وإذ به وزيراً للثقافة في رام الله، بعيداً كلّ البعد عن المشهد الثقافي، على حدّ قوله)، وقصّة “مركز خالد الحسن لعلاج أمراض السرطان وزراعة النخاع” (تم تخصيص 20 دونما لإقامة المشروع، في عام 2016 وضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس حجر الأساس لبناء المركز، ومنذ ذلك الحين “تبّخرت” ملايين الدولارات التي جُمعت وما تمّ منه وضع حجر الأساس، لا غير).
تطرّق بذكاء لعنصرية المسؤولين في الغرب بالتعامل مع قضايا غيرهم من شعوب الأرض عبر راندوم تشيك وتصرّفاتهم اليوميّة مع الآخر، ال”مش أبيض” الذي يكون تحت الشبهات دائماً.
تناول أيضاً، بذكاء مبطّن، التمويل الغربي المشروط، فمطلوب من جميع المقدسيين وضع موضوع البيئة (صار تريند) على سلّم أفضليّاتهم.
وتناول بسخرية سوداية قاتلة تعلّقنا بالوهم، الاشتراك بالجيم على سبيل المثال، يبيعك وهم بأنك مشترك وتدفع الشهريّة وهذا يكفيك، أو تشارك في ورشة عمل “كيف تصبح مليونيراً” وتدفع الغالي والرخيص دون مقابل والمنظّم يجني الأموال… ويصير مليونيراً على حسابك.
كما وتناول كم الأفواه “الطوّعي” الذي نتعامل به بين بعضنا البعض، بتلقائية وعفويّة يُحسد عليها.
هذا وغصّت القاعة بمئات الحضور (نفدت التذاكر بضعة أيّام قبل موعد العرض)، كلّ وهاتفه النقّال/ كاميرته ممّا يُثلج الصدر.
وأخيرًا، شكرًا علاء على هذه الأمسية المهنيّة الراقية، والشكر موصول لزوجتي سميرة التي بادرت بالحجز ورافقتني وقامت بالتصوير، وفي قعدتنا بمقهى فتّوش الحيفاوي بعد العرض مع أصدقائنا كميل ولبنى تذكّر كلّ منا نهفةً أو نكتةً أو مشهداً، وهذا يقول الكثير.
يعطيك العافية علاء.