متنفَّس عبرَ القضبان (88)
حسن عبادي/ حيفا
تاريخ النشر: 03/10/23 | 12:51بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، دون تمويل قطريّ و/أو تركي ولا حتى فلسطيني، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة) ؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الصديق أبو أحمد الفني (والد المعتقلة الإداريّة رغد): “تحية لك ولوقفاتك الجادة في تفقد أحوال الأسرى والأسيرات وبث الأمل في النفوس.”
وعقّب الشاعر هاني مصبح من غزة الأبيّة: “كم انت رائع رائع رائع بكل معني الكلمة الاستاذ حسن عبادي الإنسان الوطني العريق المحامي الحيفاوي والكاتب المتألق الذي يبذل قصارى جهده من أجل فلسطين وقضايا فلسطين وعلى رأسها قضية أسرانا الابطال والحرية لأماني حشيم وجميع اسيراتنا ولأسرانا الابطال عاجلاً وليس آجلاً”.
وعقّبت الكاتبة والإعلامية باسلة الصبيحي من الشتات: “الاعتقال هو القهر بحد ذاته ولكن لا شيء في هذا الكون يصف بأن أم تعتقل وتحرم من أطفالها هكذا دون وجه حق …. كل شيء في هذا الكون مذهل سوى الموت”
“قرّبت الترويحه”
بعد لقائي بإسراء ورغد صباح الأحد 10 أيلول 2023 في سجن الدامون بأعالي الكرمل السليب، أطلّت الأسيرة المقدسيّة مرح جودة موسى بكير، تلك الطفلة التي اعتقلت يوم 12.10.2015 (مواليد 29.01.1999) وكبُرت في عتمة الزنازين خلف القضبان، مرِحة كعادتها.
بعد التحيّة طلبت مشاهدة صورة غلاف “موجوعة”، وحتلنتني بوضع الأسيرات في الدامون، والمفاوضات مع الإدارة حول تحسين أوضاعهن والاجتماع مع قادة الحركة الأسيرة في سجن الجلمة (كيشون) ومستجدّاته.
خبّرتني بالتحضيرات للترويحة (ستتحرّر يوم 11.04.2024)، “بجرّب أنهي كل شي قبل الترويحة”، وتحضير نورهان كبديلة لها، ممثّلة القسم أمام الإدارة.
كبُرت مرح خلف القضبان، وسمعت بعشرات الصفقات المرتقبة، وقالت بحِرقة “بنسمع بصفقة من يوم الحبسة. والله مستعدّة أظلّ كمان كمّ سنة زيادة وبسّ يروّحوا المؤبدات”. والله صعبة يا مرح!
أملِت علّي تحيّتها في حفل إشهار “موجوعة” لزميلتها إسراء وطلبت إيصال سلاماتها لماهر وكريم ولكلّ من يسأل عن الأسيرات.
قالت لي حين ودّعتها: بلّشت أكتب. حضّر حالك تكتب حصّتك ب”الميمعة”.
“كُنّا متأملين بترويحه”
بعد لقائي بإسراء، رغد ومرح أطلّت الأسيرة المقدسيّة أماني خالد حشيم؛ تلازمها ابتسامة خجولة، على غير عادتها، وأخبرتها مباشرة بقلق والدتها عليها لتطمئنني أنّها بخير.
حدّثتني مطوّلاً عن حرقتها من حرمانها مرافقة أبنائها آدم وأحمد، في بداية السنة الدراسيّة الجديدة، كباقي الأمّهات فزادت غصّتها، يرافقهم الجدّة والجد، “ما بقصّروا والله”، وباقي زملائهم برفقة الوالد و/أو الوالدة، فصارت الحشرجة رفيقة المحادثات الهاتفيّة، وتفتقد تلك المساحة لتهرب منها وإليها، كانت على ثقة أن ترافقهم بداية السنة الدراسيّة الحاليّة “كنّا متأمّلين بترويحة”، وصار الخذلان سيّد الموقف، فحين أصبح التليفون متاحاً وقرّب المسافات، صعّب الأمور وهذا هو العذاب الذي تعانيه، وليس بمقدورها مشاركة أحد بما تمرّ به.
تسرح مع القراءة والكتابة وتأمّل ساعة الإفراج، والرهبة التي ترافقها، متمسّكة بالأمل.
كان اللقاء قصيراً بسبب خلل فنّي، وسوء تدبير من إدارة السجن، وتواعدنا أن نعوّضه بلقاء قريب.
لكن عزيزاتي مرح وأماني أحلى التحيّات، الحريّة لكن ولجميع الأحرار.
حيفا/ أيلول 2023