رواية اليافعين “جبينة والشّاطر حسن” في ندوة اليوم السّابع
تاريخ النشر: 29/09/23 | 0:18القدس: 28-9-2023 – من ديمة جمعة السمان-ناقشت ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة الأسبوعيّة المقدسيّة رواية الفتيات والفتيان “جبينه والشّاطر حسن” لجميل السلحوت، تقع الرّواية الصّادرة عام 2023 عن مكتبة كل شيء في حيفا في 110 صفحات من الحجم المتوسّط. صمّم غلافها وأخرجها شربل الياس.
افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السّمّان فقالت:
رواية ” جبينة والشاطر حسن” خلط القديم بالحديث وغمس الواقع بالخيال
لا شك أن المكتبة العربية انتعشت منذ بداية القرن الجاري، إذ كثرت الإصدارات الموجهة للكبار وللأطفال، من شعر وقصص وروايات، منها ما هو جيد ومنه ما لا زال يحبو، ولكننا نلحظ أن هناك محاولات جادة من الكتّاب لدخول عالم الكتابة في الفنون الأدبيّة المختلفة، ما عدا الكتابة لفئة الفتيان، إذ أن هذا الفن الكتابي تحديدا من أصعب الفنون، فكيف يخاطب الكاتب الفتى؟ ما النهج الذي يتبعه؟ كيف يتعامل مع هذه الفئة؟ هو ليس بالطفل، وكذلك الأمر يحتاج الفتى إلى النصح والإرشاد، إذ لا زال في طور النمو العقلي والبدني، فلم يصل مرحلة البلوغ فكريا ونفسيا بعد، ومع ذلك لا يعترف بذلك. وبالتالي يتوه الكاتب بين العمرين، ويختصر ذلك بتجنب الكتابة لهذه الفئة العمرية الحرجة.
وكما عوّدنا الأديب جميل السلحوت، الذي يهتم بهذه الفئة الحرجة، يصر على الخوض في غمار كتابة قصص وروايات موجّهة للفتيان والفتيات، فهو المربي الذي عمل مدرسا لهذه الفئة العمرية، كما أنه ناشط إجتماعي وعمل بالصحافة، كما شغل منصب مدير العلاقات العامة في محافظة القدس. هذه المجالات مجتمعة منحته الخبرة الكافية للتعامل مع العائلات وحل مشاكلها، خاصة وأنه شيخ له باع طويل في القضاء العشائري. ومن منطلق أن المعرفة قوة، أتته الجرأة في مخاطبة الفتيان، وتوجيه الرسائل المباشرة وغير المباشرة لهم من خلال القصص والروايات التي تحمل في طياتها أربع عناصر هامة: المعلومة المفيدة، والنصح والإرشاد، والمتعة، واللغة، بأسلوب يتقبله الفتى.
جمع السلحوت في هذه الرواية بين القديم والحديث، من خلال دمج القصص الشعبية بالقصص اليومية والأحداث التي نعيشها في عصرنا الحديث، فغمس الواقع بالخيال، وضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. إذ جرت معظم أحداث الرواية في البلدة القديمة في القدس، وتحديدا في برج اللقلق، فانتهز السّلحوت الفرصة للحديث عن الأماكن المقدسة للمسلمين وللمسيحيين على حد سواء. وأشار إلى معانقة الهلال على مآذن المساجد للصليب على أبراج الكنائس، وكانت رسالة هامة تؤكد على أن تعاون وتعاضد أبناء الشعب الواحد من الديانتين الإسلامية والمسيحية.
كما أكّد على أهميّة عمل الخير، وبأن التعامل برأفة ومحبة وإنسانيّة مع الغير يعود علينا بالخير والمنفعة. وأشار إلى أهميّة الدعاء والتوكل على الله.
كما قدّم معلومات جغرافية وافية لحياة البرية في فلسطين، من القدس إلى البحر الميت وما بينهما من جبال ومناطق طبيعية جميلة، أشار لها بتفاصيل نباتاتها وحيواناتها المفيدة والضارة للإنسان، بأسلوب شيّق جميل مفيد، ومن خلال سياق لم يكن دخيلا على النّص. بل أظهر أهمية السياحة الداخلية لمناطق بلادنا الغنيّة بكل ما فيها من جمال وعطاء وتغذية للروح والبدن.
وكان لأسلوب تربية الأطفال حصّة كبيرة أيضا، إذ غاص السّلحوت في نفسية الأطفال واحتياجاتهم التي جاءت على ألسنتهم مباشرة. وعرّج على إهمية وجود الأخ أو الأخت في تطور شخصية الطفل وتلبية احتياجاتنه النفسية.
كما أشار إلى موضوع “الرّضا”، وهو مفقود عند الإنسان، فكل ينظر إلى حياة غيره ويعتبرها الأفضل. إذ أنّ أهل المدن يعتبرون حياة البريّة أجمل ويغبطون أهلها، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يعيش حياة البداوة، يحلمون بأن يعيشون حياة المدن.
كما أشار إلى أهميّة الحفاظ على آثار بلادنا وعدم التفريط بها، إذ أن الغرب ينهبون أثار بلادنا وخيراتها ويستثمرون بها، مع أننا أحق بها وبوجودها في متاحف خاصة نحفظها بها.
تسلسل أحداث الرواية كانت سلسة وجميلة بتفاصيلها، إلا أننا لاحظنا أن السلحوت
في الصفحات الخمس الأخيرة أخذ يركض بالأحداث، وكأنّه تنبه إلى أن الرواية طويلة، وقد تثقل على الفتى، مع أننا قرأنا في الأدب السويدي الموجّه للفتيان ما يزيد عن 400 صفحة.
طول الرواية للفتيان لا يعيبها، بل يزيد من ثقة الفتى، بأنّه قادر على التعاطي مع كتاب يحتوي على مئات الصفحات، بشرط أن تكون الأحداث سلسة وشيّقة، واللغة غير معقّدة، والمعلومات وافرة. وهذا ما تضمنته رواية السلحت.
وفي الختام، رواية جبينة والشاطر حسن، تعتبر إضافة للمكتبة العربية، وتلبّي احتياج الفتيان، شكلا ومضمونا.
وكتب محمود شقير:
يكتب الأديب جميل السلحوت رواية للفتيات والفتيان مستفيدًا من بعض أجواء الحكاية الشعبية، ومن الظلال والدلالات التي يتركها اسم جبينة واسم الشاطر حسن في الذاكرة الجمعية التي تشبعت حتى زمن ليس ببعيد بالحكايات الشعبية، التي كانت تبرع في سردها الجدات والعمات والخالات وبعض كبار السن من الرجال في ليالي السمر.
