قراءة في رواية “حقيبة من غمام”
حسن عبادي/ حيفا
تاريخ النشر: 10/10/23 | 7:09قرأت رواية “حقيبة من غمام” للكاتب المغترب محمد عبد السلام كريّم (رواية، 303 صفحات، لوحة الغلاف: الفنان الفلسطيني يحيى عشماوي، تصميم وإخراج: علي عبد الكريم الطيب، إصدار: دار الأقصى للدراسات والنشر/ دمشق)، رحلة الشتاء والصيف، ترسم درب الهجرة الشائك من سوريا عبر تركيا لتحقيق الحلم الزائف بالوصول إلى أوروبا المشتهاة، ويدفع الغالي والرخيص في سبيل ذلك.
يحمل الغلاف لوحة صديقي الفنان التشكيلي يحيى حسين عشماوي، ابن مخيم اليرموك، عاصمة الشتات، طنطوريّ الجذور، ومغترب في صقيع السويد (التقيته وعائلته برفقة زوجتي حين شاركنا الصيف الماضي في المؤتمر السابع للتحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، حمل هويّته من المخيم مع مرارة اللجوء والشتات وما زالت ريشته بمثابة مقاومة مستمرة على جبهة المواجهة لدحض رواية المحتل الصهيوني. يُعتبر الغلاف عتَبةً نصّية وعملًا موازيًا لمتن المؤلّف وله وظائف ودلالات، وحين أنهيت قراءة الرواية تساءلت: هل قرأ صديقي الفنان يحيى عشماوي النص قبل تصميم الغلاف؟ هل للّوحة علاقة بالرواية؟ تمعّنت بها جيّداً ولم ألمس تلك العلاقة. إنّها لوحة معبّرة ولكنها تصلح لمقام ومكان آخر، وكلّي ثقة لو أنّ يحيى قرأ النص لرسم لوحة مغايرة.
للمخيّم حضوره عبر صفحات الرواية؛ مخيم جرمانا ومخيّم اليرموك، شارع الجاعونة (جاءني ما قاله لي الصديق فيصل درّاج ذات لقاء “إعطيني غرفة مترين على مترين في الجاعونة مع طاقة وخذ كل شي بملك”)، بناء “الخالصة” (ص.54)، مدرسة “البصّة”، ويصوّر المخيم بكاميرته البانوراميّة؛ جدران المخيم لوحة ألوانها الشهداء وإطارها العلم الفلسطيني.
صوّر الكاتب بحرفيّة الحرب وويلاتها، والابتزاز الذي يتعرض له ضحاياها المنكوبين.
من خلال قراءتي لروايات من شتّى أرجاء الوطن العربيّ فوجئت بأن الموتيف المركزيّ في العشرات منها يتمحور في حلم الهجرة من البلد. هجرة داخليّة … هجرة خارجيّة… في النهاية الأمر سيّان حين يهجر الإنسان المكان؟ هل هذا فعلًا هو وضعنا؟
لمست الأمر في رواية افرهول للروائي الأردني زياد محافظة، الروائي الأردني قاسم توفيق وروايته “الشندغة” الذي كتب “سعداء لأنهم استطاعوا أن يخترقوا جدران أوطانهم العالية وحالات الفقر والقهر هناك”، الروائية الكويتية بثينة العيسى في الكثير من رواياتها، الروائي العراقي علي بدر، الروائي شكري المبخوت في روايته “الطلياني”، الروائي الفلسطيني سامح خضر في روايته “يعدو بساق واحدة” والروائي عاطف أبو سيف في رواية “حصرم الجنة حيث يحلم بطلها باللحظة التي ستخفق فيها أجنحته فوق بحر غزة فالحلم المشترك هو الهجرة والرحيل إلى أي مكان.
وها هو الكاتب كريّم يتناول رحلة الهروب من سوريا إلى أوروبا عبر طريق القامشلي، بداية بتصويره الوداع قبيل المغادرة (ص.75)، الاستعانة بالمهرّبين/ سماسرة الموت (ص.77)، وتصوير عبور الحدود (ص.83)، قوارب التهريب وتجار الموت، الغش والخداع هو سيّد الموقف، وبطلة الرواية سفينة تهريب مهترئة (قبر حديدي، تابوت حديدي، سجن حديدي، مهجع حديدي وعنبر حديدي) والغرقان بتعلّق بقشّة.
حنكة الجيل الأول الذي ذاق الأمرّين أثر النكبة؛ “كنّا جميعاً نخشى المجهول”، ويقول الأب: “أخشى أن الأحداث أُشعلت في تونس لتصل إلى دمشق”. (ص. 21)، “يا خوفي تكون هالحرب كلا مشان نِخسر فلسطين…نخسرها للأبدّ! (ص. 44)
ملاحظات لا بدّ منه؛
الحوارات باللغة الفصحى ونشافتها أفقدت النصّ حيويّة وأضعفته وجاءت مبتذلة، وكذلك بعض المصطلحات المُقحمَة، “أقمام” (ص.29)،
لم يرق لي تكرار بعض المصطلحات، “المهاجرين” (مئات المرّات)، “نجأر” (عشرات المرّات) على سبيل المثال،
لمست الاستطراد الإنشائي والإطالة، ولغة حديديّة أحياناً، والكاتب بغنى عنها،
لم يرُق لي استرخاص “الشهادة” واستعمالها ع الطالع والنازل “طفلين شهيدين” (ص. 22)، “استشهد” (ص. 23)، فليس كل موت شهادة!
حين أنهيت قراءة الرواية لاحقتني مقولته القاتلة “خرجنا لا إلى صفد” (ص. 56)، والله صعبة!
*** مشاركتي في ندوة اليوم السابع المقدسيّة يوم الخميس 14.09.2023