لا لمسرح القناع!!
د. محمود أبو فنّه
تاريخ النشر: 10/09/23 | 11:16سقى الله تلك الأيّامَ التي كان الناسُ فيها على سجيّتهم لا يعرفون الأقنعةَ ولا الملابسَ التنكرية!
حينها كانوا يضحكون أو يبكون، يصادقون أو يعادون، يصحُون أو ينامون – على طبيعتهم!
آنذاك، لم يعرفِ الناسُ الملابسَ التنكريّة ولا عرفوا الأقنعةَ التي تُخفي الوجوه!
واليوم، صرنا – كما يقولون في لهجاتنا المحكيّة – “نبحث بفتيلة” عن وجهٍ حقيقيّ بلا قناع وبلا مساحيق!
أصبحنا نكدّ ونحن ننقّبُ ونحفرُ علنا نكتشفُ معدنَ الإنسان وجوهرَه الحقيقيّ!
أيّ مسرحٍ جديد فرض نفسَه علينا؟!
في هذا المسرح، الممثلون والمخرجون والمنتجون والمتفرجون والمشاهدون – جميعهم – يلبسون ملابسَ تنكريّة ويعتمرون أقنعةً غريبة، ويركّبون نظّاراتٍ تحجب بريق العيون!
يتحدّثُ الناس عن الحريّة وهم في أعماقهم عبيدٌ للشهوات والأطماع!
ينادون بالمساواة للجميع وهم يمارسون القمعَ والاستبداد!
يتبجّحون بالتنوّر والتحرّر وهم أسرى الأفكار النمطيّة البائدة!
يجهرون بالإيمان وهم يُخفُون نزعاتِ الجاهليّة!
يتلون آياتِ الذكر الحكيم ويحرمون النساءَ حقّهن في الميراث!
يتظاهرون بالجود وهم لا يُعطون النعجة إلا ليأخذوا الثورَ والجمل!!
متى تسودُ روحُ الحقّ والعدل والصدق والاستقامة بين الناس؟!
متّى يحبّ الإنسانُ أخاه الإنسانَ كما يحبّ نفسَه؟!
متّى يواجه الإنسانُ الشرّ والمنكرَ بعزيمةٍ لا تعرفُ الخنوعَ ولا التراجع؟!
أما قال الرسولُ الكريمُ محمّد (ص): الساكتُ عن الحقّ شيطانٌ أخرس؟!
لتتحرّرِ النفوسُ من نرجسيّتِها وأنويّتها، ولتنفتح على البذل والإيثار!
لنتمثّل بقول رهينِ المحبسَين أبي العلاء المعرّي الذي لا يحبّ الانفراد وحده في جنّة النعيم، ويتمنّى أن يعم المطر/الخير جميع البلدان:
ولو أنّي حُبيتُ الخُلدَ فردًا لما أحببتُ في الخلدِ انفرادا
فلا هطلتْ عليّ ولا بأرضي ….. سحائبُ ليس تنتظمُ البِلادا
لنقتدِِ بما نصّت عليه آياتُ الكتاب المبين؛ فلا سخرية ولا تنابز بالألقاب، وعلينا أن لا نسيء الظنّ بالآخرين، وأن نتجنّب النميمةَ والغيبةَ والتجسس، وأن الناسَ مختلفون وأفضلُهم عند الله أتقاهم:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” – سورة الحجرات
ليتفاخرِ الناسُ بأعمالهم وأخلاقهم لا بأنسابهم وأموالهم!
ولنتأكد أنَّ ما نقومُ به من عملٍ صالح خيّر، ومن التزامٍ بالقيم الحميدة النبيلة، لن يذهبَ سدى، بل سيعمُّ وينتشر، وسيسجّلُ في ميزان حسناتنا.
قال تعالى:
” وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” – سورة التوبة