لكننا لا نلمس أي أثر للغولة وللغول ولا للجن الذي يخطف الفتاة الجميلة للزواج بها، أو البطل المنتمي إلى عالم الإنس الذي يعشق جبنيه وتعشقه الجنية، فيرتبطان بزواج وينجبان ولدًا أو عددًا من الأولاد.
يذهب جميل السلحوت بدلًا من ذلك إلى الطبيعة الفلسطينية الجميلة، وهذا بالطبع خيار جيد، فلا يترك اسمًا لمكان في برية القدس التي عاش فيها عرب السواحرة إلا توقف عنده، ولا يترك فرصة إلا استثمرها لإقناع ساكني المدينة بضرورة العودة إلى الطبيعة، طبيعة فلسطين، والتمتع بجمالها والتعرف إلى نباتاتها وطيورها وزواحفها وحيواناتها والتنزه في ربوعها والتخييم فيها.
2
ولكي يرسخ حب الطبيعة في نفوس الجيل الجديد، فقد جعل الكاتب الطفلة الجميلة جبينة ابنة السنوات العشر وأختها المتبناة زينب وصديقتها وضحا التي تعرفت عليها في البرية هنّ عنوان هذا الحب.
وعلى المقلب الآخر جعل الشاطر حسن معنيًّا بتنظيم الرحلات الحاشدة التي تضم مسلمين ومسيحيين من أبناء القدس؛ لزيارة مقام النبي موسى ومناطق البرية، التي نتعرف إلى أسمائها بدقة وشمول، ثم تمتد رغبة الكاتب في التعريف بالأماكن الفلسطينية إلى التوقّف عند دير أم عبيد ودير مار سابا الواقعين في أرض العبيدية المجاورة لأرض السواحرة، وذلك من باب تعزيز عنصر التعددية في المجتمع الفلسطيني، ولإظهار الغنى الحضاري والثقافي لهذا المجتمع.
ما يلفت الانتباه في هذه الرواية أن أحداثها تقع في فترة ربما كانت في القرن التاسع عشر، حيث نعثر على بعض الإشارات الدالة على الحكم العثماني ولو من بعيد، حين يكون الشاطر حسن ابن شاه بندر التجار في القدس، وحين لا تكون هناك أي سيطرة مباشرة على تصرفات الناس وعلى حيازاتهم للأرض وللمال وللذهب.
3
حين تضرب زينب بقدمها حائطًا رخوًا في البرية، فيتهاوى كاشفًا عن جرتين مملوءتين بالذهب، يعود بنا الكاتب إلى أجواء الحكاية الشعبية، حيث يصبح الكنز الذي عثرت عليه زينب ملكًا لها ولأسرة جبينة، وحيث تجعل الحكاية الشعبية مثل هذه المفاجأة المتمثلة بالعثور على كنز من ذهب فرصة للتفريج عن فقر الناس ولإدخال البهجة إلى نفوسهم، خصوصًا بعد أن يبيع كنعان، والد جبينة الذهب ويبني قصرًا في القدس له ولزوجته ولابنته جبينة ولابنه سعيد المولود حديثًا، وقصرًا لزينب وأمّها الأرملة خيزرانة، التي ستصبح زوجة لكنعان بعد وفاة زوجته بثينة.
حين نحاكم موضوعة السفر إلى أوروبا لبيع الذهب بمعايير العصر الحديث فإننا سنخرج بإدانة صريحة لكنعان لارتكابه مخالفة يحاسب عليها القانون. وذلك لأنه لا يجوز التصرف بما في باطن الأرض من خيرات، لأنها ليست ملكًا لمن يعثر عليها.
أمّا حين نأخذ العثور على الكنز والتصرف فيه بما يعود بالوفرة والغنى على كنعان وأسرته وعلى زينب وأمّها، على محمل الحكاية الشعبية التي لا تجد ضيرًا في ذلك، بل تعدّه أمرًا واجبًا لإسعاد المستمعين إلى الحكاية، من دون أن ينسى راوي أو راوية الحكاية تطعيمها بشيء من الحزن، فتموت الزوجة في زمن الوفرة والسكن في قصر باذخ؛ إنه تجاور الفرح مع الحزن في حياة الناس.
4
ولكي تكتمل فصول الحكاية عبر المغامرة والتشويق والبحث المستفيض، واستفادة الرواية من الحكاية الشعبية، فإنه يغدو مفهومًا ومبررًا اختطاف جبينة وزينب على أيدي اللصوص، وتطوع شباب كثيرين لإنقاذهما من دون جدوى، ثم إقدام الشاطر حسن وشقيقه حسين على مهمة البحث عن الفتاتين والعثور عليهما، وموافقة كنعان والد جبينة على زواج الشاطر حسن بها، وزواج شقيقه حسين بالفتاة زينب، هذا الزواج الذي اقترح الشاطر حسن تأجيله إلى أن يتمكن من استرداد المجوهرات التي سرقها اللصوص وإلى أن ينالوا عقابهم، وآنذاك تكتمل الفرحة وتنتهي الرواية المكرسة للفتيات والفتيان بطريقة مريحة للنفس وللوجدان، وتتعزز القيم الإيجابية التي بثها الأديب جميل السلحوت عبر سطور روايته، وقدمها للجيل الذي نعلق عليه الآمال.
وقالت د. روز اليوسف شعبان:
يشير عنوان الرواية لحكايتين شعبيتين في تراثنا الفلسطينيّ: قصة جبينة وقصة الشاطر حسن.
أمّا قصّة جبينة في التراث فتحكي عن الفتاة جبينة التي ولدتها أمّها بعد صعوبات في الحمل ومعاناة وطول انتظار، كانت جبينة بيضاء كقرص الجبن وجميلة جدا، ذاع صيتها وجمالها في البلاد فخطبها ابن أمير من بلاد بعيدةـ وأثناء السفر على الخيول والدواب، تتغلّب الخادمة السوداء على جبينة، فتركب بدلا منها الفرس، وتأمر جبينة بالمشي على قدميها، وحين يصل الجميع الى مشحرة فحم تأمر الخادمة جبينة بتشحير وجهها بالفحم فغدت سوداء، أمّا الخادمة السوداء فبيّضت وجهها بالمبيضة، وهكذا يتزوج الأمير الخادمة ظانًّا أنها جبينة، في حين تعمل جبينة في رعي الماشية، وفي المرعى تغني:
” يا طيور طايرة ويا وحوش سايرة
قولوا لامي وأبوي جبينة صارت راعية
ترعى غنم وترعى نوق وتقيّل نحت الدالية.
