شيء من النسبية البسيطة!

نظرية النسبية (النسبية الخاصة والنسبية العامة) لآينشتاين ليس كمثلها نظرية فيزيائية، أو علمية، في استعصائها وعُسْرِها، فالعقل الذي لا يثور على ما يستبد به من مسلَّمات، أكانت مفاهيم وأفكار أم طرائق في التفكير والنظر إلى الأمور، لن يَسْهُل عليه هضم وتَمَثُّل مفاهيمها وأفكارها.
لا يمكن الحديث عن الجواب العلمي بدون أن نحدد ما هي المرجعية التي نستند إليها، فهذه المرجعية هي ما يمنح الروح للحقيقة العلمية، فهي بمثابة الروح للجسد ، فمفاهيم مثل الزمن والمكان (أو الفراغ) لا تكتسب معنى علمياً إلا إذا ربطناها بمرجعية معينة.
ما الوقت الآن؟ إنها الساعة العاشرة صباحاً ، هذا الجواب لم تكتمل عِلْميَّته بَعْد ، فاكتمالها يستلزم أنْ نقول إنَّها العاشرة صباحاً بالنسبة إلى هذا المكان مِنَ الكرة الأرضية ، فـجواب الزمان يكتمل، علمياً، بالمكان لأن الوقت يتغير باختلاف الموقع على سطح الأرض، فإن الإجابة الدقيقة تحتاج إلى تحديد المكان أيضاً.
أين يقع هذا الجسم أوْ الجُسيم في الفضاء الخارجي ؟ إنَّكَ لن تستطيع الإجابة مهما حاولتَ إلَّا بحسب النسبية ، فالنسبية هي منْ تُجيب على سؤالكَ، فموضع هذا الجسم إنَّما هو موضعه بالنسبة إلى أجسام أوْ جُسيمات أُخرى في الفضاء الخارجي ؛ أمَّا انتقال هذا الجسم في الفضاء ، بمعنى حركته وسيره ، فيعني قطعاً تغييره لموضعه بالنسبة إلى أجسام وجُسيمات أُخرى.
إلقِ حجراً مِنْ طائرة وهي تطير على إرتفاع معين بما يسمح لمراقبين إثنين مشاهدة الحجر ، بالنسبة إليكَ أنتَ الجالس في الطائرة ، يسقطُ الحجر في خطٍّ مستقيم ؛ أمَّا بالنسبة إلى المُشاهِد الآخر ، أو المُراقِبَ الآخر ، على سطح الأرض فالحجر يسقط في خطٍّ منحنٍ ، فبحسب مَوْضِع (محل، مكان) المُراقَبة قيد البحث والدراسة ، نرى الاستقامة ، أو الانحناء ، في خطِّ سقوط الحجر. إنَّها لحقيقة موضوعية خالصة هي تلك التي تُرى في كلا المَشْهدين، فهل تنتفي الحقيقة الموضوعية إذا ما قُلْتُ، مثلاً، إنَّ هذا الجسم بارد مقارنةً بذاك، وحارٌ مقارنةً بذلك حتى لو كنَّا نتحدث عن درجات حرارة عالية في كلا الجسمين ؟!.
في الكون، ليس مِنْ جسم كبير أو صغير، سريع أو بطيء، فـالصفة المطلقة لا وجود لها في أي جسم أو جُسيم ، إنَّ كل صفة مِنْ صفات الجسم (أي جسم أو جسيم) يجب أنْ تكون نسبية ، فهذا الجسم ليس بـكبير، وإنَّما أكبر مِنْ ذاك الجسم ، وليس بـصغير، وإنَّما أصغر مِنْ ذاك الجسم ، وليس بـسريع ، وإنَّما أسرع مِنْ ذاك الجسم ، وليس بـبطيء ، وإنَّما أبطأ مِنْ ذاك الجسم . هذه البُرتقالة كبيرة بالنسبة إلى حبَّة القمح؛ ولكنَّها صغيرة بالنسبة إلى حبَّة البطيخ.
ما معنى أنَّ هذا الجسم ينتقل في الفراغ، أو الفضاء؟ معناه أنَّ هذا الجسم قد غيَّر موضعه بالنسبة إلى أجسام أُخرى.
إذا راقَبْنا حركة جسم أو جُسيم مِنْ مواضِع مُراقَبَة مُختلفة يتحرَّك بعضها بالنسبة إلى بعض فإنَّ حركة هذا الجسم ستبدو بأشكال مختلفة حسب المواقع المُختلفة .
لو ألقينا حجراً مِنْ طائرة وهي تطير لرأى راكِب جالس في الطائرة أنَّ الحجر يسقط في خطٍّ مستقيم. أمَّا بالنسبة إلى مُشاهِدٍ على سطح الأرض فالحجر يسقط في خطٍّ منحنٍ. كيف يتحرَّك هذا الحجر في حقيقة الأمر ؟ ليس لهذا السؤال مِنْ مكان ولا معنى، فحركة الحجر نسبية.
أُنْظُر إلى كرة في حالة سكون تام على سطح طاولة ، هذه الكرة ساكنة بالنسبة إلى سطح الطاولة كما نشاهد ، التي هي ساكنة بالنسبة إلى سطح الأرض، التي هي في حركة دائمة حَوْل محورها، وحَوْلَ الشمس، التي هي في حركة دائمة حَوْل محورها، والتي هي في حركة دائمة، مع كواكبها، حول مركز مجرَّتنا (درب التبانة).