الحد الفاصل بين صناعة الفن والإبداع وابتداع الدعارة الفنية
بقلم الأسير هيثم جابر | سجن النقب
تاريخ النشر: 06/10/23 | 14:22مؤخراً أنهيت قراءة كتاب للصديق العزيز والغالي الأديب الشاعر “فراس حج محمد” “الكتابة في الوجه والمواجهة” الصادر عن دار الرعاة رام الله للنشر والتوزيع وجسور ثقافية، الأردن للنشر والتوزيع. وكالعادة يستفزني الصديق فراس للرد على مقالاته وآرائه المثيرة للجدل في كثير من الأحيان.
وأنا هنا أريد التركيز على أمر دفاع الصديق فراس عن فيلم “صالون هدى” سيئ الذكر، وعن فيلم “أميرة” البذيء الوسخ ووصف حراس المنظومة الأخلاقية وأصحاب العقد الاجتماعي الذين رفضوا تلك البذاءة والسفالة في الفيلمين أنهم غوغاء وشعبويون وجهلة، وأن المشاهد غبي وجاهل وهذا لم أعهده في مقالات الصديق الناقد فراس حج محمد، لكن قبل أن أتطرق وبشيء من التفصيل إلى الفيلمين البذيئين، أود أن أشير إلى بعض الآراء والرد عليها الواردة في بداية الكتاب؛ خاصة اضطهاد الكاتبات في المجتمع العربي
أولاً حول ظاهرة اضطهاد الكاتبة في المجتمع العربي أنا أعارض فراس فيما ذهب إليه أن هناك ظاهرة اجتماعية واسعة أو عريضة تضطهد الكاتبات في المجتمع العربي، فعندما نتحدث عن ظاهرة تحدث نتحدث عن شيء يحدث على مستوى واسع، وهذا لم يحدث أبداً؛ الاضطهاد بسبب الكتابة وعلى نطاق واسع، بل هي ظاهرة فردية وحالة خاصة تحدث لأسرة معينة نتيجة تربيتها المتشددة الخاطئة وكل حالة تدرس على حدة هذا إن لم تكن الحالة مصطنعة من أجل الشهرة وكسب تعاطف الرأي العام النسوي والعربي، وبالتالي انشهار الكاتبة ومؤلفاتها وهنا أؤكد قبل التفصيل أنني مع المرأة “ظالمة أو مظلومة” وانحاز إلى قضاياها وقد استخدمت في كل أشعاري وكتاباتي الغزلية أسلوب الغزل الصريح والواضح خاصة في الشعر، لكن يجب أن يكون لكل نص أدبي حدود، والحرية ليست مطلقة وإنما حرية مسؤولية اجتماعية.
لا يجوز للكاتب التعرض للأديان والشتم والسب للكتب السماوية كما يفعل بعض السفهاء مرضى الشهرة المجرمين الذين يتعرضون لنبينا محمد سواء بالرسومات المسيئة وغيرها، إضافة إلى مسألة حرق القرآن الكريم أو تمزيق الكتب المسيئة كما فعل البذيء التافه المدعو “سلمان رشدي” في كتابه “آيات شيطانية” الحرية في كل المجتمعات مقيدة بعادات وتقاليد وأخلاقيات المجتمع أي مجتمع ارتضى لنفسه عقل اجتماعي معين، اجمع على أخلاق معينة لا يجوز لأحد المساس بها، وهذا ينطبق على المجتمعات الغربية والعربية على حد سواء.
أذكر فقط صديقي فراس حج محمد أنه سنة 2005 و2004 في أمريكا، في قلب أمريكا، أمّ الديمقراطيات في مهرجان “السوبر بول” السنوي والذي يعرض مباشرة على كل التلفزيونات الأمريكية في كل ولاياتها، وفي ساعة واحد يبث هذا الحدث الكروي باحتفالية غير مسبوقة أثناء هذا الحدث قام أحد المغنيين بعرض أغنية مع شريكته المغنية الأمريكية “جيني جاكسون” شقيقة المغني الأمريكي “مايكل جاكسون” قام بكشف ثديها أمام الناس والكاميرات على المسرح أثناء عرض الأغنية على الهواء مباشرة، فثارت ثائرة الجمهور الأمريكي، واحتج المعلنون وقادة المنظمات الشعبية ولجان الآباء والأمهات في المدارس واتحاد البيت البث التلفزيوني حتى وصلت هذه الاحتجاجات إلى البيت الأبيض، الأمر الذي اضطر المغنية والمغني إلى الاعتذار للشعب الأمريكي، وأكثر الانتقادات وجهت للمغنية؛ لأنها اتُّهمت أنها فعلت هذا بشكل مقصود. سناتور أمريكي اعتبره مشهداً إباحياً، وقال إنه لا يرضى لأولاده أن يشاهدوا هذه المناظر. حدث هذا في قلب أمريكا يا صديقي فراس، فهل هؤلاء شعبويون وغوغائيون.