وذات يوم سمعها السلطان فعرّف قصّتهاـ فزوّجها لابنه وتم القضاء على الجارية. أمّا الشاطر حسن فقد أحبّ بنت السلطان حين كان يلتقي بها على الشاطئ خلال صيده، وكذلك الأميرة أحبته، ولما تقدّم لخطبتها اشترط والدها السلطان أن يحضر له الشاطر حسن درّة ثمينة. حزن الشاطر حسن ودبّ اليأس في قلبه فمن أين له بالدرّة الثمينة وهو الفقير؟ ذات يوم اصطاد سمكة ووجد بداخلها درّة فأهداها للسلطان وتزوّج ابنته.
لقد أخذ الكاتب جميل السلحوت بعض الأحداث من القصتين ودمجهما مع قصّته فبدت لنا قصّة حديثة تنبض بأصالة التراث.
قصة جبينة والشاطر حسن قصة جميلة شائقة تحكي لنا عن الفتاة الجميلة جبينه التي ولدتها أمها بعد معاناة، وذلك بعد أن استدعت بائعة اللبن والجبن لأمّ جبينه أن يحقق لها الله ما تتمناه، فتمنت الأمّ أن يرزقها الله فتاة جميلة بيضاء كقطعة الجبن. عاشت الفتاة سعيدة مع والديها اللذين كانا يعيشان في باب حُطّة قريبا من برج اللقلق في القدس القديمة.
كانت جبينه تتمتع إضافة الى جمالها بذكاء حادّ ونباهة. طلبت جبينه من والدتها بثينة أن تنجب لها أختا، ولمّا تعذّر عليها ذلك اقترحت على زوجها أن يتزوج من امرأة أخرى، لكن الزوج كنعان رفض ذلك، ثمّ قدمت ذات يوم امرأة أرملة مع ابنتها وطلبت من كنعان أن تعمل ابنتها زينب معه في بقّالته، فوافق كنعان وعرض عليها أن يأخذها؛ لتعيش في بيته مع ابنته. وافقت الأمّ على ذلك. وهكذا عاشت زينب وجبينة في بيت واحد وأصبحتا أختين.
ذات يوم حين كانت العائلة في البراري، دخلت جبينه أحد الكهوف، فرأت حجرا نافرا في الحائط فطلبت من زينب أن تنظر فيه، وحين ضربت زينب الحجر برجلها، سقط الحجر فظهرت في الفتحة جرّتان مليئتان بالذهب والقطع الأثرية النادرة، وهكذا فتحت أبواب السماء رزقها الكبير لعائلة كنعان وعائلة زينب.
في أحد الأيام اختطف لصوص زينب وجبينة اللتين كانتا ترتديان الحليّ والجواهر. أعلن كنعان عن منح خمسين ليرة ذهبا لكل من يعثر على الفتاتين. سمع بذلك الشاطر حسن وهو ابن شاه بندر التجار من أثرياء المدينة، فذهب هو وأخوه حسين للبحث عن الفتاتين، فسمعا طائرا ينشد :
” يا طيور طايرة ويا وحوش سايره
قولوا لامّي وأبوي جبينة صارت راعيه
ترعى غنم وترعى نوق وتقيّل نحت الداليه
فاستدلا على مكانهما في مكان مرعى تكثر فيه الدوالي، وفي ذلك إشارة الى مدينة أريحا، فوجداهما مقيدتين تحت الدالية، فأنقذاهما، خطب كنعان والد جبينة في الناس معلنًا خطوبة ابنته على الشاطر حسن وزينب على حسين. لكن الأخوين اشترطا أولا إلقاء القبض على اللصوص ومعاقبتهم.
ثيمات وقيم في الرواية:
1) أهمية التعرّف على بلادنا، والقيام برحلات في البراري والاستمتاع بجمالها.
2) علاقة التآخي والمحبّة بين المسلمين والمسيحيين، وقد تجلّت هذه العلاقة حين تبرّع الشاطر حسن بباصات من عنده؛ لأخذ الأطفال وذويهم في رحلات الى البراري، وتوجّه الى بطريرك المدينة طالبا منه تعميم الدعوة على رعيته، كما طلب من إمام المسجد الأقصى تعميم الدعوة على المصلّين.
3) ذكر أسماء نباتات لتعريف القرّاء بها منها: حويرة، خبيزة، حمّيض، المرْو وغيرها
4) ذكر أسماء حيوانات تعيش في البراري وتقديم معلومات عنها: الحنش، الثعلب، الأفعى، العقارب،
5) الكرم والجود وحسن الضيافة التي يتحلّى بها البدو الساكنين في البراري.
6) الوفاء بالوعد، فقد وعد كنعان زينب أن يعطيها حصّتها كاملة من الكنز الثمين الذي عثرت عليه جبينة وزينب.
7) المحافظة على آثار بلادنا وعدم بيعها للأجانب:” هؤلاء يأتون الى بلادنا؛ ليسلبوا وينهبوا ثروات وتاريخ وثقافة هذه الأمّة وهذه البلاد”. ص 99.
أسلوب السرد والمبنى الحكائي
تميّز أسلوب السرد في هذه الرواية ب”الرؤية من الخلف”: يتميّز السارد فيها بكونه يعرف كلّ شيء عن شخصيّات عالمه، بما في ذلك أعماقها النفسانيّة، مخترقًا جميع الحواجز كيفما كانت طبيعتها. (بوطيّب، 1993، ص.72 ) كان الراوي السارد ممسكا بخيوط الرواية، فيأتي السرد تارة بلسان الراوي، ثم ينتقل السرد إلى شخصيات الرواية، متمثلا بالحوارات الخارجية والداخلية.
يعرّف الدكتور خليل رزق (1998) المبنى الحكائيّ بأنّه “الحبكة” (sujet)، “وهو بمعنى تنظيم الأحداث في صياغة فنّيّة، حسب ظهورها في الخطاب السرديّ، ولا تتوجّب طريقة عرض أحداث الحبكة التطابق والتسلسل الزمنيّ للأحداث في الحكاية، فالمؤلّف يستطيع ترتيب أحداث الحكاية، بطرق متعدّدة، فقد يلجأ إلى استرجاع الماضي أو استشراق المستقبل” (رزق، 1998، ص. 39-40)
وهذا ما فعله الكاتب جميل السلحوت في روايته، فقد لجأ الى الماضي الى التراث وأدخله في روايته في أسلوب شائق، كما أنه استخدم الاستشراف، حيث تنبّأ أحد الرجال بمستقبل عظيم للفتاة جبينه، وبأنها ستتزوج ابن الحاكم، وأوصى والده بالحفاظ عليها.
