اَلْغُرَابُ الْجَمِيلْ قِصَّةٌ قَصِيرةْ
بقلم أ د / محسن عبد المعطي محمد عبد ربه
تاريخ النشر: 26/09/23 | 14:32أَجْلِسُ لِأَسْتَرِيحَ مِنَ الْمَشْي كَانَ التَّعَبُ قَدْ هَدَّنِي
مِنَ السَّيْرِ لَمْ أَنْتَبِهْ إِلَى مَا حَوْلِي تَلَفَّتُّ عَلَى نَعِيقِ
الْغُرَابِ مَالَكَ أَيُّهَا الْغُرَابُ !! أَجَابَنِي الْغُرَابُ
بِالنَّحِيبِ وَبَعْدَ بُرْهَةٍ مَسَحَ دُمُوعَهُ وَتَنَهَّدَ ثُمَّ
قَالَ:إِنَّنِي حَزِينٌ عَلَى كُلِّ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قَضَوْا
نَحْبَهُمْ لَيْسَ لَهُمْ ذَنْبٌ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ
قُلْتُ:- بِحَنَانٍ بَالِغٍ- لَا تَحْزَنْ يَا صَدِيقِي الْغُرَابَ
وَتَأَسَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى
نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ (الْأَحْزَابِ 23-
24) سَأَلَنِي الْغُرَابُ سُؤَالَ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ:مَنْ
هُمُ الصَّادِقُونَ؟ وَمَا جَزَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: يَا صَدِيقِي
الْغُرَابَ : الصَّادِقُونَ هُمُ الَّذِينَ قَاتَلُوا وَجَاهَدُوا
وَصَبَرُوا لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَ كَلِمَةُ الَّذِينَ
كَفَرُوا السُّفْلَى، وَجَزَاؤُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ الْغُرَابُ: أَعْرِفُ أَنَّ
جَزَاءَهُمُ الْجَنَّةُ فِي الْآخِرَةِ وَ أَنَّ أَرْوَاحَهُمْ تَكُونُ
فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ
يَتَزَوَّجُونَ الْحُورَ الْعِينَ وَيَسْتَمْتِعُونَ بِمَا لَا عَيْنٌ
رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ
وَلَكِنِّي لَا أَعْرِفُ مَا جَزَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا ؟!!!
قُلْتُ:- جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً أَيُّهَا الْغُرَابُ وَاللَّهِ إِنَّنِي
لَسَعِيدٌ بِكَ أَيَّمَا سَعَادَةٍ وَاللَّهِ إِنَّكَ لَمُثَقَّفٌ أَكْثَرَ مِنْ
شَبَابِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَالَّذِي أَعْجَبَنِي فِيكَ أَنَّكَ تُحِبُّ
التَّفَقُّهَ فِي الدِّينِ- جَزَاءُ الشُّهَدَاءِ فِي الدُّنْيَا – يَا
صَدِيقِي- هُوَ الْخُلُودُ وَعُلُوُّ الْمَكَانَةِ وَالذِّكْرِ الطَّيِّبِ
وَهُمْ فَوْقَ هَذَا أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْغُرَابُ:
"كَيْفَ يَا صَدِيقِي؟!!! لَقَدْ شَوَّقْتَنِي إِلَى
الشُّهَدَاءِ" قُلْتُ: يَا صَدِيقِي الْعَزِيزَ اقْرَأْ قَوْلَ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ – فَرِحِينَ بِمَا
آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ – يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ
اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)( آل عمران 169-
171) قَالَ الْغُرَابُ: وَاللَّهِ إِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَطِيرَ
وَأَلْحَقَ بِإِخْوَانِي الْمُجَاهِدِينَ فِي غَزَّةَ إِنَّنِي أَعْجَبُ
وَأَفْخَرُ بِجُرْأَتِهِمْ وَشَجَاعَتِهِمْ فِي مُقَاوَمَةِ
الْمُحْتَلِّينْ فَمِمَّنِ اسْتَمَدُّوا هَذِهِ الشَّجَاعَةَ؟!!!
قُلْتُ: – يَا صَدِيقِي الْغُرَابَ- اِسْتَمَدُّوهَا مِنْ قَوْلَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ
بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ
مُتَرَبِّصُونَ. (التوبة 52) فَالْمُجَاهِدُ يَبْغِي إِمَّا
النَّصْرَ وَإِمَّا الشَّهَادَةَ وَكِلَاهُمَا جَمِيلٌ لَهُ وَمِنْ هُنَا
تَجِدُ رُوحَهُ الْمَعْنَوِيَّةَ عَالِيةً مُرْتَفِعَةً قال الْغُرَابُ:
وَمَا سَبَبُ انْخِفَاضِ الرُّوحِ الْمَعْنَوِيَّةِ لِلْيَهُودِ
قُلْتُ:" لِأَنَّهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:( وَلَتَجِدَنَّهُمْ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ
مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
.(البقرة 96) فَهَؤُلَاءِ الْيَهُودُ الْأَخِسَّاءُ جَزَاؤُهُمْ
الْخِزْيُ وَالْخُذْلَانُ وَالذُّلُّ وَالْعَارُ وَالْهَوَانُ فِي
الدُّنْيَا مَهْمَا حَقَّقُوا مِنْ مَكَاسِبَ رَخِيصَةٍ" قال
الْغُرَابُ: "لَا تَنْسَ- يَا أَخِي أَنْ تَدْعُوَ لِإِخْوَانِكَ
الْمُجَاهِدِينَ فِي غَزَّةَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ" قُلْتُ:" وَاللَّهِ
إِنَّكَ لَغُرَابٌ جَمِيلٌ تَعْرِفُ كَثِيراً مِنْ أُمُورِ الدِّينِ
وَأَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ قُلُوبُ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ
وَالْإِسْلَامِيَّةِ رَقِيقَةَ الْمَشَاعِرِ كَقَلْبِكَ فَتَنْتَفِضَ مِنْ
رَقْدَتِهَا، وَتَهُبَّ مِنْ سُبَاتِهَا وَتُجَاهِدَ فِي اللَّهِ حَقَّ
جِهَادِهِ حَتَّى تَرْتَفِعَ رَايَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ فِي أَرْجَاءِ الْمَعْمُورَةِ ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ
مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)الْحَجِّ40
بقلمي أ د / محسن عبد المعطي محمد عبد
ربه.. شاعر وناقد وروائي مصري
[email protected]
[email protected]