جنوب السودان: مقتل واغتصاب مدنيين بينما يتصاعد العنف ويتفاقم خطر المجاعة
تاريخ النشر: 09/05/14 | 0:33قالت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر اليوم إن تحقيقاً جديداً في الصراع الدائر في جنوب السودان قد كشف عن فظائع مروعة ارتكبها طرفا الصراع، مع تصاعد الهجمات التي تستهدف المدنيين بسبب العرق والانتماءات السياسية المتصورة، وبما يشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويوثق تقرير لا مكان آمن: المدنيون تحت الهجوم في جنوب السودان روايات مباشرة لناجين من المذابح، وضحايا الاعتداء الجنسي، وشهود عيان على نزاع أجبر ما يزيد على مليون شخص على الفرار من منازلهم، ووضع أحدث دولة ظهرت إلى حيز الوجود نشؤاً في العالم على شفير كارثة إنسانية.
ويورد التقرير تفاصيل انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات المتناحرة الموالية للرئيس سالفا كير، وتلك التابعة لنائب الرئيس السابق، ريك ماشار ، منذ اندلاع النزاع في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2013. حيث استهدف المدنيون بشكل منتظم في المدن والقرى، وفي منازلهم، وكذلك في الكنائس والمساجد والمستشفيات، وحتى في مجمعات الأمم المتحدة التي التمسوا الأمان فيها. وعثر باحثو منظمة العفو الدولية في بعض هذه الأماكن على هياكل عظمية بشرية وجثثاً بشرية متحللة تنهشها الكلاب. وفي أماكن أخرى، شاهدوا مقابر جماعية، بما في ذلك خمسة في بور ضمت رفات 530 شخصاً، طبقاً لمسؤول حكومي. وشاهدوا في كل مكان منازل منهوبة ومحترقة ومرافق طبية مدمرة، ومخازن للمساعدات الغذائية الإنسانية جرى نهبها.
وفي هذا السياق، قالت ميشيل كاغاري، نائبة مدير برنامج أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن “هذا البحث يكشف النقاب عن معاناة لا يمكن تصورها للعديد من المدنيين غير القادرين على الهروب من دوامة متصاعدة من العنف في جنوب السودان. فقد تم ذبح المدنيين في الأماكن عينها حيث التمسوا اللجوء. وتم اغتصاب الأطفال والنساء الحوامل وتصفية المسنين والعجزة بالرصاص في أسرة المستشفيات”.
وأضافت ميشيل كاغاري إلى ذلك قولها: “لقد أظهرت قوات الطرفين تجاهلاً تاماً لأكثر المبادئ أساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. ويتعين محاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذه التجاوزات الخطيرة، أو تواطؤوا في اقترافها، أو أصدروا الأوامر بارتكاب مثل هذا الانتهاكات، التي يشكل بعضها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وعلى الرغم من أن الصراع السياسي هو الذي أشعل فتيل النزاع، إلا أنه اتخذ بعداً عرقياً ملحوظاً، بسبب انتماء العديد من أعضاء الحكومة إلى قوات الدينكا، الموالية للرئيس سيلفا كير بصورة رئيسية، مقابل جيش المنشقين والميليشيات المتحالفة الموالية من النوير، الموالين لنائب الرئيس السابق ريك ماشار. وقد استهدف كلا الجانبين بصورة منهجية أعضاء الجماعة الإثنية الأخرى. وتوثق منظمة العفو الدولية في التقرير، استناداً إلى بحوث ميدانية أجريت في مارس/آذار 2014، حالات استهداف لمدنيين من الدينكا والنوير والشيلوك على أساس انتمائهم العرقي وولاءاتهم السياسية المفترضة.
فوصف أحد الناجين من إحدى المذابح كيف طوقه الجنود في جوبا واحتجز مع ما لا يقل عن 300 رجل آخر في غرف مكتظة في ثكنات الجيش. وقال: “كان المكان حاراً جداً ولم يكن لدينا ماء. وحوالي الساعة 7-08 مساءً قمنا بفتح النافذة لاستنشاق بعض الهواء. فما كان من الجنود إلا أن أطلقوا علينا الرصاص عبر النافذة. فقتل العديد من الأشخاص في الغرفة التي كنت فيها. وألقى الباقون بأنفسهم بين القتلى للبقاء على قيد الحياة، متظاهرين بأنهم أيضاً أموات. حيث كان الجنود يطلقون النار من النافذة على أي شيء يتحرك. ولم ينج منا سوى 12 شخصاً “.