المكان في الرواية:
يُعدّ المكان واحدًا من أهمّ المكوّنات السرديّة؛ فإنّ أيّ نصّ سرديّ يحتمل الوقوع ضمن وسط مادّيّ يشكّل خلفيّة للأحداث، ويُسهم، إلى جانب بقيّة مكوّنات النصّ السرديّ، في إيصال الرسالة النصّيّة.
يدخل المكان في علاقات متعدّدة مع مكوّنات العمل الروائيّ السرديّة، من شخصيّات وزمن ورؤية وغيرها، تجعل كلًّا منها مؤثّرًا في الآخر. ففي حين يُسهم المكان في صياغة الشخصيّات وبيان اهتماماتها ومستواها الاجتماعيّ والفكريّ، تعبّر الشخصيّة في مستويَيْها الاقتصاديّ والاجتماعيّ عن مكان سكناها، من غير الحاجة إلى الإسهاب في وصْف مكانها وتعليله. الطويسي، (2004، ص. 167.).
تُعَدُّ علاقة المكان مع الزمن علاقة وطيدة أيضًا؛ إذ إنّ الزمان والمكان أصبحا جزءًا من الفضاء السرديّ، عامّةً، والروائيّ، خاصّة، كما هو شأنهما في الفضاء الواقعيّ، فلم يعد ممكنًا أن تتخيّل فضاء الرواية من دون تخيُّل الزمن الذي ينبني من خلاله، فالزمن أصبح البعد الرابع للمكان، ما يعني أنّ حضور أحدهما يُلزم، بالضرورة، حضور الآخر.( محمود، 2009، ص. 290.).
في رواية جبينة والشاطر حسن لعب المكان دورًا هامّا ومركزيًّا، فقد دارت الأحداث في مدينة القدس وفي البراري المحيطة بها وفي أريحا، ومن خلال هذه الأمكنة استشعرنا عظمة القدس وأهميّتها للمسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء، يقول الراوي:” ترى الهلال على مآذن المساجد، يعانق الصليب على أبراج الكنائس والأديرة، فيمتلئ قلبها ايمانا”. ص 5.
أمّا البراري فكانت مكانا للأصالة والجمال والاسترخاء والهروب من صخب الحياة وضجيجها، فللبراري سحرها الخاصّ، لكنها مع ذلك تحفل بالمخاطر والحيوانات المؤذية. مع ذلك فإن هذا المكان هو جزء لا يتجزّأ من الوطن الجميل، لذا من الضروري جدا أخذ الأطفال إليه وتعريفهم به.
وقد لعبت المغارة دورا مركزيا في تغيير مجرى أحداث الرواية، فكانت المغارة المكان الذي جلب الغنى والسعادة لأسرتيّ جبينة وزينب.
أمّا الزمان فقد امتزج بالمكان، ولم يثبت على حال، فشخصيّتا الشاطر حسن وجبينىة، حضرا من الزمن الماضي، وتمثّلا في الحاضر، وكأنهما وحدة واحدة، فها هو الشاطر حسن ابن شاه بندر التُّجار يصول ويجول على فرسه في القدس، في حين يستخدم الناس السيارات للتنقل من مكان لآخر، والشاطر حسن الذي جاء به الراوي من قصص التراث، جعله بطلا مركزيا في روايته، يحارب الأشرار ويخلّص زينب وجبينة من براثنهم. فيغدو الزمان والمكان مسرحا لحكاية خياليّة ترتدي حلّة الواقع وتكشف لنا عري الأشرار.
استخدم الكاتب في سرده لغة معياريّة سليمة تناسب جيل الفتيات والفتيات، تحفل بالتناص، المأخوذ من قصتي جبينة والشاطر حسن التراثيتين، وبيت من الشعر الجاهلي لامرئ القيس الذي استشهد به الكاتب:” مكرٍّ مفرٍ مقبلٍ مدبرٍ معا كجلمود صخر حطّه السيل من علِ”. ص 72. كما أن الأسماء التي اختارها الكاتب لشخصيّات روايته، ترتبط ارتباطا وثيقا بتراثنا وتاريخنا. فالشاطر حسن وجبينة اسمان لحكايتين تراثيتين كما أسلفنا، والاسم كنعان( والد جبينة)هو اسم بلادنا الذي أطلق عليها بعد قدوم الكنعانيين من شبه جزيرة العرب للعيش فيها، وقد سميت البلاد باسمهم أرض كنعان( وتعني الأرض المنخفضة). أمّا بثينة(والدة جبينه) فهو اسم شاع في الشعر الجاهلي في قصيدة الشاعر جميل بن معمر الملقب جميل بثينة. وهذا الاسم يعني الأرض السهلة اللينة الطيبة الإنبات، وقد جاء الكاتب بذكر الكثير من النباتات التي تنمو في بلادنا. اسم خيزرانة(والدة زينب) هو اسم أيضا معروف في تاريخ الإسلام، فالخيزرانة هي زوجة الخليفة العباسي المهدي ووالدة الخليفة هارون الرشيد والخليفة موسى الهادي، وكانت معروفة بذكائها وفطنتها، أمّا زينب فهو اسم بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو اسم لنبات عشبيّ.
أتساءل ماذا أراد الكاتب أن يوصل لفتياتنا وفتياننا من خلال روايته هذه؟
هل أراد لهم العودة الى التراث وتحديثه بحيث يغدو ملائما لتطوّرات العصر؟ أم أراد لهم التعرّف على بلادهم وغرس حبّ الوطن في نفوسهم؟ أم أراد أن يغرس في نفوسهم قيم الإخاء والمحبّة بين الطوائف والملل؟ وقيم الوفاء والمساعدة ومحاربة الأشرار؟ أو ربّما أراد أن يأخذ قصص التراث ويعيد صياغتها من جديد بحيث تواكب التغييرات في مجتمعنا وتتماشى مع عقول فتياتنا وفتياننا، بهدف نقل القيم الجميلة المستقاة من القصص الشعبية التراثية وترسيخها في نفوس فتياتنا وفتياننا؟
أم أراد الكاتب جميل السلحوت أن يحقّق كل ما ذكر أعلاه؟ وتبقى الإجابة في جعبة الكاتب.
في الختام أرى أن هذه الرواية ستفتح المجال لكتّاب آخرين لاستحضار القصص التراثيّة، وإعادة سردها بحلّة جديدة، تناسب فتيات وفتيان اليوم. وهذا بالتأكيد يُحسب لصالح الروائيّ جميل السلحوت.
المراجع:
بوطيّب، عبد العالي (1993)، “مفهوم الرؤية السرديّة في الخطاب الروائيّ”، مجلّة عالم الفكر، الكويت: وزارة الإعلام، مج. 21، ع. 4، أبريل-مايو-يونيو، ص. 32-48.
رزق، خليل (1998)، تحوّلات الحبكة: مقدّمة لدراسة الرواية العربيّة، بيروت: مؤسّسة الاشراف للطباعة والنشر.
الطويسي، محمود (2004)، “الفضاء الروائيّ عند غالب هلسا رواية (سلطانة)”، وعي الكتابة والحياة: قراءات في أعمال غالب هلسا، مجموعة كتّاب، عمّان: دار أزمنة للنشر والتوزيع، ص. 166-195.
محمود، صفاء (2009)، البنية السرديّة في روايات خيري الذهبيّ “الزمان والمكان”، بحث لاستكمال مستلزمات الماجستير في اللغة العربيّة وآدابها، د. م.: جامعة البعث.
وكتبت دولت الجنيدي ابو ميزر:
قبل أن نتحدث عن رواية جبيبنه، يجب أن نتحدث قليلا عن كاتبها الأديب جميل السلحوت، الإنسان الوفي لوطنه فلسطين، ولمدينته القدس ومكان سكنه جبل المكبر، وهذه الأماكن محور رواياته وقصصه ومؤلفاته الكثيرة، فكتب عن كل ما اختزنته ذاكرته منذ طفولته حتى هذه اللحظة من حياته، وكل ما مرّ على فلسطين من أحداث جسام، وعن معاناته هو شخصيا منذ حرب حزيران 1967، والاحتلال الغاشم، وعن القدس قلب فلسطين، عن أماكنها ومقدساتها ومجتمعها وناسها وكل شيء فيها، كتب عن جبل المكبر والبراري حوله محور حياته منذ الطفولة، وذكرياته التي لم ينسها، فكتب عن نفسه وعن طفولته وعائلته وأولاده وأحفاده وجميع أفراد عائلته قصصا وروايات قيمة، لما فيها من معلومات هامة، تاريخية واجتماعية وتربوية وجغرافية وإنسانية وثقافية وسياسة، حيث كان على علاقة مباشرة مع الناس كونه شيخهم ومستشارهم في المشاكل التي تعترض طريقهم.
وروايته هذه رواية جبينة والشاطر حسن للفتيات والفتيان، تحكي قصة جبينة بنت كنعان وأسرتها التي تسكن في باب حطة قريبا من برج اللقلق، وهي طفلة وحيدة لوالديها، محبة للمغامرة، جميلة وذكية ومدللة وطلباتها مطاعة. تشاهد المسجد الأقصى وكنيسة القيامة من نوافذ بيتها وهي في غاية السرور، تحب الطبيعة والبرية واللعب مع أقرانها، وتتمنى أن يكون لها أخوة؛ لتلعب معهم.
اخذها والدها ووالدتها في رحلة من مكان سكنهم مرورا بجبل الزيتون جنوبا الى أبو ديس إلى براري السواحرة، مروا بمضارب بدو في منطقة الضحضاح، ثم إلى منطقة الدمنة، ونصبوا لهم خيمة بجانب متنزهين آخرين، لعبت جبينة مع الأطفال وأكلوا من الأعشاب التي تؤكل نيئة، مثل الحميض والذبيح والمرو. وهناك تعرفت على صديقتها البدوية وضحا التي تعيش في بيت شَعَر بالقرب من خيمتهم، وأحبتها كثيرا.
ثم عادوا الى برج اللقلق .وحدث أن أتت امراة فقيرة تطلب من أبو جبينة أن يشغل عنده ابنتها زينب لحاجتهم الماسة الى النقود فقبل. وأحبتها جبينة كثيرا وطلبت منها ان تكون اختا لها مع مساعدة أمّها في أعمال البيت.
وعندما التقت جبينة بأطفال الحارة في برج اللقلق حدثتهم عن البرية وجبل المنطار الذي يرون منه القدس وبيت لحم والبحر الميت، فأرادوا أن يذهبوا برحلة إلى تلك المناطق، فرتب لهم ولأمّهاتهم الشاطر حسن ابن بندر التجار رحلة جماعية تعهد بتكاليفها.
انطلقت الرحلة من باب الساهرة إلى مقام الني موسى، توقفوا في منطقة الطّبِق، وجلست الأمهات يبقلن الخبيزة والحويرنة والبابونج، ثم مروا بمضارب رعاة المواشي، فقدموا لهم اللبن الرائب واقراص الجبن وخبز الشراك دون مقابل. وأكلوا من الأعشاب التي تؤكل نيىة التي عرفهم عليها رعاة المواشي وبعضهم ركب حمير مربّي المواشي.
وفي طريق العودة رأوا قطيعا من الغزلان، وعادوا وهم يغنون للشاطر حسن. وأمّا جبينة وأهلها فقد عادوا في رحلة ثانية الى منطقة الضحضاح ومعهم زينب، وعندما وصلوا منطقة الدّمنة التي زاروها سابقا حطوا رحالهم. ركضت وضحا صديقة جبينة لتتفرج على السيارة، وتلتقي بصديقتها جبينة، فقدمت لها جبينة هدية علبة حلقوم وقالب حلاوة. وقدمت لهم وضحا لبنا وجبنا وسمنة بلدية.
لكنّ زينب بجرأة امتطت الفرس دون سرج ولا لجام، وانطلقت بها حتى الضحضاح وعادت بها إلى الخيمة. ونظرت هي وجبينة الى الوادى الذي يسير بمحاذاة الخيمة ويلتقي بوادي الدكاكين المليء بالكهوف القديمة.
ومن على قمّة جبل المنطار ومن نافذة السيارة رأى أبو جبينة دير مار سابا، الذي يقع في برية العبيدية شرق بيت لحم. ولوعورة الطريق وصعوبة الوصول إليه اقترح أبو جبينة أن يزوروه مستقبلا بالسيارة من بيت لحم.
وعادوا جميعهم الى خيمتهم في السيارة.وبعد الغذاء أخذ أبو جبينة قيلولته المعتادة، وذهبت جبينة وزينب وأمّ جبينة التي اضطرت للذهاب معهما إلى الكهف، بسبب اصرار جبينة على الذهاب الى الكهف بعد أن من وضحا أن مدخله قريب من الخيمة.
وقفت أمّ جبينة عند مدخل الوادي تنظر الى المنطقة، وإذا بجبينة تركض وتتبعها زينب والأمّ تلحق بهما.وعندمأ وجدت جبينة كهفا واسع الباب على يمينها، ويبعد حوالي 70 مترا عن مجرى السيل،صعدت إليه مسرعة وكأنها في سباق مع زينب، ووقفت أمامه، بينما جلست الأمّ على حجر بجانب باب الكهف ساندة ظهرها على جداره، بينما دخلت جبينة الكهف ضاحكة في محاوله منها للاختباء من والدتها. وجلست في زاوية الكهف اليمنى الأمامية تمدّ رجليها وتسند ظهرها إلى الحائط، نظرت عن يمينها ورأت رقعة ناشزة في الحائط ترتفع عن الأرض تغطيها طحالب، دخلت زينب وضربت الرقعة بقدمها بقوة فانهارت الرقعة، ووجدوا خلفها جرتين نحاسيتين واحدة مملوءة بليرات ذهبية والأخرى مملوءة بتماثيل ذهبية. وأخبروا والد جبينة فحضر ومعه حرامين؛ ليحملوا فيهما الجرتين لئلا يراهما أحد، وعادوا الى برج اللقلق تاركين خيمتهم وسط تساؤل وضحا وأهلها عن سبب ذلك.
باعوا قسم منها بصعوبة خارج البلاد، واقتسموا ذلك مع زينب وأمّها وعاشوا في نعيم. حملت أمّ جبينة بولد أسموه “سعيد”، وتوفيت أمّ جبينة بعد ذلك، ثم تزوج ابو جبينة من خيزرانة أمّ زينب التي اعتنت بسعيد وجبينة بالإضافة لابنتها زينب.
وعاشوا في نعيم في بيت جديد، وجبينه وزينب ترتادان الأسواق وهما تتزينان بالذهب، مما أثار طمع اللصوص فاختطفوهما . وانطلق الجميع يحثون عنهما وعلى رأسهم الشاطر حسن وأخوه حسين، ونجحوا في تحريرهم وهرب اللصوص. وقدم والد جبينة جبينه عروسا للشاطر حسن وزينب عروسا لحسين وتكفل بالتكاليف وأجلوا حفل الزفاف حتى استعادة المسروقات ومعاقبة اللصوص.
الرواية جميلة لغتها سردية سهلة محببة للفتيات والفتيان والكبار لا يملها القارئ رغم الشرح المطول والوصف الدقيق المفصل عن الطرق والمسافات والأماكن وامتدادها وطريقة الوصول اليها.
المغزى الاساسي للرواية هو سرقة الوطن ويجب عدم الاكتفاء بجزء من الحل بل إعادة الكل المسروق، وذكر تارييخ 7 يوليو حزيران لم يأت بالصدفة فهو تاريخ أكبر سرقة بالتاريخ.ولن نحتفل حتى تعود.
وفي هذه الرواية ايضا دروس وعبر.منها،
ارتباط أهل القدس بالمسجد الاقصى وكنيسة القيامة والاهتمام بهما، وكذلك جميع المدن.
نظام الحياة في القدس قديما حيث كان الناس يخيطون ملابسهم عند الخياطين، ويصنعون الأحذية عند صانعي الأحذية.
التربية الراقية في تعامل جبينة المدللة وأهلها الأغنياء مع زينب التي اضطرها اليتم والفقر للعمل وهي في عمر الزهور.
التشجيع على التنزه في مدننا وبراريها والتعرف على التراث والأماكن السياحية لمعرفة الفرق بين حياة المدن والريف والبراري وتأقلم السكان.
ذكر بعض الأماكن والأديرة التاريخية للتشجيع على زيارتها لأهميتها التاريخية.
عدم دخول الأطفال للكهوف والمغر لوحدهم.
تطوّع أهل الخير لتحقيق رغبة الأطفال الفقراء للتمتع بالطبيعة كغيرهم.
نلاحظ أن زمان هذه الرواية قديم من قيمة العملة ونظام العيش.
وهنا يجدر التّذكير بأنّ ” جبينه والشّاطر حسن” حكايتان شعبيّتان عربيّتان معروفتان، وقد استغلّهما السّلحوت بطريقة ذكيّة، خلط فيها القديم بالجديد؛ ليقدّم لنا رواية غير مسبوقة بشكلها وبمضمونها.
وكتب بسام داود:
رواية تستحق القراءة والاهتمام لما فيها من معلومات مفيدة في مواضيع مختلفة وجهها الكاتب لأطفالنا الفتيات والفتيات؛ ليتعرفوا على جغرافية المنطقة وتاريخها وآثارها وطبيعتها الجميلة، والأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية والنباتات المختلفة والحيوانات المتعددة.
أشار الكاتب إلى الاختلاف بين حياة المدينة وحياة البرية أو البادية، وتأثير ذلك على بناء الشخصية، فاتضح لنا كيف عاشت زينب حياة القسوة والفقر والحرمان، وكيف تعاملت مع الحيوانات الأليفة وغير الأليفة، وتعايشت معها، فنراها تركب الخيل، تنتقل على الحمير، تمسك بالأفاعي وتلعب مع الحنش دون خوف…بينما جبينه بنت المدينه تنظر لهذه التصرفات بكل استغراب وتعجب.
أشار الكاتب لعدة أمور هامة على الأطفال تعلمها: جبر الخواطر، أهمية الدعاء، الأمانة، السياحة الداخلية، تعزيز المحبة بين أبناء الأمّة مسلمين مسيحيين، النظافة، أهمية تعلم الاقتصاد المنزلي، الكرم والشهامة، المحافظة على آثار الوطن.
عرف أطفالنا على الأعشاب المختلفة، الطبخات القديمة،أهمية جلد الثعلب،
أهمية الحنش في التوازن البيئي.
ذكرنا بكلمات تكاد أن تنسى مثل: السقاء….المذود….الرسن.
أشار إلى الأماكن الدينية عندنا مثل: المسجد الاقصى والكتّاب لتعليم القراءة والكتابة، مقام النبي موسى وأهميته الدينية والتاريخية. الأديرة…مثل دير أمّ عبيد، ودير مار سابا والتقاليد المتبعة فيها لحتى الآن وضرورة معرفتها.
ومن لبنان كتب عفيف قاووق:
رواية كُتبت بلغة سرديّة منمّقة، واستطاع من خلال هذه القصة إرساء عدة مفاهيم وقيّم بهدف إيصالها للقارىء؛ فإلى الجانب الفنّي في هذه القصّة يمكن اعتبارها أيضا قصّة تثقيفيّة لما تضمنه من معلومات، أراد الكاتب تذكيرنا بها، وأيضا تزويد هذا الجيل من الفتيان والفتيات بما قد يجهلونه.
يأخذنا الكاتب في قصته هذه إلى بعض الجغرافيا الفلسطينية، حيث أسهب في ذكر الأماكن والمواقع بدءًا من باب حُطّة مقر سكن عائلة كنعان، وهو بالقرب من برج اللقلق في القدس، إلى غيرها من الأماكن التي ورد ذكرها خلال رحلات البراري التي قامت بها عائلة جبينة وأيضا الشاطر حسن.
ونحن نقف برفقة كنعان على قمة جبل المنطار نشاهد معه جبل الزيتون، بلدة العيزرية، أبو ديس، بيت ساحور وأيضا مدينة بيت لحم. وتعرفنا مع الشاطر حسن في رحلته إلى البقيعة وأن الوصول إليها سيكون عبر طريق تمتد من مقام النبي موسى بين القدس وأريحا، لنصل إلى جنوب شرق مدينة الخليل.
لم يكتفِ الكاتب بذكر تلك الأماكن، بل أمدّنا بنبذة تاريخية ولو موجزة عن بعضها، كتوصيفه الدقيق لدير مار سابا في برية العبيدية، وهو يقع شرق مدينة بيت لحم، بناه الراهب سابا بين عامي 478 و484 م لذا سميّ الدير باسمه، ثم إستوطنه القديس يوحنا الدمشقى بين عامي 676 و 749 ميلادية.
إلى ذلك كانت الأعشاب والنباتات حاضرة في هذه القصة ومنها الذبيح، الخبيزة، الحميّض،الحويرة،الّلفتية والعكوب وغيرها.
جُملة من الدروس أو القيّم أراد الكاتب تسليط الضوء عليها ومنها:
· التعاون ومساعدة الغير: تجلى ذلك في قيام جبينة ورفاقها في مساعدة الرجلين في تنظيف ساحات المسجد، وفي هذا إشارة إلى التربية الجيدة التي تلقتها جبينة من عائلتها، والتي أثمرت تعاونا وتحسسا بالمسؤولية المشتركة في المحافظة على نظافة المسجد والنظافة بشكل عام.
وأيضا برزت الدعوة إلى مساعدة المحتاج في المعاملة الحسنة والمعونة التي
قدمتها عائلة كنعان لخيزرانة والدة زينب.
· أظهرت الرواية ميزة التعايش الإسلامي المسيحي القائم من عهود طويلة بين الفلسطينيين، فالشاطر حسن يقترح على إمام المسجد التنسيق مع بطريرك كنيسة المدينة بشأن الرحلة المزمع القيام بها للفتية في البراري.
· صفة التواضع وعدم التكبر كانت واضحة في تصرفات جبينة التي ارتضت زينب أختًا لها دون أي تمييز في الملبس والمأكل، أضف إلى ذلك تظاهرها بالإعجاب بثوبها المُرقع، وطلبها أن تهديها إيّاه؛ حتّى لا تشعرها بالحرج.
· كذلك فإنّ صفة الأمانة كانت حاضرة في تصرف زينب عندما إختبرتها بثينة بوضعها خمسة قروش تحت فراشها، ونجحت زينب بالإختبار مظهرة أمانتها وحسن خُلقها.
· كرم البدو وحسن الضيافة كان واضحا في بعض مشاهد القصة، وهذه ميزة متأصلة في حياة البدو، وشهدنا كيف تعاملت أمّ وضحا مع عائلة كنعان وأحسنت ضيافتهم وقدمت لهم طعام عبارة عن طنجرة بحتيّة وطنجرة خبيزة.
ما ذكرته سابقا يُسجل لصالح الرواية أو القصّة، ولكن يوجد لديّ بعض الملاحظات التي إستوقفتني وهي :
1- قدّم لنا الكاتب زينب تلك الفتاة المهذبة والخلوقة، المطيعة لكفيلها كنعان، ولكن مع دخول عنصر المال والثروة بعد العثور على الكنز تغير سلوكها وساورها الشك تجاه كنعان وإهتزت ثقتها به، لدرجة سألته بلهجة لم نعهدها بها قائلة: من سيضمن لي أنك ستفي بوعدك وتعطيني نصيبي من الكنز؟
وفي موضوع عنصر المال أيضا نسجل إستغرابنا لتصرف كنعان وعائلته بعد العثور على الكنز، عندما تركوا كل أغراضهم في البرية وعادوا خفيةً إلى بلدتهم دون إخطار وضحا وأمها بالرغم من حسن المعاملة التي لاقوها منهما.
2- التناقض في موقف الراهب العربي الذي عندما رأى كنعان يبيع الصائغ اليوناني إحدى القطع الأثرية لامه على تصرفه قائلاً:” هؤلاء يأتون إلى بلادنا؛ لينهبوا ويسلبوا ثروات وتاريخ وثقافة هذه البلاد”. إلاّ أنّ الراهب نفسه نراه ينصح كنعان بالتوجه إلى إحدى الدول الأوروبية لبيع مقتنياته من هذه القطع الأثرية، تناقض واضح وغير مفهوم فما الفرق بين الصائغ اليوناني أو المشتري الأوروبي؟
3- النهاية التي انتهت إليها القصة دخل فيها عنصر الخيال بشكل لافت ومفاجىء في آن، تخطف جبينة وزينب من قبل اللصوص بقصد سرقة مجوهراتهما؛ لتتركا في البريّة مع الأغنام قبل أن يأتي الشاطر حسن لإنقاذهما.
ختاما لم أجد أي رابط بين جبينة والشاطر حسن في هذه القصة، بمعنى أن أحداثها لم تجمع بينهما في أي مشهد من مشاهدها، ولم يحدث أي لقاء بينهما يؤثر على مجريات احداثها حتى يصبح العنوان ملائما لأن يكون جبينة والشاطر حسن.
وقالت رائدة أبو الصوي:
رواية اجتماعية، إنسانية، شعبية وجدانية شاملة، تشبع رغبة الباحثين في التراث. رواية تعليمية وتثقيفية ممتعة جدا، عنصر التشويق فيها قوي،
فيها الكثير ممّا يقال رواية يمكن إدراجها ضمن ادب الرحلات الداخلية في بيت المقدس.
مناطق تحدث عنها كاتب كبير، كاتب خبير بالأماكن والسكان خبير اجتماعي في الرواية من البداية والاختيار الموفق للعنوان”جبينة والشاطر حسن”، فقد استغل هاتين الحكايتين الشّعبيتين، وأبدع رواية خلط فيها القديم مع الحديث.
جبينة رمز النقاء والصفاء والحقيقة، رمزية الرواية دون التصريح، تلميح بالحق وأن الطريق للعدل يأتي بالعمل الطيب.
عائلة جبينة عائلة كريمة معطاءة، كما هو معروف عن العائلات في البراري حول القدس، جميل جدا أن يتطرق أديبنا ويسلط الضوء على المناطق الجميلة في بلادنا، والتي لا يعرفها الكثيرون، وأن يتطرق للنباتات والخيرات الطبيعية، النباتات البرّية التي تؤكل. وأن يركز على أهمية التسويق للأماكن، وذلك باستخدام بطلة الرواية جبينة التي شجعت الأطفال على زيارة براري القدس.
جمال الوصف والتشويق يجذب الأطفال والكبار.
نجد في الرواية عنصر الإيمان ظاهرا عندما تحدثت الرواية عن حمل أمّ جبينة، وأن الدعاء يأتي بعد الأخذ بالأسباب.
اعجبني مشهد الصندوق الخشبي الذي يعلوه جاعد ( جلد خروف مدبوغ) الإشارة الى سوق الدباغة.
كي لا ننسى، شممت رائحة المقعد ودائما أجد هذه الصورة أمامي في سوق الدباغة،
جميل جدا اختبار أمّ جبينة لأمانة البنت الخادمة زينب، وهذا دليل على الذكاء.
عدم وجود تحديد للزمان جاء في مصلحة الرواية ليتأرجح الخيال بين الماضي والحاضر ويقارن بين اليوم والأمس.
الرضا بالواقع جاء أفضل وصف له، السياحة ليست كالإقامة، في بعض المواقف في الرواية، وهذا إشارة الى القناعة والرضا بالواقع.
المقارنة بين الحياة في البراري والحياة في المدن، تأكيد على أهمية القدس عقائديا وزمانيا ومكانيا.
الإشارة الى دير مار سابا إشارة موفقة للتّدليل على التّعددّيّة الثّقافيّة والدّينية في فلسطيننا.
في نهاية الرواية قصة الكنز ومحاولة بيعه قصة رمزية ترمز الى ما هو أعظم من الظاهر.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
رواية تستوقف اليّافعين للتأمل في حياة البرّاريوالطبيعة، بعيدا عن عالم التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة التي تشغل الصغير قبل الكبير، هي رواية تثقيفية في القسم الأول من الرّواية، في أوسطها، إلحاح الطفلة جبينه ابنة العاشرة على أهلها أن يكون لها أخت، وقد تمّ إيجاد الحلّ السّريع،في القسم قبل الأخير يتم العثور على الكنز، والنهاية سعيدة بالإعلان عن زفاف جبينه وزينب القاصرات(14-16).
بعد انتهائي من قراءة الرّواية، راودتني بعض الأسئلة، هل الرّواية تعبر عن هموم اليّافعين؟ ما هي الرّسالة التّي أراد أن يوصلها الأديب لقرّائه من فئة اليّافعين، وهم يعانقون الهواتف النقالة والعالم الكبير وكبسة الزرّ؛ فتتفجر كلّ الأسرار الغامضة والمبهمة والمعلومات المستعصية، ما هي الأحداث المثيرة في الرّواية التّي تجذب اليافعين؟
وجدت غياب الأحداث التّي تشدّ، وتعبر عن هموم اليّافعين، كذلك استوقفني موقف الأهل (أبو جبينه)تجاه إصرار ابنتهما في أن يكون لها أخت.
يقول أبوجبينه:”سنبحث عن فتاة؛ لتكون رفيقة لجبينه؛ ولتساعدك في عمل البيت”
تجيب الأم: أين ستجد هكذا فتاة؟
أبو جبينه:ليس صعبا علينا أن نجد فتاة فقيرة تبحث عن عمل”.
وبالفعل لا يمرّ وقت طويل، ويجدون الفتاة الفقيرة؛ لتكون أختا لجبينه.
إن تصرف الأهل حسب اعتقادي ليس تربويا، هو خضوع للضغط الذي يمارس على الأهل، وكان من الأجدر الإكتفاء بتعليم جبينه معنى الرضا بما قسم الله لنا، وليس كلّ ما يتمناه المرء يدركه، وكان بالإمكان أن تكون هذه المشكلة (في حاجتها لأخت)هي إحدى هموم اليافعين، والدخول إلى أعماق الشخصية والنّاحية النفسية والعاطفية، لكن الأديب اختار غير ذلك، وكذلك إن قراءة الرّواية من قبل أيّ فتاة فقيرة ستقرأ هذا الحوار هو بمثابة إهانة وإساءة لمشاعرها، لأنها ضحية الفروق الاجتماعية.
اتّخذت النّهاية شكل الأساطير الجميلة، عند عثور كلّ من الشّاطر حسن، وشقيقه حسين على جبينه، وزينب بعد خطفهما، ولذلك قرّر أبو جبينه تزويجهما للفتاتين مع العلم أنّهما قاصرات(في سنّ ال14و16) مكافأة للشقيقيّن.
في اعتقادي، إعلان زواجهما لم يكن موفقا، حتى لو كان من ضرب الخيال والأساطير، فهذا أيضا أسلوب غير تربوي، ربما لم يكن الأديب يقصد ذلك خاصة، وأنّه يدعو للتوعية، وعدم الجهل ونبذ الزواج المبكر في كتاباته، ولكن من يقرأ الرّواية يستفزه ذلك الزواج المبكر للقاصرات.
يحسب للأديب تمكنه وقدرته في هذه الرّواية من انتصاره للأماكن والتّراث، فالمكان حاضرٌ بقوّة كما في سابق أعماله الأدبية، في مناطق مختلفة في القدس وجغرافيتها، وذكر بعض المدن الفلسطينية: كأريحا وبيت لحم وغيرها. وقد كان لبرّية السّواحرة النّصيب الأكبر، فقد أسهب في ذكر طبيعتها،الحيوانات الموجودة فيها، وبعض العادات القديمة.
أمّا التّراث، فقد اهتّم في توظيفه في الرّواية، من خلال اختياره اسم وسبب تسمية جبينة المعروفة في التّراث الفلسطيني، ولذا كان التّناص واضحا في أُغنية الطيور من قصّة جبينة التراثية “يا طيور طايرة يا شمس سائرة سلموا على أمي وأبوي وقولوا جبينه راعية ترعى غنم ترعى سخول تقيل بفيّ الزّاوية”، وكذلك كان التّناص في اختيار الأسماء من الحكاية الشّعبّية” الشّاطر حسن””جبينه”.وأيضا اهتّم في توظيف التراث من خلال الأعشاب في ذكره بعض الأعشاب مثل: الخبيزة،العكوب،الحويرة الخ”.
نلاحظ دمج الأديب بين العصر القديم والحديث، وبين الأسطورة والواقع، فالأدوات التّي يستخدمها الأشخاص في الرّواية تتمايل بين الحاضر والماضي، ففي الحاضر نجد السّيارات وأمّا في الماضي، فيبدو السّيف والفرس الأصيل، واستخدام مفردات مثل: مولانا، جبينة بنت كنعان، ابن شاه بندر التّجار،خيزرانة.