“البقرة الحلوب”
حسن عبادي/حيفا
تاريخ النشر: 12/09/23 | 10:08كانت رماح تلميذة مجتهدة لفتت انتباه مدرّسها في الثانوية العامة، تقدّم لخطبتها وهي ما زالت في الصف الحادي عشر، ومباشرة بعد تخرّجها تم الزواج في حفل حسدتها عليه كل زميلاتها وقريباتها وبنات الحارة.
اهتمت رماح بشئون المنزل وتربية ولديها ولم تكمل تعليمها الجامعيّ نتيجة لزواجها المبكّر، بدأت الغيرة تقتلها، فحاولت التعويض عن ذلك بالتبرّج والاهتمام بمنظرها وزينتها، ولجأت لعمليّة تجميل لدى جرّاح متخصص في الجراحة التجميلية، لتكبير الثديين لتعزيز احترام الذات والثقة بالنفس، فصار ثدياها وصدرها مضرباً للأمثال وبدأ الكل يتهامس من حولها، وأطلقوا عليها “البقرة الحلوب”، ولكن ذلك أفقدها الشعور العادي والحس الجنسي في الثديين وسبّب عدم قدرتها على إرضاع طفلتها الصغيرة ممّا أدى لحالة اكتئاب رهيبة.
توجّهت رماح لعلاج نفسي، وبنصيحة مطبّبها قامت بعمليّة تكبير الشفايف بالفيلر والبوتكس، واضطرّت لاستعمال أحمر الشفاه ليل نهار لمحو آثار العمليّات، وبعد مسخها وسماع الإطراءات عالطالع والنازل، شاشت براسها وطلّقت زوجها لتعيش حياتها، حسب قولها، تركت البيت وسافرت لبلاد الغربة لتعود حاملة شهادة “مالهاش أبو ولا إم”.
بدأت تكتب هنا وهناك، وفتحت صفحات على الشاشة الزرقاء، إحداها مزيّنة بصورة بروفايل- شفتاها مع أحمر الشفاه البلاستيكي الفاقع، وصفحة أخرى بروفايلها- صورة ثدييها منتصبين، وحلمتاهما نافرتان، وصارت نجمة تشارك الندوات والحفلات، هنا وهناك وفي كلّ مكان، ملكة البرِنجة.
انتبه فارس، كاتب شاب يكتب الشعر والنقد، وله مكانته وحضوره الجاد، لهذه الفقاعة ونبّه إليها، حاولت استلطافه واستجداءه وإغراءه دون جدوى، ورغم كثرة بكّاياتها ومطبّليها ومزمّريها، والسحّيجة من حولها، ظلّ على رأيه ممّا جعلها تُبلّكه على صفحاتها، فلّاح عنيد.
دعاها كاتب مرموق للمشاركة بحفل ثقافيّ وزوّدها بالعنوان، وحين أوصلها سائقها إلى هناك تبيّن لها أنّها ندوة خصوصيّة، حضوره بصحبة صدرها وشفتيها. بدأت تتنقّل من حفل لآخر، بهرتها المنصّات وما يُكتب حول حضورها، وصورها تزيّن الصفحات والمواقع، شاشت براسها، وصارت تصول وتجول من علا المنصّات الفنيّة والثقافيّة والمقاهي والنوادي.
تواصلت رماح مع فنّان ثمانينيّ، بلديّاتها، نبّهته لوجودها، واتفّقا على حفل مُموّل مشترك (Duet) حضره القاصي والداني، وكلّ أهل القلم، وحين اعتلت منصة المسرح، مسكت المايكروفون، وبدأت تتراقص بغنج وتلفّ وتدور، لا دراية لها بموضوع الحفل، والحضور مركّز بأحمر شفاهها الفاقع وبصدرها النافر وبتنّورة الميني وكعبها الأحمر العالي، وفجأة لمحت فارس بين الحضور.
ارتبكت رماح، انكمش ثديها الأيمن وضَمُر، ممّا أثار دهشة الحضور وسخريتهم، اجهشت بالبكاء وسالت دموعها ممّا شوّه أحمر شفاهها، تبيّن أنّه صبغة من النوع الرخيص، نزلت عن المنصّة مهرولة باتجاه فارس، القرَويستْ، متوسّلة لنجدتها فقال لها: “والله حياة إمّي فطمتني عن الرضاعة”.
***من مجموعتي القصصيّة “على شرفة حيفا” الصادرة عن الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة