في ظلال طوفان الأقصى “21”
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تاريخ النشر: 10/11/23 | 18:59وقفُ العدوان رهنٌ بصمود الشعب وزيادة كلفة العدو
بدا واضحاً منذ الساعات الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أنه لا يمكن الركون إلى المجتمع الدولي والاطمئنان إليه أو الاعتماد عليه في ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف العدوان، وإنهاء عمليات القصف الجنونية ضد كل شيءٍ في القطاع، رغم حجم ما يرى وفداحة ما يشاهد، سواء لجهة القوة العسكرية الإسرائيلية المفرطة والمميتة، أو لجهة عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين وجلهم من الأطفال والنساء، وحجم الدمار والخراب الذي أصاب كل المرافق العامة والخاصة في القطاع.
فقد ثبت بالدليل القطعي، السري والعلني، أنهم شركاء في العدوان، ومساندون للاحتلال في كل ما يقوم به، بل ويزودونه بالسلاح والعتاد والذخيرة، ويؤيدونه سياسياً ويصدقونه إعلامياً، ويتبنون روايته الكاذبة ويدعمون مطالبه الأمنية، ويشكلون له مظلة حماية ورعاية في مجلس الأمن الدولي ضد أي قرارٍ يدين أفعاله في قطاع غزة، أو يدعوه إلى وقف العمليات العدائية ضده، الأمر الذي جعل من السفه وقلة العقل، وإضاعة الجهد وخسارة المزيد من الضحايا، الاعتماد على الغرب الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، لثني إسرائيل عن غيها، وإجبارها على وقف حربها المسعورة على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
فلا شيء يوقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني كله أينما كان، في القدس أو الضفة، أو في غزة ودول اللجوء، ويضع حداً لجبروته الذي لا ينتهي، وغاراته التي لا تتوقف، سوى أن يشعر بأنه فاشلٌ أمنياً وعسكرياً وسياسياً، وأنه عاجزٌ عن تحقيق أهدافه التي أعلن عنها، وغير قادرٍ على مواصلة العملية العسكرية وإطالة أمدها، وأنه لا يتحكم في الميدان، ولا يملك حرية القرار، ولا يستطيع رغم كل ما يقوم به أن يدفع المقاومة على الخضوع وإعلان الاستسلام، ولا أمل له في إحراز صورة نصرٍ يهديها إلى مستوطنيه، تجبر كسره، وتعيد هيبته، وترمم سمعته، ولا عودة قريبة مضمونة بغير كلفةٍ ولا ضريبة لأسراه لدى المقاومة إلى عائلاتهم وأسرهم، التي باتت تقلق على أبنائها من نيران جيشها وسياسة رئيس حكومتها.
هذا الأمر الذي نتوق إليه ونتمناه، ونعمل له ونراهن عليه، رهنٌ أولاً بصمود الشعب الفلسطيني، الذي هو حاضنة المقاومة ومصدر قوتها، وبدونه تنكشف وتعرى، وتضعف وتخسر، وتصبح وحيدةً في مواجهة العدو ومعزولةً عن عمقها ومحيطها، وهو ما يتمناه العدو ويعمل له، فهي بصبره واحتماله، وإصراره وعناده، وثباته رغم عظم ما يواجه وفداحة ما يدفع، تستطيع أن تمضي قدماً في مواجهة العدو والتصدي له، وتتمكن من إفشال رهانه على ضعف الشعب وإنهاكه، ودفعه للتخلي عن المقاومة والانفضاض عنها، إذ لا شيء يسوء وجه هذا العدو مثل المذابح التي ارتكبها، والمجازر التي قام بها، والتي ستكون سبةً في جبينه وجبين الدول التي تدعي الحضارة والمدنية، التي ساندته وأيدته، وزودته بالسلاح وقاتلت معه.
أما الأمر الثاني الذي يجبر العدو على التراجع والانكفاء، والتسليم بالعجز والاعتراف بالهزيمة، وهو ربما الأكثر تأثيراً والأسرع في ردة الفعل والانقلاب، فهو إحساسه بكلفة عدوانه، وزيادة فاتورة سياساته، ولا يكون هذا إلا إذا تضاعفت أعداد قتلاه، وزادت خسائره بين جنوده وضباطه، وبدأت المظاهرات الاحتجاجية ضد سياسته، وتعالت الأصوات الشعبية تطالب الحكومة بوقف عملياتها العسكرية ووضع حدٍ لمسلسل الخسائر التي لا تنتهي، وعدادات القتلى التي لا تتوقف، وهذا الأمر يوجعهم كثيراً ، ولا يستطيعون تحمله أو التعايش معه، وقد ظنوا أنهم أصبحوا في مأمنٍ منه ولن يعيشوا معاناةً مثله.
زيادة الكلفة الإسرائيلية في صفوف جنوده وضباطه، ومعدات جيشه وقدراته، وتردي سمعته وتآكل هيبته، المؤدي إلى تراجع العدو وانكفائه، لا يكون إلا بالمقاومة المسلحة الشرسة، القوية العنيدة، الواثقة البصيرة، وهذه ليست محصورة في غزة والوطن المحتل، وإن كانت قادرة وقوية، وصلبة وعنيدة، إلا أنها في حاجةٍ إلى جبهاتٍ أخرى تساندها، ومقاومةٍ غيرها تشاركها وتخفف عنها، وتساهم بدورها في إيلام العدو وكسر ظهره، ويكون لها دور في إساءة وجهه ودحره، وهذا ما يخشاه العدو ويحسب حسابه، ويتجنب وقوعه ويتحسب من تداعياته وآثاره، ولعلنا قد بدأنا الطريق، وخضنا الصعب، وتحدينا المستحيل، وأذقنا العدو بعض ما يخشى.