أعود مرة أخرى الى مسألة اضطهاد الكاتبات؛ أولاً أنا ضد النقد الانتقائي؛ فالذي كتب عنهم صديقي فراس هن صديقاته على الفيس بوك ولم يدرس الظاهر أو يتناولها بشكل أعمق على مستوى الوطن العربي، ولا يجوز تسميتها ظاهرة إلا إذا كانت حدثت وتحدث على مستوى واسع، فالكاتبة العمانية مشكلتها في أبيها وليس في المجتمع، هناك شاعرات مميزات ومبدعات في الوطن العربي وفي فلسطين لاقين التشجيع من أزواجهن وأسرهن وغوائلهن، وأنا أعرف الكثير من تلك الشاعرات اللواتي لم يتطرق إليهن صديقي فراس على الإطلاق سوى الشاعرة المبدعة “نداء يونس”. أنا أذكر له بعض النماذج فقط مثل الشاعرة المبدعة الغزية “سمية وادي”، من أسرة كريمة متزوجة ولها أطفال. الشاعرة الفلسطينية “ابتسام البرغوثي” متزوجة ولها اطفال، “الشاعرة المبدعة “أمل عاصي اليازجي” متزوجة ولها أطفال، والشاعرة “عفاف الحساسنة” متزوجة ولها أطفال ومنقبة أيضاً، ولم يعِقها ولم يمنعها نقابها عن كتابة الشعر وحضور الندوات الشعرية والفعاليات الثقافية، متزوجة ولها أطفال. وعلى مستوى الوطن العربي الشاعرة الكبيرة “سارة بشار الزين” ابنة الأديب والشاعر بشار الزين؛ متزوجة ولها أطفال، والشاعرة السودانية الجريئة “آمنة نوري”، متزوجة ولها أطفال، والكثير من لم يتطرق صديقي فراس لأعمالهن الأدبية، ولم تمارس أسرهن أو أزواجهن الاضطهاد بحقهن، على العكس كانوا جيوشهن وسندهن في رحلاتهن الشعرية والأدبية. الشاعرة العربية المبدعة “سمية وادي” اختيرت لتمثيل فلسطين في منتدى الأسيسكو الأدبي بقيادة الشاعرة روضة الحاج، وكانت إحدى الفائزات، تم طبع نصها في كتاب 20 قمراً في سماء القصيدة، كما اختيرت الشاعرة المتميزة نداء يونس عن الضفة الغربية لتمثيل فلسطين في المنتدى، وقد حازت مشاركتها على ترحيب كبير من قبل إدارة المنتدى.
إذاً كل حالة اضطهاد يجب أن تدرس على حدة، ولا يجوز تعميمها والكتابة عن الصديقات فقط. أعتقد أنه يعطي صورة ناقصة عن الحالة المراد دراستها وبحثها.
في الكتاب ذاته انتقد الصديق فراس ظاهرة الصور شبه عارية على الفيس بوك، وظاهرة بيع بعض الكاتبات لأجسادهن مقابل الشهرة والكتابة عنهم وحضور لحفلات والفعاليات الثقافية، وذكر الأمثلة إحدى الكاتبات سرقت مؤلفاً ونسبته لنفسها، ثم قدم لها ناقد كبير الكتاب رغم أنه يعرف أنه مسروق، لكن الفن كان بيعها لجسدها لذلك الكاتب المعروف. صديقي فراس ينتقد ويهاجم هذه الظاهرة، بينما يعتبر فيلم صالون هدى “عمل فني” ويدافع عنه، وهنا يقع صديقي فراس في تناقض كبير فيما يقول ويطرح.
أعتقد أن المبالغة في إظهار الحديث عن اضطهاد المرأة من أجل الظهور بمظهر المتحضر والمدافع عن حقوق المرأة فيه شيء من النفاق عند بعض الكتاب، وحين تسأل أحدهم هل تقبل التعري واللباس غير المحتشم لأمك أو لأختك أو لزوجتك أو إحدى قريباتك تثور ثائرة ذلك الكاتب المبجل المنفتح المتنور! وينخفض منسوب الحرقة على حقوق المرأة وحريتها، وربما يكون من يسحق أخته أو عضلها في ميراث أبيها.
أؤكد مرة أخرى أنني لا أنكر الاضطهاد الذي تتعرض له المرأة في المجتمع العربي، ولكن الاضطهاد في المجتمع العربي يتعرض له الرجل والمرأة معاً على حد سواء. بلاد يحكمها حاكم مستبد، ترزح تحت نير وإرهاب أجهزة الأمن والسلطة في تلك البلاد بالتأكيد ستنتج أباً مستبداً أو أخا مستبداً، وبالتالي زوجة مضطهدة وامرأة مضطهدة.
الإسلام أنصف المرأة ورسولنا الكريم حتى عندما حضره الموت ظل يوصي بالنساء خيراً. في القرآن الكريم هناك سورة النساء، لكن من ظلم المرأة هو المذهب؛ أصحاب المذاهب والتفسيرات الخاطئة هم الذين أساؤوا للإسلام كما يحدث اليوم مع نساء أفغانستان من قبل طالبان التي أرحب بتحريرها أفغانستان سياسياً، ولكن تبني مذهب إرهابي استدعائي إجرامي بحق المرأة أمر مرفوض وغير مقبول إسلاميا. الإسلام يحث على التعليم، وساوى بين الجنسين.
أعتقد أني أوافق صديقي فراس في مقاله إنصاف المرأة في ديننا الحنيف.
كما أوافق صديقي فراس في مسألة الحجاب فارتداء المرأة للحجاب أو عدمه لا يقلل ولا يزيد من احترامي لها، أحترم المحجبة، وأقدرها وأشجعها، لأنها على حق، وأحترم غير المحجبة المبدعة، مسألة حجابها وعدمه بينها وبين ربها، لكن أخالف صديقي فراس في اعتبار الحجاب مسألة شخصية فقط. هو شخصية ودينية فرضت من قبل رب العالمين على النساء الحرائر والمرأة المسلمة المتدينة ملزمة بارتداء الحجاب، ولكن أحترم قرار من لا تريد ارتداءه، وهذه المسألة متروكة لله وليس للبشر، ولكن الحجاب فرض على المرأة المسلمة.
ولا يجب على الكاتب أو الأديب أن يخشى أن يقول رأي الدين في الحجاب وكذلك رأيه الشخصي، أنا أعتقد أن النقاب لا يمنع ولا يعيق المرأة من التقدم في حياتها المهنية والعملية، ولا يعيق وجودها في الفعاليات الثقافية والإعلامية، مع اعتقادي أنه ليس فرضاً كالحجاب، وإنما هو اختيار شخصي لمن تريد ذلك.
فقد كان في فترة الكورونا مذيعات تظهر في الكمامة على شاشة التلفاز، وكان مقبولا على الذوق العام فيجب أن يكون النقاب مقبولا أيضا في هذا الجمال والمقام إلا إذا أراد البعض شن حرب على المحجبة والمنقبة في استهداف لهوية المرأة المسلمة السياسية والعربية والدينية كما تفعل فرنسا اليوم وهذه مسالة أخرى.
والآن أود التطرق إلى مسالة الدفاع المستميت لصديقي فراس حج محمد عن فيلم صالون هدى البذيء سيئ الذكر، والأدهى والأمر دفاعه عن فيلم أميرة القذر الذي استهدفنا كأسرى واستهدف نساءنا وأخواتنا وزوجاتنا، فلم يكن المراد إثارة قضايا تستحق النقاش بقدر ما كانت هذه القضايا تفتح أبواب الشهرة أمام هؤلاء السفهاء في المهرجانات والمنتديات الدولية، وأنا أصرّ على أن أحد أسباب هذه الأعمال البذيئة هو السجاد الأحمر والشهرة الرخيصة من خلال التعري تارة، والمس بالأسرى وعوائلهم تارة أخرى.
يقول صديقي فراس في مقاله “فجر الدمل” في إطار الدفاع عن فيلم صالون هدى أن المشاهد غبي وجاهل، وأنه لم يثر إلا المشهد وصف بالخطأ أنه إباحي، وأن الفيس بوك لا ينتج إلا أجيالا مشوهة وطنيا وفكريا، وهنا يقع صديقي فراس في الخطأ، وربما الخطيئة، فإذا كان ظهور ممثلة عارية تماما؛ ربي كما خلقتني، مع شخص داعر عارٍ تماما هو أيضا يلتقط الصور معها رغم ظهورها في المشهد أنها منومة، إذا لم يكن هذا إباحيا، فما هو الإباحي إذاً يا صديقي؟ وإذا لم تكن عورة وحراماً، ويخدش الحياء العام، فما هي إذاً المعايير التي تستدل عليها من أجل أن تقول إن هذا حرام، وهذا حلال؟ هل الإباحية فقط هو ممارسة الفحش والعهر أمام الكاميرا؟
والمشاهد الذي يعتبره صديقي فراس مشاهد غبي وشعبوي وغوغائي من إنتاج الفيس بوك الذي ينتج أجيالا مشوهين فكريا ووطنيا. هؤلاء يا صديقي يصنعون اليوم ثورة ويصنعون ظواهر نضالية وجهادية في نابلس وجنين وطولكرم وعلى مدار رقعة النضال القادر. أخالف صديقي فراس أن المشاهد غبي وجاهل، والمشاهد العربي ليس غبيا، وليس جاهلا، خاصة الفلسطيني هو مشاهد مثقف وواعٍ وشعبنا من أكثر شعوب العالم ثقافة وتعليماً، ويستطيع الحكم على أي عمل أنه فني أم دعارة فنية.
إن ما مارسه المدعو هاني أبو أسعد مخرج الفيلم هو دعارة فنية هدفها السجاد الأحمر والأضواء والجوائز ولا شيء غيره، هؤلاء النكرات لم يسمع بهم أحد من قبل أرادوا أن يفتعلوا قضية جدلية ما، لتكون سلما رخيصا للشهرة لا أكثر ولا أقل، ولا يصلحون ليكونوا (كومبارس) في فيلم ما، ليس أبطال فيلم. الإبداع ليس بعرض الأجساد العارية الرخيصة لتسويق فيلم منحط وتافه على كل الصعد الفني والإخراجي.
وأعتقد أن المجتمع هو الحارس على الذوق العام وعلى المنظومة الأخلاقية للعقد الاجتماعي الذي اتفق عليه، لذلك مئة شخص في أوربا يسقطون وزيراً من خلال مظاهرة أمام البرلمان ويغيرون بث مسلسل أو فيلم إذا اعتبروه مسيئاً للذوق العام أو أخلاق المجتمع.
يقول صديقي فراس: انه لا يتحكم منطق معين، لا شرعي ولا منطق وطني ولا أخلاقي من ظهور الممثلة عارية وصورة مجندة في الإرهاب الصهيوني أقبح. استغرب هذا الرأي وهذا التبرير فإذا لم يكن ظهور المرأة المسلمة والعربية عارية أمام الكرة الأرضية حراماً، فما هو الحرام يا صديقي؟ وإذا لم يكن أخلاقي فما هي الأخلاقي في نظرك؟
منطق حزب التحرير في النظر إلى الصورة والتلفاز مرفوض، والخطأ لا يعالج بالخطأ يا صديقي، لا منظر الخمور، ولا منظر العنف، ولا الأوصال المقطعة، ولا غيرها، لكن لا مجال للمقارنة هنا وليس كل الأمور سواء. مصر العريقة بصناعة الأفلام والمسلسلات الدرامية وأم الفن وأم الإبداع حتى اللحظة لم تظهر ممثلة مصرية واحدة عارية تماماً، كما ظهرت تلك الممثلة في فيلم صالون هدى، وذلك النكرة أيضا ولا أي ممثلة؛ لا يسرى، ولا إلهام شاهين، ولا ليلى علوي، ولا حتى رانيا يوسف، تعريهن كان جريئاً وهو مرفوض وغير مقبول مع العلم أنه يدور الحديث عن بلد عربي آخر، بينما هنا الممثلة فلسطينية والذوق العام فلسطيني، وليس أي بلد عربي آخر، مع العلم أن مصر بلد عربي، وعريق في صناعة السينما، ولم يحدث هذا التعري، ونحن بلد لا زلنا تحت احتلال “أول ما شطح نطح” عندما نريد أن نصنع فنا نبدع في صنع الدعارة الفنية، يذكر صديقي فراس أن مفهوم العورة غير واضح ممن هاجموا الفيلم وأنا أقول يا صديقي مفهوم العورة واضح جدا والاستخفاف في عقول الناس لا يعطي الفيلم شرعية ولا يخرجه من دائرة العهر الفني لا أكثر.
