الوفاء من لبِّ أوّلِها وأعظمِها وطيب الذكر الشيخ نجيب علّو رمزه
سعيد نفّاع
تاريخ النشر: 25/08/23 | 15:41يوم ال-23 آب 2023 فقدت الحركة الوطنيّة عامّة والحركة المعروفيّة للتواصل خاصّة أحد رموزها الأوفياء، فقدت الشيخ نجيب علّو ابن عسفيا- الكرمل، وفقده أيضًا أهالي بلدته والأقليّة العربيّة عامّة. ومن الأقوال الفصل: السمك السابح مع التيّار ليس بالضرورة كلّه حيّ أمّا ذاك السابح ضدّ التيّار فبالضرورة حيّ، ونجيب علّو في مسيرته اختار أن يكون حيّا.
عندما انطلق التواصل، انطلق أهليّا انسانيّا لذوي اللاجئين الفلسطينيّين من العام 1948 في سوريا، وللعائلات العربيّة الدرزيّة المتفرّقة أجزاؤها بين سوريا ولبنان وفلسطين بحكم ظروف تاريخيّة. انطلق بلقاء جمع يوم 20 تموز 2000 في الأربعين للرئيس الراحل حافظ الأسد، رئاسة الوفد الفلسطينيّ المشارك (عزمي بشارة وواصل طه ورياض الأنيس وسعيد نفّاع) ونائب الرئيس السوري الجديد، حينها، فاروق الشرع. لاحقًا وبعد ثلاث سنوات وعلى خلفيّة المطالبة بالمشاركة بالتعزية بالشيخ المرحوم أبو حسن عارف حلاوة أضيف للمشروع البعد المذهبي، فأسّسنا مجلس التواصل ولجنة التواصل فالتحق كثيرون منهم مبدئيّا وظلّوا أوفياء ومنهم تسلّقًا انحرفوا عند أوّل منحنىً.
تنفيذ المشروع عام ال-2000 تطلّب أناسًا يحملون المسؤوليّة، فالقضيّة ليست تسجيل أسماء وترتيب سفر وإلى ما هنالك، القضيّة الشجاعة في مواجهة تعريض النفس لمساءلة قانونيّة نظرًا لاعتبار المؤسّسة الإسرائيليّة الفاعلين مخالفي قوانين؛ منع زيارة دول عدوّ بكلّ أبعاده (سوريا من تلك الدول بحكم هذه القوانين) ومنع مساعدة آخرين على زيارة دول عدوّ إلّا بترخيص والذي منعته المؤسّسة وما زالت وبالذات عن العرب الدروز مذهبيّا وإنسانيّا.
تولّى المهمّة الإنسانية هذه في قرانا العربيّة الدرزيّة محليّا وقطريّا أعضاء ميثاق المعروفيّين الأحرار والذي كان طيّب الذكر أبو العلاء نجيب علّو من الأعضاء الروّاد. شهد المشروع مؤامرات كثيرة شارك فيها البعض من داخل المشروع ضاربًا هذا البعض الوفاء لبّ “أوّلها وأعظمها” عرض الحائط خدمة لمآرب ذاتيّة وعائليّة، وبعض آخر انهزم أمام ضعفه وولّى هاربًا عند أوّل مواجهة. نجيب علّو ظلّ وفيّا صامدًا حتّى آخر رمق في حياته، ففي سنيّ ضعفه الجسديّ القليلة الأخيرة ورغم المصيبة التي حلّت به بفقده بكره علاء وفي زباراتي المتواترة له لم يفتأ يسأل عن المشروع وأحواله ويقّدم النصح.
سأورد هنا كلمته التي ألقاها في اللقاء التواصلي أمام الرئيس الفلسطيني يوم 20 كانون الثاني عام 2010، على أن أضيف لاحقًا كلمته في لبنان في تموز 2010 في دارة خلدة:
“بسم الله الرحمن الرحيم
سيادةَ الرئيس أبو مازن محمود عباس المحترم
رئيس السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة
رئيس الدولة الفلسطينيّة العتيدة وقريبا إن شاء الله
شرف عظيم لنا أن نلتقي بك اليوم رئاسةُ وأعضاءُ لجنة التواصل الدرزيّة من كل قرانا العربيّة الدرزيّة من الجليل والكرمل. نحن كاسمِنا ومنذ أن أسسنا لجنة التواصل نقشنا على علمنا التواصلَ بيننا وبين بقيّة أبناء شعبِنا وأمتِنا عندنا في الداخل وفي فلسطينَ كلِها ووراء الحدود بعد انقطاعِ سنوات وعينيّا بعد نكبة شعبِنا وقيام دولة إسرائيل.
