لماذا نجحت دولة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه في المدينة المنوّرة، دون الحبشة، ولا الطائف؟
معمر حبار
تاريخ النشر: 22/08/23 | 16:11أسئلة فرضت نفسها، وتوضيح استوجبه المقام:
سؤال راود القارىء المتتبّع، فطرحه، وحاول الإجابة بما يقدر ويؤمن به، وينتظر من السّادة القرّاء، والنّقاد إضافة، وإثراء، ونقدا:
لماذا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه نجح في إقامة دولته بالمدينة المنورة، ولم يقم دولته بالطائف، ولا الحبشة؟.
يتعمّد القارىء المتتبّع، ومن باب الأدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، عدم استعمال عبارة: “لماذا لم ينجح…؟!”، فإنّ مثل هذا السؤال سوء أدب، وقلّة أدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
الهجرة للحبشة، والطائف، والمدينة المنورة كانت بوحي من الله تعالى لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وحين يتعلّق الأمر بالوحي: نقول سمعنا، وأطعنا. ومن اعتبر أنّ الهجرة ليست وحيا يوحى، فلا مكان له في هذه الأسطر.
لماذا لم تقم دولة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحبشة؟
أسباب عدم ماكان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أن يقيم دولة بالحبشة للأسباب التّالية: للحبشة دولة قائمة، وحاكم قائم، وشعب يعلن الطّاعة والولاء لحاكمه. ولا يمكن بحال إقامة دولتين، وحاكمين، وشعبين فإنّ ذلك ممّا لايقرّه دين، ولا عرف، ولا ممارسة، وحقّ الضيافة يأبى ذلك ويرفضه.
وبتعبير صديقنا محمد عبد العزيز المصري: “والحبشة مسيحية والدخول في صراع مبكر مع المسيحية دون دولة يهدد الدين ولا يقيم الدولة”.
وبتعبير صديقنا السوري د. أغيد بيريص: “يمكن أن نقول إذا أقام النبي الكريم دعوته في الحبشة .. فسوف يقال أقام دعوته تحت ظلال سيوف دولة النجاشي”.
لماذا لم تقم دولة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالطّائف؟
وما كان لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أن يقيم دولة بالطائف للأسباب التّالية: تبعد الطائف عن مكة مسافة 80 كلم فقط، وهي مسافة تسمح لقريش بسحق دولة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بسرعة، وبقوّة. والطائف من النّاحية الأمنية هي امتداد لمكّة، ولا يسمح سادة مكة بالمساس بأمن الطائف لأنّه من أمن مكة.
ومنذ شهرين قرأت كتاب: “الدبلوماسية النّبويّة”، للأستاذ: عبد الرحمن أبو المجد، أنّ هناك تحالفا بين الطائف ومكة. وأنّ سادة، وأثرياء قريش كانوا يتّخذون من الطائف مكانا يقضون فيه عطلتهم الصيفية لاعتدال مناخها، وأهل الطائف يفضّلون قريش على غيرها، ولا يعارضونها أبدا، ولا يتحالفون ضدّها أبدا.
الأسباب التي كانت من وراء نجاح قيام دولة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة المنورة
في المقابل، نجح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في إقامة دولته في المدينة المنوّرة، لأنّه: أخذ العهد، والمواثيق من سكان المدينة وهم الأوس والخزرج. وأرسل أسيادنا أصحابه ليمكثوا بالمدينة، والسّكان من عناصر الدولة. ودخلها فاتحا، ولم يدخلها ضيفا، ولا مستجيرا، ولا طالبا لمعونة. ولم تكن المدينة تعرف نظام الدولة، ولا حاكم يحكمها باستثناء بعض الممارسات التي تعارف عليها مجتمع المدينة، وبغضّ النّظر عن درجة قبحها كالتقاتل بين الأوس والخزرج. ونسبة المكر، والخديعة المبثوثة سرّا، وعلانية من طرف يهود المدينة. وأعدّ لها العدّة ومن كلّ النواحي، ولم يهاجر إلى المدينة حتّى رأى رأي العين حبّ سكان المدينة المنوّرة له، والموت لأجله، وتفضيله على النّفس والولد.
وبتعبير صديقنا: عبدالعزيز الجميلي: “المدينة المنورة هي المكان الذي فيه كل مقومات نشوء الدولة، حيث الموقع والإمكانات الاقتصادية وعدم وجود أمر يجمع أهل المدينة آنذاك، فالصراع مستمر بين الأوس والخزرج واليهود مسيطرون على الاقتصاد ويغذون الصراع بالقروض الربوية وإثارة الفتنة. فالانصار الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلّمفي البيعتين بعد أن عرفوا صدق هذه الدعوة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم،كانوا يطمحون إلى من ينقذهم مما هم فيه من الصراع فاختاروا مبايعة النبي صلى الله عليه، وخصوصا في البيعة الثانية. وهذا ما حصل من استقبالهم للنبي صلى الله عليه وسلّم عند قدومه، وقبولهم لوثيقة المدينة التي نظم بها رسول الله صلى الله عليه العلاقات بين أهل المدينة، فكانت من افضل الوثائق التي رسمت سياسة العلاقات بين مكونات المدينة”.
وبتعبير صديقنا: مولاي الشريف الحسني: “عوامل كثيرة: الأمر الإلهي المسدد فقد أري صلى الله لاعليه وسلّم مكان هجرته قبل هجرته + العوامل الطبيعية: كتضاريس المدينة وقد ظهر هذا في غزوة الخندق فهي محمية بحرتين وبساتين ومفتوحة من جهة واحدة فقط هي الشمال+ الاستقلال الغذائي فهي أرض فلاحة ما يجعلها مستعدة لأي حصار اقتصادي مفاجئ + عوامل النسب والعرق واللغة فبنو النجار أخواله وقيمة النسب كبيرة في ذلك الزمن تدفع نحو الحمية + المدينة من المدن الكبرى في الجزيرة ومكافئة لقريش نسبا وعددا ولهذا حين علمت قريش بالبيعة قالوا لوجهاء المدينة إنه ما من حي من العرب نكره أن تكون الحرب بيننا وبينهم أكثر منكم”.