ووصفت إحدى النساء لباحثي منظمة العفو الدولية كيف اغتصبت شقيقة زوجها، البالغة من العمر عشر سنوات، من قبل عشرة رجال في غندور، بمقاطعة لير، وروت أخرى كيف كانت إحدى 18 امرأة تعرضن للاغتصاب من قبل جنود الحكومة في بالوب. قالت: “كنت حاملاً في الشهر الثالث، ولكن لأني اغتصبت من جانب عدد كبير من الرجال، سقط الطفل. ولو رفضت لكانوا قتلوني. اغتصبني تسعة رجال”. وقالت إن الجنود أدخلوا عصي خشبية كبيرة في مهبل سبعة نساء رفضن أن ينصعن لمحاولات الاغتصاب. وتوفي النساء السبع جميعهن.
وقد أصبح الوضع الإنساني في جنوب السودان، بسبب الصراع، شديد التوتر على نحو متزايد. ومنعت أعمال العنف الجارية النازحين من العودة إلى أراضيهم في هذا الوقت الحاسم لموسهم الزراعي. وما لم تزرع المحاصيل خلال موسم الأمطار هذا، فإن المجاعة قادمة بصورة شبه أكيدة. ومع بداية موسم الأمطار، ستصبح الطرق قريباً غير صالحة للتنقل، مما يجعل تسليم المعونة الإنسانية التي تمس إليها الحاجة مستحيلاً في العديد من المناطق المتضررة من النزاع. وقد حيل دون وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الإمدادات الطبية والأغذية، بصورة متعمدة إلى أولئك الذين شردوا بسبب النزاع، كما جرت عرقلة جهود الهيئات الإنسانية وتعرضت للهجوم في ولايات جونقلي وأعالي النيل والوحدة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة على الأقل من العاملين في المجال الإنساني.
ورداً على اندلاع أعمال العنف في جنوب السودان، اتفق مجلس الأمن الدولي بالإجماع في ديسمبر/كانون الأول الفائت على زيادة مؤقتة في مستويات قوة حفظ السلام، ولكن نشر القوات كان بطيئاً بينما كافحت “بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان” (أونميس) حتى تتمكن من تنفيذ المهام الموكلة بها، والمتمثلة في حماية السكان المدنيين. وقد أنشأ مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الأفريقي لجنة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن أعضاءها بلم يبدأوا بعملهم الميداني إلا الآن، ولم تتحقق وعود حكومة جنوب السودان بالتحقيق في التجاوزات من جانب قواتها. ومن الضروري اتخاذ إجراءات سريعة وملموسة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية لوضع حد لأعمال العنف، ووقف الأعمال الانتقامية ضد المدنيين، وإخضاع المسئولين عنها للمساءلة.
وقد تقدمت منظمة العفو الدولية بعدة توصيات رئيسية لمعالجة الأوضاع:
• فينبغي أن تعدِّل الأمم المتحدة صلاحيات “أونميس” للتركيز على حماية المدنيين، وإجراء التحقيقات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية.
• ويتعين على أطراف النزاع وقف جميع الانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والسماح بالوصول غير المقيد للمساعدات الإنسانية إلة من هم في حاجة إليها.
• ويتعين على كلا الجانبين التعاون التام مع إجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة في الانتهاكات، بما في ذلك مع جهود “لجنة الاتحاد الأفريقي للتحقيق”، واتخاذ الخطوات اللازمة لتقديم المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني إلى ساحة العدالة.
شهادات من التقرير:
وصفت لنا امرأة كيف اقتيد ابنها، البالغ من العمر 20 سنة، ومعه رجلان آخران من بيتها، في حي إدن من جوبا، في 16 ديسمبر/كانون الأول 2013، على أيدي الجنود في منتصف الليل. وقالت: “أخرجوهما من البيت وأوثقوا أيديهم خلف ظهورهم، ثم ربطوا أقدامهم بالحبل نفسه، بحيث أصبحت أيديهم مشدودة إلى أقدامهم كالغنم ولم يعد بإمكانهم الحركة. ثم أطلقوا عليهم النار بصورة متكررة”. وفرت هي إلى بيت جيرانها، حيث جرى اغتصابها وتسع نساء أخريات بصورة جماعية من قبل الجنود عقب ذلك.
وفي بور، بولاية جونقلي، عثر على جثث 18 امرأة في مجمع كاتدرائية سنت أندرو وجواره، في يناير/كانون الثاني 2014. ويعتقد أنهن كن ضحايا هجوم قامت به قوات المعارضة. وكانت ست من النساء من التابعات لإكليروس الكنيسة، وكن جميعاً من الدنكا.
وفي ملكال، بولاية النيل الأعلى، زارت منظمة العفو الدولية مستودعاً لتخزين الطعام تابعاً لبرنامج الأغذية العالمي كان قد تعرض للنهب والتدمير في يناير/كانون الثاني 2014، عندما تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على المدينة. وورد أن كميات الطعام التي جرى نهبها في أقل من ثلاثة أيام كانت تكفي لإطعام 400,000 شخص طيلة ثلاثة أشهر.