في الذاكرة باقون
الإعلامي أحمد حازم
تاريخ النشر: 23/08/23 | 14:30كثيرون جدا هم القادة والساسة، عرباً وغير عرب، الذين التقيتهم. فمنهم لا زالت أسماؤهم وذكراهم محفورة في ذاكرتي، بسبب اهتمامهم الفعلي بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني، وهؤلاء لهم مكانة في قلبي، ستبقى معي حتى آخر يوم من عمري. ومنهم من أساء للقضية الفلسطينية، وهؤلاء ذهبت ذكراهم في مهب الريح، وسقطوا نهائيا من حياتي الإعلامية، مثل سقوط أوراق الشجر في الخريف.
خلال انعقاد القمة الثانية للدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، التي انعقدت على هامش القمة العربية عام 2009 في العاصمة القطرية الدوحة، والتي كنت مشاركاً فيها، تحدثت مع رئيسة تشيلي ميشال باشيلي، فأذهلتني مواقفها فلسطينيا، وتمنيت لو كان لبعض القادة العرب مواقف مشابهة. ولا أزال أذكر ردها الرائع، عندما سألتني عن جنسيتي، فقلت لها أنا صحفي ألماني من أصل فلسطيني، فأجابتني: “يكفي أن تقول أنك فلسطيني، وتشيلي تعير اهتماما كبيرا بالقضية الفلسطينية”
ولي حكاية أخرى مع الرئيس القبرصي الأسبق سبيروس كبريانو، أعتبرها مدعاة للفخر والاعتزاز بفلسطينيتي. فقد كنت في صيف عام 1987 في زيارة لجزيرة قبرص، التي كان رئيسها الأول المطران مكاريوس، الذي كان يكنّ احتراما كبيرا لفلسطين والفلسطينيين، وكانت تربطه علاقة مميزة جدا مع الراحل أبو عمار، الذي سمعت منه شخصيا عن هذه العلاقة.
في اليوم الثاني من وصولي للجزيرة، تقدمت بطلب لمقابلة الرئيس كبريانو، فتمّت الموافقة عليه فوراً وحدّد اللقاء في اليوم التالي. وقبل بدء المقابلة شكرت الرئيس على الاهتمام بي بهذه السرعة، فقال لي: ” الفلسطينيون لهم أولوية في سياستنا، فأهلاً وسهلاً بك “.
وما دام الشيء بالشيء يذكر وللمقارنة: فقد طلبت في العام 2011 مقابلة صحفية مع القيادي (الجبهوي) رئيس بلدية الناصرة آنذاك رامز جرايسي، وحتى انهزامه مع جبهته أمام علي سلام في العام 2013 لم أتلق رداً.
أما وزير خارجية اليمن، أبو بكر القربي، فلقائي معه لا ينسى أبدا. فقد التقيته في 11/9/2001 ، أي يوم تدمير البرجين في نيويورك. وخلال الحوار، لمست منه مدى تقدير اليمن والشعب اليمني، للنضال الفلسطيني، إذ قال: الفلسطينيين يعتبرون مثالاً يحتذى به على الصعيد العربي، واليمن هو الوطن الثاني للفلسطينيين. وقبل أن أستودعه همس في أذني قائلاً: “لو لم أكن يمنيا لتمنيت أن أكون فلسطينياً”
وما دام الحديث عن المخلصين للقضية الفلسطينية، فالواجب يتطلب مني أن أذكر أستاذي ومعلمي في الصحافة والسياسة، الراحل الكبير القيادي الفلسطيني شفيق الحوت، الذي كان سياسيا مستقلاً، وكان ولاؤه فقط لفلسطين، ورحل وهو يحمل هموم شعبه وقضيته.
وفي أحد لقاءاتي الكثيرة معه، والتي كنت أستمع فيها إلى نصائحه وإرشاداته، قال لي ذات مرة: “وصيتي لك يا إبني أن تفعل ما يمليه عليك ضميرك كمسلم وكفلسطيني، وقل الحق ولا تخف، واهتم بفلسطين وليس بالزعامات الفلسطينية. فأنا تعرضت لـــ 13 محاولة اغتيال من أجل فلسطين، لكن رحمة الله كانت أكبر منهم.”
وأخيراً…
في غمرة حالات القتل المروعة التي يشهدها المجتمع العربي والمجازر التي نرتكبها بحق بعضنا البعض (مجزرة يافة الناصرة ومجزرة أبو سنان) أذكّر مجتمعنا (مجدداً) بما قاله آفي ديخنر عام 2000 عندما كان رئيساً لجهاز “الشباك” مخاطباً المجتمع العربي على خلفية هبة الأقصى:” سيأتي وقت تنشغلون فيه بعضكم ببعض”. وفعلاً نعيش الآن هذا الوقت. اصحوا واستفيقوا يا ناس.