صناعة الفساد
معمر حبار
تاريخ النشر: 12/09/23 | 10:11وأنا متّجه إلى الجزائر العاصمة عبر طريق السّيار، وقفت على التّالي:
بعض السّائقين من مختلف الأعمار، والمستويات، والثّقافات يرمون فضلاتهم المختلفة النّوع، والمتعدّدة الحجم من نوافذ سياراتهم الجديدة الباهظة الثّمينة، والقديمة المكلّفة، وطيلة الطّريق.
فاسد من يعتقد أنّ الفساد ينحصر في فئة واحدة، دون غيرها من الفئات. فالفساد مسّ الجميع، وأتى على ىالهرم من أعلاه إلى أسفله، ودون استثناء. ومن استثنى فهو الفاسد المفسد.
لم يعد الفساد يعترف بـ “المؤقّت”. فهو في كلّ وقت، وفي كلّ مكان، وفي جميع الهيئات، وكلّ المناسبات، ومع جميع الأشخاص، والأعمار.
تجده في الملعب، وعرفة، والمدرسة، والجامعة، والوزارة، والسّفارة، والولاية، والدائرة، والبلدية، والمقهى، والسّوق، والمسجد، والحججّ والعمرة، والإقامة، والسّفر، والكبير، والصّغير، والمرأة، والرّجل، والطبيب، والإمام، والمهندس، والقاضي، والمحامي، والزّوج، والزّوجة، والأبناء، والجيران، والأحباب. والقائمة طويلة لمن أراد أن يزيّنها.
من مظاهر الفساد الرّاسخ: فاسد يجاهر بالفساد، ويغري بالفساد ضحاياه، وفاسد يمسي قدوة للضعيف، والمحتاج. وفاسد “يحارب؟!” الفساد لأنّه لم ينل حقّه من الفساد كما كان يرجو، ويتمنى.
ومن الفساد الجديد الذي لم يعرف الآباء، ولا الأجداد هو الفساد باسم الدين، والسّنة، والسّلف، والتّوحيد. فلا يعيد لك الدَيْن الذي عليك، وينطبق عليه قوله تعالى: “وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا”، سورة أسيادنا آل عمران. ولنفس السّبب القائم من يومها: “ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل”. وهؤلاء يقولون ليس علينا في الصوفي، والذي يحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والذي يقرأ القرآن الكريم جماعة، والذي يحتفل بيوم عاشوراء، والذي يقرأ بردة سيّدنا البوصيري من سبيل. ولذلك يتعمّدون سرقة الدَيّنْ، والاعتداء عليه، ولا يعيدون لأصحابه،. وهذا من أسوء مظاهر الفساد لأنّه باسم الدين، ويمسي التّعدي على حقوق النّاس من “الدين؟!”.
إليك هذه العيّنات التي تعبّر عن مظاهر الفساد: إمام يستولي على أموال التبرعات. وأستاذ جامعي يضغط على طالبة بريئة لأجل أن ينال شهوته. والبائع الذي يبيع أسوء مالديه بأغلى الأثمان. وأم تشتري لابنتها أغلى وسيلة لتستعملها للغشّ في امتحانات شهادة البكالوريا، وغيرها. وأستاذ يهاتف تلامذته، ويطلب منهم إحضار مبلغ ضخم لأجل أن يحلّ معهم الموضوع المسرّب. فيأتي الأولياء برفقة الأبناء ليشهدوا الفساد الثّلاثي القائم على الأستاذ، والوالدين، والأبناء. ويمكن للقارئ، والنّاقد أن يضيف للقائمة بما يعرفه، وعاشه من فساد، فإنّ لانستثني أحدا.
الفساد الذي نعنيه هو الفساد العابر للقارات، والمهدّم للكون. فتجده عند العرب جميعا، وفي الدول الإسلامية جميعا. وأوروبا، والدول الخمس المالكة لحقّ النقض، والدول العشرون، والسّبع، وعدم الانحياز، والجامعة العربية، والمنظمات الإسلامية. ولا يمكن أن أستثني أحدا.
فاسد من يعتقد أن الغربي غير فاسد. والحقيقة أنّ الغربي فاسد، لأنّه لايخرّب وطنه، ولا يسرق مجتمعه. لكنّه يسرق الآخرين، ويسطو على تاريخهم، وخيراتهم، وكفاءاتهم فينهبها، ويضيفها لخزينته حماية لها، ودعما.
الثّلاثاء 27 صفر 1445، الموافق لـ 12 سبتمبر 2023
الشرفة – الشلف