د. محمد يونس: الانسداد الرئوي هو مرض خطير يتطلب العلاج، ازدياد مقلق في المجتمع العربي
تاريخ النشر: 06/09/23 | 9:52 يعتبر مرضى الانسداد الرئوي ان حالتهم المرضية مرتبطة بكبر السن أو ظاهرة طبيعية لأعراض أمراض مزمنة أخرى وهنا أريد ان أوجه رسالتي الى مجتمعنا: “الانسداد الرئوي المزمن هو حالة مرضية يمكن علاجها ويمكن منع اسقاطاتها الخطيرة المستقبلية على مجمل وظائف الجسم الحيوية”
مرض الانسداد الرئوي المزمن او ما يعرف بالمجال العلمي بمرض ال (COPD) يعد أحد أكثر الأمراض المزمنة والأكثر خطورة في عالمنا الحديث، وهو في ازدياد مقلق في المجتمع العربي، اذ يحصد ملايين الأرواح سنويًا مما يجعله المرض المسبب الثالث للوفيات عالميًا. كما وأن الأشخاص المصابون بمرض الانسداد الرئوي المزمن أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض القلب وسرطان الرئة ومجموعة متنوعة من الحالات المرضية الأخرى.
كما ويشكل هذا المرض عبئًا اقتصاديًا ثقيلا على ميزانيات الدول وهدرًا خطيرًا لمقدرات الحضارة الانسانية، اذ يكلف ما قدره 100مليار دولارسنويًا، ناهيك عن الوفيات التي تقدر بالملايين على مستوى العالم وبالألاف على المستوى المحلي.
حول هذا الموضوع تحدثنا مع د. محمد يونس، اخصائي أمراض الرئة- المركز الطبي هعيمك
بداية ما هو مرض الانسداد الرئوي المزمن وما هي مسبباته الرئيسية؟
لتوضيح المرض من الناحية الطبية ببساطة، كي يدركه المرضى وأبناء مجتمعنا، استطيع أن أقول بشكل عام: عند التنفس، ينتقل الهواء عبر القصبة الهوائية إلى الرئتين من خلال الشعب الهوائية التي تنقسم عدة مرات – مثل فروع الشجرة – إلى العديد من الأنابيب الأصغر (القصيبات) التي تنتهي بمجموعات من الأكياس الهوائية الدقيقة (الحويصلات الهوائية). تحتوي الأكياس الهوائية على جدران رقيقة جدًا مليئة بالأوعية الدموية الدقيقة (الشعيرات الدموية). يمر الأكسجين الموجود في الهواء الذي نستنشقه إلى هذه الأوعية الدموية ويدخل مجرى الدم. بذات الوقت، يخرج غاز ثاني أكسيد الكربون – وهو غاز ناتج عن عملية الأيض – مع الزفير. تعتمد الرئتين على المرونة الطبيعية لأنابيب الشعب الهوائية والحويصلات الهوائية لإخراج الهواء. يتسبب داء الانسداد الرئوي المزمن في فقدانها لمرونتها وزيادة تمددها بشكل مفرط، ما ينتج عنه انحباس بعض الهواء في الرئتين عند الزفير.
المسبب الرئيسي لهذا المرض هو التدخين، فواحد من كل أربعة مدخنين قد يصاب بهذا المرض الخطير.
الآلاف من المواد السامة والضارة المنبعثة من السجائر، تسبب التهابًا مزمنَا للغشاء المخاطي في الشعب الهوائية والحويصلات، بالإضافة الى التسبب بانقباضات الشعب الهوائية وبالتالي الى اضطرابات او انخفاض في نقل الاوكسجين من الرئتين الى أجهزة الجسم. ان التلوث البيئي والتعرض المستمر لدخان المصانع او دخان المواد المشتعلة وعوامل أخرى مثل غبار المناجم قد يؤدي ايضًا الى الإصابة بهذا المرض. كما وأن العامل الوراثي يلعب دورا هاما في ظهور المرض اذ أن نقص او خلل في انزيم ال (A1AT) يساهم في ظهور مبكر لهذا المرض لدى شريحة المرضى الاقل من الاربعين عاما.
