يا عزيزي ….. كلنا وحوش !!

تاريخ النشر: 16/11/11 | 0:04

في ضمير المتكلم والمخاطب أنا وأنت وأنتم ونحن و….. المذكر والمؤنث,المفرد منها والمثنى والجمع كلنا على درجة عالية من النقاء والصفاء والطهارة والوفاء والفضيلة والاستقامة والبطولة والتضحية والبذل والعطاء ولا وجود لنقيضها إلا في ضمائر الغائب هو وهي وهما وهم وعلى الدوام.

لا مجال ولا مكان لتأنيب ضمير أو حساب نفس, نبرع في القذف والنقد ونجيد الاستفزاز والتجريح والإهانة ونمتهن الاندفاع والاتهام والتحريض عليه وعليها وعليهما وعليهم .

نتظاهر بأننا حملان وديعة وملائكة بديعة وفي دواخلنا قطعان ذئاب بشرية وما يميزنا أننا نعيش بلا أخطاء فلا أحد منا ينظر إلى اعوجاج رقبته ولا أحد منا يقول عن زيته أنه عكر ونحن نعرف أن الاعتراف بالذنب والخطأ فضيلة ولكننا بلا ذنوب وبلا أخطاء !

ليس هذا مجرد جلد ذاتي بقدر ما هو رفض لحالة الإنكار التي نعيشها مع ذاتنا وأننا بشر فينا من السلبيات كما فينا من الايجابيات حتى نتمكن من الانتقال بعدها إلى مرحلة السعي لتنمية الايجابيات والعمل على خفض منسوب السلبيات فينا .

نحن ندافع عن مواقفنا وآرائنا وقراراتنا واختياراتنا ببسالة وحتى الموت ولا نتراجع فكل كلمة نقولها أو عمل نعمله أو قرار نصدره هو بمثابة فرمان مقدس لا رجعة فيه حتى لو طبقت السماء على الأرض

أولاً نقرر ثم نفكر ثم نبرر , نسارع في اتخاذ القرار وعندما يخالجنا شك فيه نبحث له عن تبرير لكي نضفي الشرعية عليه ونُخرس هذا الذي يسمونه الضمير .

أولاً ننفذ الحكم ثم نصدره وإذا ما شعرنا بالحرج أو قوبلنا بالاعتراض نذهب لننقب في بطون أمهات الكتب وأقوال العظماء لنتسلح بما يخدم قرارنا ظاهراً أو باطناً أو قياسا واجتهاداً حتى ندافع عن هذا الحكم وهذا القرار .

إننا أحوج ما نكون إلى ثقافة الحوار والقدرة على الاعتذار والتراجع والاقتناع والرضى وتقبل الآخر مهما كان ورفض العناد والتصلب والتخشب والشباك والأسوار والأشواك والأسلاك والمكائد والمصائد والمغيبة والعنف .

التلون والتقلب والتذبذب والتقرب والتدهين والتمليس والتحول والمجاملة والمكر والخداع والدهاء هي أساليب رخيصة إنما تنم عن شخصية ضعيفة جبانة لا تقدر على المواجهة ولا على الصمود والنجاح فتتخذ من الأسلوب الحرباوي أو الثعلبي أو الخفدودي أو الأفعوي أو الأرنوبي أو النعامي أو العُقابي نمطاً سلوكياً في صراع النماء والتطور والبقاء , حري بنا نصح ورفض وصد من يتعامل معنا بمثل هذه الأساليب دفاعاً عن أنفسنا ومجتمعنا وحتى لا تكون هي الوسائل البديلة والعملة المسيطرة في تعاملاتنا ومعاملاتنا وحياتنا ودفاعاً وحماية وحرصاً على مستقبل الأمة والأبناء .

ولا يمكن أن نتخذ من الغاية التي تبرر الوسيلة شعاراً وعلماً وراية نرفعها إلى أعلى الصارية بعد كل معركة حساب وتأنيب ضمير .

