دَرَّاجَةُ مُحَمَّدْ قِصَّةٌ قَصِيرَةْ
بقلمي أ د / محسن عبد المعطي محمد عبد ربه
تاريخ النشر: 09/11/23 | 15:14كَانَ وَالِدُ مُحَمَّدٍ قَدْ أَنْهَكَهُ التَّعَبُ بَعْدَ أَنْ طَحَنَ نَفْسَهُ فِي
قِرَاءَةِ الْمَجَلَّاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ فَنَامَ سَاعَةَ الظُّهْرِ
يَحْلُمُ أَنْ يَكْتُبَ قِصَّةً جَمِيلَةْ.
اِسْتَيْقَظَ الْوَالِدُ عَلَى صَوْتِ زَوْجَتِهِ عُلَا قَائِلَةً:قُمْ وَاذْهَبْ مَعَ
مُحَمَّدٍ إِلَى (الْعَجَلَاتِي)لِيُصَلِّحَ لَهُ الدَّرَّاجَةَ.
نَادَى الْوَالِدُ مُحَمَّداً فَأَتَى إِلَيْهِ وَهُوَ لَا يَزَالُ نَائِماً عَلَى
سَرِيرِهِ.
قَالَ الْوَالِدْ: " اِذْهَبْ يَا مُحَمَّدُ إِلَى الدُّكَّانِ وَخُذِ الْمِفْتَاحَ مَعَكَ
وَخُذِ الْعَجَلَةَ إِلَى(الْعَجَلَاتِي).
وَبَعْدَ أَنْ تَعْرِفَ كَمْ سَيَتَكَلَّفُ إِصْلَاحُ الْعَجَلَةْ.
تَعَالَ وَأَخْبِرْنِي وَسَأُعْطِيكَ النُّقُودْ " .
قَالَ مُحَمَّدْ: " لَقَدْ ذَهَبْتُ إِلَى(الْعَجَلَاتِي) فِعْلاً وَأَخْبَرَنِي أَنَّ
تَصْلِيحَ الْعَجَلَةِ سَيَتَكَلَّفُ عِشْرِينَ جُنَيْهاً .
وَقَدْ أَعْطَتْنِي أُمِّي الْمَبْلَغْ " .
قَالَ الْوَالِدْ لِمُحَمَّدْ: " مَنْ هُوَ هَذَا (الْعَجَلَاتِي)؟!!! "
قَالَ مُحَمَّدْ: " (الْعَجَلَاتِي) الَّذِي دُكَّانُهُ فِي الشَّارِعِ الْكَبِيرِ
بَعْدَ مَحَلَّاتِ امْرَأَةِ خَالِي أَمِيرَةْ " .
قَالَ الْوَالِدْ: " أَنَا أَعْرِفُهْ .
إِنَّ اسْمَهُ / رِفْعَتُ السَّلْخْ " .
قَامَ الْوَالِدُ وَاصْطَحَبَ مَعَهُ مُحَمَّداً إِلَى(الْعَجَلَاتِي).
أَلْقَى الْوَالِدُ السَّلَامَ عَلَى (الْعَجَلَاتِي):اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ وَبَرَكَاتُهْ.
مَاذَا فِي الْعَجَلَةِ(اَلدَّرَّاجَةْ)؟!!!
قَالَ(الْعَجَلَاتِي): اَلدَّرَّاجَةْ تَحْتَاجُ إِلَى كَاوِتْشٍ دَاخِلِيٍّ
وَكَاوِتْشٍ خَارِجِيْ.
قَالَ الْوَالِدْ: " مَا الثَّمَنْ؟!!! "
قَالَ(الْعَجَلَاتِي): " هُنَاكَ كَاوِتْشٌ جَيِّدٌ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ
جُنَيْهاً وَهُنَاكَ نَوْعٌ مِنَ الْكَاوِتْشِ أَقَلُّ جَوْدَةً بِعِشْرِينَ جُنَيْهاً
فَقَطْ " .
قَالَ الْوَالِدْ: " هَلِ الْعَجَلَتَانِ الْأَمَامِيَّةُ وَالْخَلْفِيَّةُ تَحْتَاجَانِ إِلَى
تَغْيِيرِ الْكَاوِتْش؟!!! "
قَالَ(الْعَجَلَاتِي): " اَلْأَمَامِيَّةُ فَقَطْ .
اِسْتَلِمْهَا بَعْدَ الْمَغْرِبْ. "
قَالَ الْوَالِدْ: " أُرِيدُهَا الْآنْ " .
قَالَ(الْعَجَلَاتِي):" وَهُوَ كَذَلِكْ " .
ثُمَّ قَامَ بِعَمَلِ اللَّازِمْ .
وَاسْتَلَمَ مُحَمَّدٌ الدَّرَّاجَةَ فَرِحاً بِتَصْلِيحِهَا .
رَكِبَهَا ثُمَّ قَالَ لِلْوَالِدْ: " أَذْهَبُ أَنَا؟!!! "
قَالَ الْوَالِدْ: " اِسْبِقْنِي إِلَى الْبَيْتْ" .
سَأَلَ الْوَالِدُ (الْعَجَلَاتِي) عَنْ دَرَّاجَةٍ جَدِيدَةٍ كَانَتْ مُعَلَّقَةً أَمَامَ
دُكَّانِ (الْعَجَلَاتِي):ثَمَنُ هَذِهِ الْعَجَلَةِ سَبْعُونَ جُنَيْهاً؟!!!
قَالَ(الْعَجَلَاتِي):" لَا.
إِنَّ ثَمَنَهَا مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ جُنَيْهاً" .
شَكَرَ وَالِدُ مُحَمَّدٍ (الْعَجَلَاتِي)وَأَعْطَاهُ اثْنَيْنِ وَ عِشْرِينَ
جُنَيْهاً مُقَابِلَ تَصْلِيحِ الْعَجَلَةِ وَأَلْقَى عَلَيْهِ اَلسَّلَامَ عَائِداً إِلَى
الْبَيْتْ .
اِنْطَلَقَ مُحَمَّدٌ بِالْعَجَلَةِ يَلْعَبُ هُنَا وَهُنَاكَ مُتَجَوِّلاً فِي أَنْحَاءِ
الْبَلْدَةِ ثُمَّ عَادَ فَرِحاً.
قَالَ الْوَالِدْ: " يَا بُنَيَّ إِنَّ هَذِهِ الْعَجَلَةَ تَتَمَيَّزُ بِالسُّرْعَةِ
وَالْخِفَّةْ.
لِذَلِكَ آمُلُ فِيكَ أَنْ تَكُونَ سَرِيعاً وَخَفِيفَ الْحَرَكَةِ فِي كُلِّ
أَعْمَالِكْ " .
قَالَ مُحَمَّدْ: " إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَا أَبِي سَأَسْعَى(وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا
بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)سُورَةُ هُودْ (88) " .
قَالَ الْوَالِدْ: " صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمْ .
وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدٌ .
فَإِنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ بَعْدَ السَّعْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعَمَلِ أَنْ نَسْتَعِينَ
بِاللَّهِ لِيُمِدَّنَا بِعَوْنِهِ وَمَدَدِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَيَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا بِقَبُولِ
الْعَمَلِ فَيُثِيبَنَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" .
قَالَ مُحَمَّدْ: " وَهَلْ هُنَاكَ أَشْيَاءٌ تَجْعَلُ اللَّهَ يَرْضَى عَنَّا
وَيُوَفِّقُنَا وَيُدْخِلُنَا الْجَنَّةْ؟!!! "
قَالَ الْوَالِدْ :" نَعَمْ يَا مُحَمَّدْ.
وَمِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُهِمَّةِ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ وَاحْتِرَامُهُمَا
وَالْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ بِيَدِهِ كُلُّ شَيْءٍ(أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ
تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف) " .
قَالَ مُحَمَّدْ: " لَقَدْ عَزَمْتُ يَا أَبِي أَنْ أُقِيمَ عَلَاقَةً جَيِّدَةً بَيْنِي
وَبَيْنَ اللَّهْ " .
قَالَ الْوَالِدْ: "كَيْفَ يَا مُحَمَّدْ؟!!! "
قَالَ مُحَمَّدْ: " سَأَكُونُ قَرِيباً مِنَ اللَّهِ بِطَاعَتِهِ وَالْاِلْتِزَامِ
بِأَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ وَالْعَطْفِ عَلَى السَّائِلِينَ
وَالْمَحْرُومِينَ وَالْبَائِسِينَ وَالْمُعْدَمِينْ " .
وَأَتَّخِذُ مِنْ ذَلِكَ طَرِيقاً لِحُبٍّ مُتَبَادَلٍ بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهْ.
وَعِنْدَمَا أَلْجَأُ إِلَيْهِ وَأَدْعُوهُ يَسْتَجِيبُ لِي.
قَالَ الْوَالِدْ: "نَعَمْ يَا مُحَمَّدْ.
كُلُّ كَلَامِكَ جَمِيلْ.
لِذَلِكَ أُبَشِّرُكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ يُخَاطِبُ رَسُولَهُ
الْكَرِيمَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا
لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186( " .
قَالَ مُحَمَّدْ: " وَالْإِنْسَانُ الَّذِي لَا يَلْجَأُ إِلَى اللَّهِ – فِي كُلِّ
أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَشِدَّتِهِ وَرَخَائِهِ وَيُسْرِهِ
وَعُسْرِهِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ وَشَبَابِهِ وَهِرَمِهِ وَصِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ-
يَكُونُ مُتَكِّبِّراً عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ الْأَعَزِّ
الْأَكْرَمْ " .
قَالَ الْوَالِدْ: " بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ يَا مُحَمَّدْ.
وَطَمْأَنَ قَلْبَكَ بِذِكْرِهِ وَالتَّفَكُّرِ فِي عَظَمَتِهْ.
(الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ
وَحُسْنُ مَآَبٍ (29(سورة الرعد " .