ما هي أعراض مرض الانسداد الرئوي المزمن؟
أعراض الانسداد الرئوي المزمن تتمثل في ضيق في التنفس والاعياء والوهن عند القيام بالفعاليات اليومية او عند ممارسة الرياضة وشعور بالضغط على الصدر، وأيضا سعال مزمن يرافقه عادة تراكم البلغم. كما وهنالك اعراض اخرى قد تظهر مع تفاقم المرض والاستمرار في التدخين، مثل: النقص الحاد او المزمن بنسبة اشباع الاوكسجين، وعندها قد تظهر اعراض فشل عضلة القلب اليمنى مما يؤدي الى تراكم السوائل وانتفاخ الاطراف السفلية.
كيف يتم تشخيص المرض وطرق العلاج ؟
عند ظهور الاعراض السابقة يجب التوجه الى الطبيب واجراء فحص وظائف الرئتين وفحوصات جسدية ومخبرية مختلفة. تشخيص المرض يعتبر سهلا ودقيقا ومن المفضل بدء العلاج بالسرعة الممكنة.
المرحلة الأولى في علاج الانسداد الرئوي المزمن هي الاقلاع عن التدخين أو الابتعاد عن المسبب الرئيسي للمرض مثل استنشاق المواد الملوثة والسامة كما ذكرت والتي قد تكون مرتبطة بمكان السكن أو طبيعة العمل وغيرها. ليس خفيا أن الإقلاع عن التدخين ليس سهلا ويتطلب علاجا متعدد المجالات يشمل الادوية، ورشات لتعزيز إرادة المدخن وغيرها من الاختصاصات الطبية. المشجع أن هذه العلاجات مشمولة وممولة من قبل صناديق المرضى وهي متاحة مجانا لمن يقرر التخلص من التدخين.
المرحلة الثانية بعد الإقلاع عن التدخين هو علاج ما سببه التدخين من أضرار على مر السنين مثل انقباض الشعب الهوائية وتضرر مرونتها حيث يمكن الاستعانة بالعقاقير والادوية والمواد التي تساعد على توسيع الشعب الهوائية، عن طريق استخدام المرشات قصيرة الامد وطويلة الأمد. كما وهنالك مرشات تحتوي على نوعين مختلفين من المواد او اكثر، بالإضافة الى وجود مرشحات جديدة تحتوي على مركبات ثلاثية قد تمنع من استفحال المرض وتسهل على المريض الالتزام في العلاج كونها ملائمة للجرعات الصباحية والمسائية.
ما هي رسالتك الى المرضى؟
بشكل عام نصبو في البداية الى التشخيص الدقيق وتحييد وعلاج مسببات المرض ومن ثم علاج ما سببه التدخين لسنوات طويلة ومساعدة المريض على تحسين جودة حياته. للأسف يعتبر مرضى الانسداد الرئوي ان حالتهم المرضية مرتبطة بكبر السن أو ظاهرة طبيعية لأعراض أمراض مزمنة أخرى وهنا أريد ان أوجه رسالتي الى مجتمعنا: الانسداد الرئوي المزمن هو حالة مرضية يمكن علاجها ويمكن منع اسقاطاتها الخطيرة المستقبلية على مجمل وظائف الجسم الحيوية. العلاج لا يتطلب التدخل الجراحي غالبا والتأثيرات الجانبية للعلاج نادرة والعلاج يسير باتجاه واحد: التحسن المستمر والتخلص من أضرار التدخين او التعرض للتلوث والمواد السامة وترميم الرئتين.
بالرغم من أن الانسداد الرئوي يعتبر مرضا مزمنا لا شفاء منه بالكامل، لكن من شأن التشخيص المبكر والالتزام بنمط حياة صحي بالإضافة الى المواظبة على العلاج، أن يخفف بصورة كبيرة من حدة تفاقم المرض ومنع المس بأجهزة الجسم الحيوية الأخرى وبجودة الحياة. ترميم الرئتين ضروري على مجمل وظائف الجسم وهو متاح.
في الصورة: د. محمد يونس- تصوير محمود أسعد