لا بد أن نعالج التهاون والاستخفاف والتجاوز والإهمال والتصغير والتحقير والتحدي واللامبالاة لأنها سلوكيات تنم عن أمراض يجدر بنا العمل على استئصالها قبل استفحالها وانتشارها في الجسد كله لأنه عندها لا ينفع غذاء ولا ماء ولا مال ولا دواء !

ولا بد وقبل كل هذا أن ننتبه إلى أمر مهم وهو أن خطأ الغير وقسوة الآخَر وظلم الآخَر وفجور الآخَر وتجاوزات الآخَر لا تمنحنا شرعية الرد عليه والتصرف معه بنفس الطريقة وبمثل ما قام به بل إنما هو بمثابة ضعف وانجراف إلى نفس المستوى ولأنه عندها تذوب الفوارق بين الطرفين ويكونا سواء .

إننا نتعلم من الأنبياء والكتب السماوية دروساً في التسامح والعفو والصبر على الأذى ورفض الانتقام والثأر وكيفية معاملة الأسرى واحترام الميت وإكرامه وتعجيل دفنه قدر المستطاع وليس التنكيل والإهانة واستباحة حرمة وكرامة وحياة الأسير أو المريض أو العاجز أو الميت واللطف والرفق بالصغير والمحتاج والجريح والضعيف .

لقد أوذي الأنبياء بأسوأ الطرق وشتى الأساليب فصبروا وتحملوا ولما بلغوا المقدرة على من أساء إليهم اختاروا الصفح والعفو .

وفي هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف أكبر عبره فبعد كل العذاب الذي قابله به أهلها لو أراد لجعل اختياره أن يطبق الملائكة الأخشبين عليها بل قال لعله يخرج من أصلابهم من يعبد الله ويكون من الصالحين .

ويكفينا أن عيسى عليه السلام قال إذا ضربك أحدهم على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ويوسف وموسى وأيوب ونوح ولوط وغيرهم من الأنبياء الذين كانوا لنا قدوة في التجاوز والتسامح والصبر والعفو ورفض الانتقام .

وفي فتح مكة كانت أعظم الدروس والعبر من الرسول صلى الله عليه وسلم وكلنا نعرف ماذا فعلت به قريش من إساءة وإيذاء ومضايقات وحصار ومحاولات قتل , فعندما سألهم ماذا تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم ! قال اذهبوا فأنتم الطلقاء!

لكننا مع كل الدروس عندما نعيش الموقف والحدث ننسى ونتجرد حتى من إنسانيتنا ونتحول إلى وحوش كاسرة ونندفع وننتقم شر انتقام ونتفنن في ذلك من أساليب تعذيب وإهانة إلى استباحة وقتل وتفاخر في ذلك ونحن لا ندرك بهذا إننا أصبحنا مثل من انتقمنا منهم وأثبتنا أننا كنا نستحق ما كانوا يفعلون بنا وكما تدين تدان .

إن من ثار على الظلم ومن أراد السلطة والحكم ومن نادى بالوحدة ولوح بشعارات الخير والسلم يُفترض أنّ لديه توافقاً نفسياً في شخصيته فهو يرفضه من غيره ويمتنع عن ظلم غيره حتى أن يكون من ظلمه ،أما هذه المشاهد الدرامية الوحشية التي بثتها وسائل الإعلام العالمية لطريقة اعتقال وتعذيب وقتل القذافي وعرض جثته بوضعها المزري للجمهور الواقف في طوابير والتقاط الصور لمدة خمسة أيام أثارت سخط وغضب كل من ينظر إلى الإنسان على أنه مخلوق مكرم مهما عمل وبالنظر إلى الجرائم التي اقترفها وما فعله طيلة سنوات عديدة من الدكتاتورية والقمع والنهب والتشريد لأبناء شعبه، ومع النظر إلى عدالة الثورة الليبية وعدالة مطالبها وكل التضحيات التي قدمها الشعب الليبي في سبيل إنهاء عهد القذافي إلا أنه لا يمكن أن نعالج الظلم بظلم مثله ولا يمكن أن يكون كل هذا مبرراً لكي نتحول إلى وحوش ضارية ونفتك بجريح أعزل مهان لكنه يبقى بشر وإنسان ونطلق العنان لغريزة القتل والعنف وحب الانتقام !

إن ما حدث هو أمر مخطط له من قبل الناتو وأمريكا فلقد تم رصد تحركات القذافي والبيت المتواجد به على مدار أسبوعين من خلال طائرة رصد ومراقبة تابعته في كل شيء ولما انتهت هذه الدول من تحقيق مآربها وتحصيل مرادها وطمس أسرارها وتعاملاتها مع القذافي إبان فترة حكمه وأحكمت قبضتها على كل شيء قامت بإرشاد بعض الثوار إلى مكان تواجده ليحصل ما حصل وهي التي كانت تستطيع القبض عليه بيسر وسهولة تامة.

إنها ليست الحالة الوحيدة ففي تاريخنا وحاضرنا وحياتنا اليومية وصحفنا ومواقعنا المحلية وواقعنا المرير والربيع العربي الذي يروى بأنهار من الدم وفي ذاكراتنا البعيدة والقريبة ملفات من النزاع والخصام والقتل والانتقام والقسوة والشدة التي هي بمثابة غريزة مكنونة مخزونة مكبوتة طالما أننا ضعفاء , نحتج ونتألم وننادي بالتسامح وبحمامة السلام وشعارنا الحمل الوديع فنتمسكن حتى نتمكن وعندها تتكشف الأظافر والأنياب .

كل هذا لم يكن من باب التباكي أو الرأفة والشفقة على ظالم وقاتل وديكتاتور متسلط حكم بلاده وشعبه بالحديد والنار بقدر ما هو رأفة وشفقة على أنفسنا وتخوفاً وقلقاً من القادم المجهول الذي ينذر بتحقق المضمون في بيت الشعر وما من يد إلا يد الله فوقها وما من ظالم إلا سيُبلى بأظلمِ!

أو ما من راعٍ إلا سيُسأل عن رعيته وما من ظالم إلا سيلقى ما ظلم !

وطالما أننا نتعامل في ما بيننا بالقسوة والشدة وصار ظلمنا لبعضنا البعض أمراً سائداً فلماذا نستغرب ونحتج ونرفض ظلم غيرنا لنا ونطالب لأنفسنا بالحقوق والعدالة من شعوب سلطت علينا وابتلينا بها لكثرة ظلمنا لبعضنا البعض . وليست المشكلة فينا بكوننا قطعان من الماشية أو قطعان من الذئاب بقدر ما هي في إصرارنا على عدم وجود كائنات حية أخرى بين هذه وتلك .

وقد حرم الله على نفسه الظلم وجعله بيننا محرماً , وقد حث الرسول على التراحم بقوله صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمن , ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء ) , (ومَن في الأرض) لم تنحصر فيها الرحمة بأحد أو لأحد دون غيره ولم ترتبط بتعليل ولم تقتصر على فئة دون أخرى.

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم ترجع عقباه إلى الندم

تنام عيناك والمظلوم منتبها يدعو عليك وعين الله لم تنم

‫2 تعليقات

  1. تحياتي استاذ يوسف قلت الحقيقه والواقع المر الذي نعيش بارك الله بك وحيياك

  2. مقالة جوهرية المعاني..تنادي للعمل بمكارم الاخلاق…والسلوكيات الفاضلة..

    الامة بحاجة الى تذويت السلوكيات السامية لتصبح جزء من ميزات عناصره

    مجتمعنا بحاجة الى نهضة ثقافية تقود افراده الى القيم النبيلة ..

    مجتمعنا يتخبط بسلوكيات سطحية..عفوية..نابعة من الجهل..

    جدير بنا ان ندعو الى ثورة ثقافية..لنرقى بمجتمعنا قلبا وقالبا.

    استاذي الكريم ..حياك الباري وجمل ايامك بالسعادة وراحة البال ..سلمت اناملك

    وجزاك الله كل خير..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة