“ضبط النفس” بخطبة الجمعة في كفرقرع
تاريخ النشر: 14/10/23 | 18:09في مراسم صلاة ظهر الجمعة في مسجد الثانوية في كفرقرع , ألقى المحامي إياد زحالقة خطبة بعنوان “حالة الحرب تستوجب ضبط النفس والتصرف بعقلانية ومسؤولية”, وهذا نص الخطبة : “إن الحمد لله … يقول الله تعالى: “حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ” (النمل: 18). قالت نملة وفي قولها دروس عظيمة ومحطات مفصلية خصبة ورائعة في حياتنا خاصة في زمن الفتن الكبرى.أولا: قول النملة إنما يدل على حرصها على مجتمعها والمبادرة للنصح من أجل ذلك، فلم تسكت وتترك النمل يتعرض للهلاك.هذه النملة تحمل روح المبادرة وعدم الاستهانة بذاتها رغم أن النص لا يشمل إن كانت مسئولة عن شعبها ومجتمعها من النمل. ثانياً: إيثار المصلحة العامة على الخاصة “يا أيها النمل”:النملة لم تقدم لقومها ضمانات النجاة وإنما طالبت فقط بالعمل وبذل الجهد والنتائج على الله تبارك وتعالى وهي عظيمة حال بُذل المستطاع.كان يمكن للنملة أن تنجو بنفسها وأن ترفع شعار “أنا ومن بعدي الطوفان”، ولكنها آثرت المصلحة العامة لمجتمعها فنادت فيهم للنجاة، وهذا منهج الرواحل وقادة التغيير وعناوين التضحية. لذلك نحن أحوج اليوم تيار المصلحة العامة حيث لا نجاة إلى بها ولا اعتبار أو قيمة للمصلحة الخاصة إذا ديست المصلحة العامة. ثالثاً: اقتراح الحلول “ادخلوا مساكنكم”. في خطابها لقومها “قالت نملة” قدمت الحلول العملية والمقترحات التطبيقية السريعة حيث أنها لم تعرض المشكلة وحسب وإنما سارعت إلى تقدم مقترحها العملي للنجاة “ادخلوا مساكنكم”، ونحن اليوم في ظل انسداد الأفق واشتداد الأزمة بحاجة إلى مقترحات عملية وحلول واقعية للخروج من عنق الزجاجة والنجاة من هذه المحطة الخانقة. رابعاً: توقع المآلات الخطرة “لا يحطمنكم”:حذرت النملة في خطابها لقومها من مآلات الأمور المتوقعة والنتائج الخطرة ووضعت أسوأ السيناريوهات والاحتمالات حالة عدم الالتفات لمقترحها “لا يحطمنكم”، حيث أن سليمان وجنوده سيدوسكم ويسحقكم. وعلينا في ظل واقعنا الخطر والمفترق الصعب الذي نمر فيه أن ننبه ونحذر من المآلات الصعبة والنتائج الوضيمة التي يمكن الوصول إليها حال عدم تقديم علاجات حقيقية وجرعات مؤثرة.سادساً: إحسان الظن “وهم لا يشعرون”:المطلوب منا أن نحسن الظن بمجتمعنا وأهلنا وشعبنا وأن نعزز هذا النسيج.
كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه رضيَ الله عَنهم كيفَ يَعرِفونَ الفِتنَ، وكيفَ يكونُ حالُهم فيها، وكيف يتصرفون في زمن الفتن. وفي الحديثِ عن عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو رضيَ الله عَنهما قال: “بَينَما نحنُ حولَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم إذ ذَكرَ الفِتنةَ، فقالَ: إذا رَأيتُم الناسَ قد مرَجتْ عُهودُهم”، أي: ظَهرَ فيهِم وانتشَرَ فسادُ العَهدِ ولم يُوفُوا به، والفِتنةُ هي اختِلاطُ الحقِّ بالباطلِ فلا يُعرَف أهلُ الحقِّ مِن أهلِ الباطلِ، “وخفت أَماناتُهم”، أي: قلَّتْ بَينهمُ الأَمانةُ فأصبَحَ لا يُعرَف بها في ذلك الزمنِ إلا قليلٌ. “وكانوا هَكذا- وشبَّكَ بينَ أصابِعه-“، أي: خَلَطوا فلا يُميَّز فيهم الطيِّبُ من الخبيثِ والمؤمنُ مِن المنافقِ، قال ابنُ عَمرٍو: “فقمتُ إليه”، أي: إلى النبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم، فقلتُ: “كيفَ أفعلُ عندَ ذلكَ! جعلَنِي اللهُ فِداكَ؟”، أي: ما العملُ عندَ ظُهورِ هذا الزمنِ؟ قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم: “الزَمْ بَيتَكَ”، أي: كنْ في بيتِكَ أكثرَ أوقاتِكَ فلا تَخرُجْ إلا لحاجةٍ، “وامْلِكْ عليكَ لِسانَكَ”، أي: ولا تتكلَّمْ فيما يحلُّ بالناسِ ويَنتشِرُ فيهِم حتي يَتركُوكَ وشأنَكَ، فلا تَدخُلْ في الفِتنةِ بقَولٍ أو فعلٍ “وخُذْ بما تَعرِفُ ودَعْ ما تُنكِرُ”، أي: اقبَلْ بما هوَ حقٌّ، واترُكْ ما هو باطلٌ “وعلَيكَ بأمرِ خاصَّةِ نفسِكَ، ودَعْ عنكَ أمرَ العامَّةِ”، أي: الزَمْ نفسَكَ وأحوالَها وقومَها ولا تَنشغِلْ بما يحلُّ بالناسِ ويحدُثُ فيهِم، وهذا تأكيدٌ ومَزيدُ خلاصٍ من الفتنةِ.
وهذا كلُّه يُحمَل على أنَّ من خافَ الضَّررَ عمومًا، سقطَ عنه الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكَرِ باليدِ واللِّسانِ ويُمكِنُه أن يُنكِرَه بقَلبِه.
وجاء في الخطبة الثانية “الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة، نحن جزء أصيل في هذه البلاد والدولة، فيها حياتنا ومعاشنا وحاضرنا ومستقبلنا ومصيرنا، لنا انتماءاتنا وهوياتنا، وفي المقابل فإن القانون والنظام العام ملزمين للجميع، وهما الإطار الذي يحدد ما هو مسموح وما هو ممنوع. لذلك، يجب على الجميع تحكيم العقل، وضبط النفس، والتصرف بعقلانية ومسؤولية، ضمن إطار القانون والنظام العام. وليتحمل كل منا المسؤولية عن كل كلمة يقول، أو يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وكل تصرف يقوم به، دون مزايدات ضالة وضارة، لا تسمن ولا تغني من جوع، وتؤدي بصاحبها إلى التهلكة “.