تَذْكِرَةْ قِصَّةٌ قَصِيرَةْ
بقلم: أ د الشاعر حسن عبد المعطي محمد عبد ربه
تاريخ النشر: 13/09/23 | 8:55أَقِفُ عَلَى سَطْحِنَا الشَّمْسُ سَاطِعَةٌ فِي مَنْظَرٍ جَمِيلٍ قَبْلَ
الْغُرُوبِ فِي السَّطْحِ الْمُقَابِلِ يَقِفُ الْوَلَدَانِ مُحَمَّدٌ وَزِيَادُ
وَأُخْتُهُمَا الْبِنْتُ سَلْمَى يَنْظُرُ لِي مُحَمَّدٌ خِلْسَةً وَهُوَ حَرِيصٌ
عَلَى أَلاَّ أَرَاهُ رُبَّمَا يَلْهُونَ وَيَلْعَبُونَ وَ يَمْرَحُونَ رُبَّمَا
يُذَاكِرُونَ يَجِدُّونَ يَجْتَهِدُونَ اللَّهُ أَعْلَمُ وَلِلَّهِ فِي خَلْقِهِ شُئُونٌ
الْبِنْتُ صَبَاحُ وَأَخُوهَا مُحَمَّدٌ وَابْنُ خَالِهِمَا عَبْدُ اللَّهِ :
يَتَحَدَّثُونَ فَجْأَةً قَالَتِ الْبِنْتُ صَبَاحُ لِابْنِ خَالِهَا عَبْدِ اللَّهِ:
أَنْتَ جِئْتَ لِتُعَطِّلَنَا عَنِ الْمُذَاكَرَةِ وَمُحَمَّدٌ يُثَرْثِرُ بِالْكَلَامِ مَعَ
عَبْدِ اللَّهِ وَ صَبَاحُ تَصِيحُ فِيهِ:اُسْكُتْ يَا مُحَمَّدُ يَرُدُّ مُحَمَّدٌ :
أَنَا أَقُولُ لَهُ حَاجَةً تَوَقَّفَ مُحَمَّدٌ عَنِ الْكَلَامِ وَ عَبْدُ اللَّهِ يُرِيدُ
أَنْ يُوَاصِلَ الْحَدِيثَ وَلَكِنَّ مُحَمَّداً بَادَرَ قَائِلاً : اُسْكُتْ يَا عَبْدَ
اللَّهِ حَتَّى تَسْتَطِيعَ صَبَاحُ الْمُذَاكَرَةُ تَنْطَلِقُ صَبَاحُ فِي
الْمُذَاكَرَةِ بِصَوْتٍ عَالٍ جِدًّا كَانَتْ تَقْرَأُ قِصَّةَ الصَّحَابِيِّ
الْجَلِيلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ذَلِكَ الرَّجُل- مَعَ أَنَّهُ قَدْ حُرِمَ
نِعْمَةَ الْبَصَرِ- إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَرَى – بِبَصِيرَتِهِ وَعِشْقِهِ وَحُبِّهِ
لِلَّهِ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ –
مَالَا يَرَاهُ النَّاظِرُونَ وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
قُلُوبُ الْعَاشِقِينَ لَهَا عُيُونٌ= تَرَى مَالَا يَرَاهُ النَّاظِرُونَا
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ صَحَابِيًّا عَبْقَرِيًّا مِنْ صَحَابَةِ
الصَّادِقِ الْأَمِينِ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ كَانَ رَجُلاً
مُخْلِصاً فِي عَقِيدَتِهِ وَكَانَ قَلْبُهُ شَفَّافاً مُحِبًّا لِلنَّاسِ كُلِّ
النَّاسِ يَفِيضُ بِالشَّوْقِ لِلدَّعْوَةِ الْجَدِيدَةِ – لِلدِّينِ الْجَدِيدِ
لِلْعَقِيدَةِ السَّمْحَاءِ الَّتِي سَتُنَوِّرُ الطَّرِيقً لِلْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ
بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْجَمَالِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالسَّعَادَةِ
وَالْبِشْرِ وَالسُّرُورِ وَالْفَرَحِ ظَلَّ عَبْدُ اللَّهِ يَحْلُمُ وَيَتَطَلَّعُ أَنْ
يَعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ ذَاتَ يَوْمٍ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ
أَنْ يَذْهَبِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ
عَمَّا يَدُورُ فِي نَفْسِهِ مِنْ أَسْئِلَةٍ عسى اللَّهُ أن يشرح صدره
وييسِّر عُسره و يهدي قلبه انطلق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ
إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حب جارف و
شوق عاصف ولكن حدَثت المفاجأة التي لم تخطر على
بال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُعِدُ الْعُدَّةَ لِدَعْوَةِ زُعَمَاءِ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
لِلْإِسْلَامِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يُقَوِّيَ بِهِمْ شَوْكَةَ الْإِسْلَامِ وَيَرْفَعَ
رَايَتَهُ عَالِيَةً خَفَّاقَةً فِي كُلِّ أَنْحَاءِ الدُّنْيَا وَلَكِنْ وَلِلْأَسَفِ كَانَ
مُعْظَمُ هَؤُلَاءِ الزُّعَمَاءِ مُسْتَغْنِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَ دَعْوَتِهِ
مُنْغَمِسِينَ فِي شَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَمَلَذَّاتِهَا دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أُمِّ
مَكْتُومٍ عَلَى سَيِّدِ الْخَلْقِ وَهُوَ فِي أَوْجِ انْشِغَالِهِ يُرِيدُ أَنْ
يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مَا يَعِنُّ لَهُ
وَبِطَبِيعَةِ الْحَالِ تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَشْغَلَهُ أَحَدٌ عَنِ أُمُورِ الدَّعْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآناً يُعَاتِبُهُ لِانْشِغَالِهِ
بِهَؤُلَاءِ الْمُنْصَرِفِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ غَيْرِ الْمُهْتَمِّينَ بِهِ
وَانْصِرَافِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْمَشْغُولِ بالُهُ
وَالْمُتَعَلِّقِ قَلْبُهُ وَكُلُّ جَوَارِحِهِ بِالْإِسْلَامِ تَخْلِيداً لِإِخْلَاصِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ وَالدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةْ
بِسْــــــــمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
((عَبَسَ وَتَوَلى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ
يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ
جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى ( 9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11))) سُورَةِ عَبَسَ