تعرفون سيادتُكم أن هذا الانقطاع فُرض علينا ولأسبابٍ وظروفٍ أقوى منّا نحن الذي لم يتعدّ عددنا بعد ال-48 ال-13132 نسمة، استُفرد فينا وفُرضت لاحقا علينا سياسات العزل والإبعاد عن أبناء شعبِنا بأساليبَ شتى كالتجنيد الإجباري وتربية أجيالنا بعيدا عن أصولهم الوطنيّة والعربيّة ولم نجد لنا سندا حينها من أحدٍ فبقيّة أبناء شعبنا منكوبة ومقطعّةِ الأوصال لا تستطيع أن تمدَنا بسند وقياداتُنا تساوقت ضدَّنا. ورغم ذلك عانينا تماما كما أبناء شعبنا من مصادرة أراضينا وسياسات التمييز في كل المجالات وما زلنا نعانيها حتى اليوم وخصوصا أنّ لقمةَ عيش السوادِ الأعظم منا حولوها إلى رهن في يد المؤسسة.
لكّن الوطنيين منّا عملوا جهدَهم في ظروف أنتم تعرفونها للحفاظ على جذوة الانتماء، ورعيلٌ بعد رعيلٍ حافظوا عليها متقدة رغم كل شيء مؤمنين أن يوما سيجيء لتعلو لهبا يضيء لنا الطريق، وهذا هو الحاصل في السنوات الأخيرة ففي العقد الأخير، يا سيادة الرئيس، وطبقا للدراسة التي أجراها “مؤتمر هرتسليا للشؤون الاستراتيجيّة” قبل الأخير وتحت عنوان : “ميزان الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة لدى المواطنين الإسرائيليين” خلُص إلى أن ميزان الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة لدى الدروز تدنى في العقد الأخير من 4 نقاط من أصل 6 نقاط إلى 1.6 نقطة من أصل 6 نقاط ، وأن نسبةَ الشبابِ المتهربين من الخدمة العسكريّة تعدّت لأول مرّة ال-50% وموصيا: أن هذا خطرا يجب على المؤسسة أن تتلافاه.
وقد كشفت صحيفةُ يديعوت أحرونوت الأسبوعَ الفائت وعلى أثر حملةٍ أعلنتها الشرطةُ العسكريّة لاعتقال المتهربين من الامتثال في مكاتب التجنيد أنه من أصل 1874 متهربا هنالك 455 من الشباب الدروز أي 24% من مجمل المتهربين في حين أن نسبة الملزمين من الشباب الدروز هي 0.8% فقط.
سيادةَ الرئيس…
لم يكن ليتأتى هذا لولا أن قررنا أن نزيحَ جدارَ العزلةِ عنّا ونُرسي أسسَ التواصل بيننا وبين أبناء شعبنا وبيننا وبين أبناء أمتنا بمشروع تواصل كذلك مع أهلنا في سورية ولبنان، يُدفّعوننا اليوم ثمنا له بمحاكمة النائب سعيد نفاع لدوره في هذا المشروع ونيّة محاكمة سبعة شيوخ من اللجنة على ذلك.
إننا نرى في لقائنا اليوم لبِنة أخرى هامّة في مشروعنا للتواصل الوطني والإنساني لا بالتواصل بإلقاء أبنائنا على الحواجز في مواجهة أبناءِ شعبهم. نرى فيك سندا لنا ورغم همومك الكبيرة التي تهدُ الجبالَ بهذا المشروع، ولذا سعينا إلى هذا اللقاء للتعبير عن تواصلنا مع أبناء شعبنا عبرَك، ومتوخين منك العونَ لنا للتواصل مع أهلنا وأبناء أمتنا عبر الحدود وخصوصا أن المشروع يواجه عدا التعنّت الإسرائيلي عقبات أخرى إطلاعُك عليها مهمٌ وفي الطريقة المناسبة.
وأخيرا يا سيادة الرئيس…
نحن نشدّ على يديك في مسعاك الصعب لإحقاق حقّ أبناء شعبنا بدولة مستقلة وعاصمتُها القدس الشريف، وحقِ المشردين منهم في حلّ عادل ليعودَ لهم التواصلُ مع أبناء شعبهم، وبالطُرق التي تنتهجها بصبر ورويّة وعقلانيّة.
متمنين لشعبنا الوحدةَ أولا والرُقيَ والرفعةَ والتحررَ بزوال الاحتلال وندعو السلطات الإسرائيليّة أن تستجيب لمساعيك السلميّة فالسلمُ سيّدُ الأحكام وفيه إحقاقُ حقّ الشعوب إن كان عادلا… والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه”
طيّب الله ذكره وثراه
سعيد نفّاع
25 آب 2023