رحيل العروبي طلال سلمان صوت الذين لا صوت لهم… وداعًا صديقي أبا أحمد
الإعلامي- أحمد حازم
تاريخ النشر: 26/08/23 | 10:14كانوا يطلقون عليه في لبنان “عاشق فلسطين” لكثرة ما يدافع عن القضية الفلسطينية في المحافل العربية والدولية وكان عروبيا بامتياز. كل خبر يتعلق بفلسطين والقضية الفلسطينية وبالراحل “أبو عمار” كان يحتل المرتبة الأولى في صحيفة “السفير” اليومية التي أسسها في العام 1974، والتي أصبحت من كبريات الصحف في الشرق الأوسط. صحيح انه لبناني الجنسية لكنه فلسطيني الهوى والمواقف.
المولود الجديد “السفير” لم يعمر طويلاً. لقد كبر “السفير” وترعرع على الوفاء للوطن والإخلاص للشعب ودفع عجلة القضايا الوطنية الى الأمام، لكنهم لم يريدوا لهذا المولود الحر البقاء في طريقه فلم يعمر سوى 43 عاما فقط. فقد أقفل الراحل طلال أبواب مكاتب السفير في الرابع من كانون الثاني/يناير 2017، وكان هو آخر من يخرج منها. مشهد مؤلم وحزين.
تعرفت على الراحل عندما كان يعمل في “دار الصياد” الصحفية ثاني أكبر مؤسسة إعلامية في لبنان بعد مؤسسة “النهار”، علماً بأنه عمل قبل ذلك في مؤسسات إعلامية كبيرة، معروفة بوطنيتها وحبها لفلسطين. كان أول صحفي يجري مقابلة شاملة مميزة مع الرئيس الليبي معمر القذافي بعد قيامه بـ “ثورة الفاتح من سبتمبر” عام 1969. هذه المقابلة لم تكن في مكتب أو بيت، بل كانت على الحشيش في جنينة. كنّا نعتبره صحفي الملوك والرؤساء العرب لأنه حاور معظمهم ان لم يكونوا كلهم. ما تتميز به مقابلات الراحل انها كانت تتضمن دائما الحديث عن فلسطين والعروبة. لذلك كان هو أحد حماة فلسطين ليس في لبنان فحسب بل وفي العالم العربي.
كانت صحيفة “السفير” منذ تأسيسها وحتى إغلاقها صحيفة النخبة الوطنية في لبنان. الراحل طلال سلمان فتح قلبه وقلب “السفير” للراحل ناجي العلي الذي عمل فيها فترة فأشهرته وأشهرها. قال له طلال في اليوم الذي غادرها الى الكويت:” هذا يوم حزين يا ناجي لن أنساه طيلة حياتي، وبخروجك تفتقد السفير ركناً أساسياً منها”. هكذا أخبرني الراحل ناجي العلي.
كانت “السفير” صحيفة لبنانية وفلسطينية في نفس الوقت. سألته ذات يوم عن رأيه في نهج الراحل عرفات فأجابني بكل تواضع: “ومن أنا حتى أقيم قائداً بهذا الحجم؟” فقلت له مازحا ” يبدو انو الختيار داير بالو عليك” ففهم قصدي وأجابني بلهجة الواثق من نفسه:” انت بتعرف يا أحمد أنا بعطي لفلسطين وما بوخد منها”. فعلاً هكذا أمضى حياته.
كان الراحل طلال سلمان يحظى بمكانة كبيرة في الوسطين السياسي والإعلامي في لبنان. كيف لا وهو الذي كان ملتزماً بقضايا الوطن والناس والأمة وفلسطين بالتحديد، طوال مسيرته المهنية التي استمرت 65 عاما، وهو الذي رفع في صحيفته شعار “صوت الذين لا صوت لهم”. في بداية عمله الصحفي الذي بدأه في سن مبكرة، عمل “مصححاً” للأخطاء اللغوية. لكنه فيما بعد أراد تصحيح الأخطاء السياسية، فلم يعجب البعض، ولذلك تعرضت مطابع “السفير” في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1980لعملية تفجير، وبعدها تعرض هو لمحاولة اغتيال أمام منزله في رأس بيروت فجر يوم 14 تموز/يوليو 1984 سبقتها قبل ذلك محاولات لتفجير منزله.
عندما التقيته آخر مرة في مؤتمر القمة العربية في العاصمة القطرية الدوحة عام 2009 تبادلنا مطولاً أطراف الحديث، وكنا سنستمر أكثر لولا قدوم اعلامي قناة الجزيرة الصديق محمد كريشان، الذي اختطفه مني قائلاً ” مش كل الوقت الك يا أحمد”.
وأخيراً…
صحيح ان طلال سلمان نجا من الموت في تلك الفترة، لكن الموت خطفه من بيننا يوم أمس الجمعة، والموت حق أيها المميز وكلنا على هذا الدرب سائرون. وداعاً يا زميلي وأستاذي أبا أحمد، إلى جنات الخلد.