يوجد ما يسمى بالعورة الظاهرة والعورة المغلظة، ولا يجوز خلط الأمور، ظهور الشعر ليس كظهور النهد والفرج والشعر والعنق والتنورة مما عم به البلاء ونشر على مستوى العوام، أما العورة المغلظة فهي لا نقاش فيها ولا يؤيد فلسطيني لها وحرام، هناك فرق بينهما، ولا يجوز تبرير الخطأ بتحريفه لحقائق الأمور الشرعية وتأويلها على أهوائنا.
المسألة الأخرى بل والجريمة الكبرى دفاع البعض عن فيلم أميرة البذيء والوسخ المخزي. قد أتفهم دفاع صديقي فراس عن صالون هدى لكن دفاعه غن فيلم أميرة مستهجن وتبريري وليس في محله. يقول صديقي فراس أن الخطأ فد يحدث وقد يتم تبديل النطف المهربة أو المحررة، وأنه من باب درء المفاسد أولى من جلب المنافع ولو كان بيده الأمر لمنع تهريب النطف وحرّمه. أعتقد أن الصديق فراس هنا يخطئ خطأ ويحرف الحقائق على حساب الأسرى وزوجاتهم الطاهرات الحرائر اللواتي تفطرت أقدامهن وهن ذاهبات وآيابات خلف أزواجهن وفي مقرات الصليب الأحمر، أنا كأسير أقول لصديقي هنا مسالة الخطأ غير واردة ولو عشر واحد في المئة والذي يقول بغير ذلك يتماهى مع المحتل في محاربة الأسرى وعوائلهم.
عندما يتم تهريب النطف فإنه يكون بالتنسيق مع العوائل، وبوجود الشهود من أهل الأسير وزوجته، ثم يتم فحص الـ DNA للعينة، وكذلك لوالديه أو أشقائه في حالة عدم وجود الوالدين للتأكد أن العينة تعود للأسير، وهنا نسبة الخطأ مستحيلة مئة تحت الصفر، وليس فقط صفر في المئة، وأؤكد أن السفلة الذين صنعوا هذا الفيلم كان هدفهم الشهرة ومخاطبة المحتل والتطبيع مع المحتل من خلال المساس بمقدس من مقدسات شعب، فمنذ أن بدأت الظاهرة التي أحيت أسرانا وجعلتهم يولدون من جديد بعد أن كانوا أرقاماً في مقابر السجون، لا اسم لهم، ولا ذكر، ولو عاش كاتب الفيلم يوما واحدا في السجن لما كتب، ولقبّل نعال زوجات الأسرى، لا أتمنى أن يمكث صديقي فراس لحظة واحدة داخل السجن، لكن لو مكث ساعة واحدة أو شعر بمعاناة زوجة أسير وهي تنتظره سنوات عدة لما برر فيلم أميرة، ولما كتب عن هذا الفيلم الرخيص الوسخ.
مرة أخرى هناك من يصنع فنا، وهناك من يمارس الدعارة الفنية، كان باستطاعة صالون هدى أن يصور مشهد الإسقاط دون ظهور المشاهد العارية الفاضحة، ودون أن يتعرى ذلك الممثل وتلك الممثلة والتعري والمشهد مرفوض للرجل والمرأة سواء وهناك روايات وأعمال أدبية تناولت موضوع الإسقاط وعالجته دون أن تصور المشاهد العارية الفاضحة.
أمر آخر الذي يعتبر أنه لا يمكن صنع أفلام دون مشاهد التعري هو كاذب، ولا يعرف ما هو الفن أصلا، وأحيل أولئك النكرات إلى الأفلام والأعمال الفنية الإيرانية التي شهد لها الغرب والشرق معا. حازت هذه الأعمال الفنية على عدة جوائز عالمية ودولية دون أن يظهر فيها مشهد عارٍ واحد. أعرف أن صديقي فراس لا يحبهم، لكن مسالة الحب شيء، وكون إيران دولة إسلامية تصنع فنا هادفا شي آخر، وهنا أضع بين يدي كل من يعتقد أن الفيلم لا يحصل على جائزة عالمية أو دولية إلا بالتعري فهذه الأفلام الإيرانية التي لا سفالة ولا تعريَ فيها تحصد الجوائز الدولية والعالمية؛ فيلم “الأخت” للمخرجة مرجان أشرفي زادة حاز على أفضل فيلم في مهرجان اكشن أون فيلم action on film في أمريكا لدورته 13، وهذه المشاركة العاشرة الدولية للفيلم. حاز الحلم الورقي جائزة أفضل فيلم في مهرجان أثينا الدولي للمخرج علي عطشاني، ما بعد الحدث فيلم للمخرج بوريا حيدري حاز جائزة أفضل فيلم طويل مهرجان حقوق الطفل الدولي في تركيا، جريمة غير متقنة الحائز على الجائزة الفضية لمهرجان شيكاغو السينمائي الدولي في دورته ال 56 عام 2020 للمخرج شهرام مكري.
هذه عينة لدولة إسلامية عريقة بإنتاجها الفني حازت على العديد من الجوائز الدولية والعالمية دون تعرٍ ودون رفض وبيع للأجساد العارية الرخيصة ودون مهاجمة قضية مقدسة كزوجات الأسرى في مسالة تهريب النطف التي لا مجال للخطأ فيها، ولا عشر واحد في المئة، لأن تحريرها يتم عبر أسير يوثق بدينه وأخلاقه، ولا يتم على الإطلاق تحرير أي نطفة عن طريق شرطة أو أي شخص له علاقة بإدارة السجن الصهيوني، كما حاول فيلم أميرة المخزي تصويره.
أمر آخر يجدر الإشارة له، أنه لا يجوز لأي كان أن يتحدث أو ينظر إلى الناس بنظره استعلائية وفوقية، وكأننا نحن الكتاب والمثقفين نفهم أكثر من غيرنا، فالناس العوام مثقفة، وتستطيع الحكم على الغث السمين.
كما أنه غير مقبول القول وصف الشعراء العذريين أنهم أسسوا للتطرف الأخلاقي، وأنهم يشكلون مثالا للبلادة والجهل المطبق بكل شي ولا يعرفون الله ولا الخلق والخالق هذا الرأي يا صديقي فراس أكثر تطرفا من تطرفهم، ثم أين هو التطرف الأخلاقي يا حبذا لو المجتمعات العربية كلها تطرفت في أخلاقها وأصبح لدينا المزيد من الغيرة والحرقة على أعراضنا. أعتقد أنه حقهم ولهم الحق أن يتغزلوا بالطريقة التي يرونها، كما أنه لك الحق أن تتغزل وتستخدم الغزل الصريح، لكلٍّ حقه في التعبير. والتطرف في الحشمة والأخلاق أفضل من التهاون في التعري والسفالة، رغم أننا أمة وسط لا إفراط ولا تفريط.
في كتاب صديقي العزيز فراس حج محمد “الكتابة في الوجه والمواجهة” الكثير من الآراء المثيرة للجدل والتي تحتاج الكثير من الوقت والمقالات للرد عليها، لكن أنا قمت بالرد على ما رأيت أنه لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، خاصة دفاعه عن فيلم أميرة والتشكيك في مسألة تهريب النطف للأسرى، ولو أسعفني الوقت والنشاط لكتبت الكثير، وقد نصل إلى كتاب كامل للرد والنقاش على ما ورد في كتاب صديقي فراس الذي أكنّ له كل التقدير والاحترام، وأرجو أن يلتمس لي العذر إن كنت قاسياً بعض الشيء، لكن المسالة غير شخصية هي آراء وأفكار نقدية أدبية، أتفق في الكثير مع صديقي فراس، واختلف معه في الكثير أيضا، ولا يمنع هذا من الشهادة لصديقي فراس أنه شاعر وناقد وأديب رائع وكبير، وأضاف الكثير للأدب الفلسطيني… أتمنى التوفيق والتقدم والمزيد من الإبداع الشعري والنثري والنقدي للأديب فراس حج محمد.
***وصل الكتاب من خلال مبادرة “لكلّ أسير كتاب” للمحامي الحيفاوي حسن عبادي