متنفَّس عبرَ القضبان (91)
حسن عبادي/ حيفا
تاريخ النشر: 14/11/23 | 17:17بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب محمد عمارنة (أخ الأسيرة فاطمة): “أختي الغالية فاطمة فك الله بالعز قيدك. أخواتي الأسيرات فك الله بالعز قيدكن، أنتن الفخر والعز والشموخ أنتن تاج الرؤوس وإكليل غار النصر. أستاذ حسن عبادي أنت مثال الحرية والوطنية والإنسانية أنت قدوة يحتذى بها دمت ذخرا لنا وللوطن جزاك الله عنا كل خير. أستاذ حسن أنت بالقلب مسكنك شكرا بكل لغات أهل الارض شكرا باسمي واسم أهل الأسرى والأسيرات جميعا”.
وعقّب الصديق إبراهيم الخطيب (أبو وسيم) من الشتات: “لك وفاطمة ابنة مخيمنا المكافح أجمل التحايا. والفرج قريب بإذن الله”.
وعقّب محمود عمارنة (أخ الأسيرة فاطمة): “أختنا وأمنا الغالية فاطمة نعتز بك وبثباتك وإيمانك ونثق بأن إرادتك أقوى من السجان لا زال أطفالنا جميعا بانتظارك يسألون بشكل دائم ويبحثون عنك في أرجاء البيت… الحرية والفرج القريب لك ولجميع الأسيرات والأسرى والنصر لشعبنا. الأخ العزيز أستاذ حسن وأسرتك الكريمة أنتم شعاع للنور يصلنا بأسرانا نقدر جهدكم وتضحياتكم جزيل الشكر الامتنان لكم”.
“ولادة سلطان”
زرت صباح الاثنين 30 أكتوبر 2023 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب والتقيت بدايةً بالأسيرة فاطمة عمارنة؛ أطلّت مبتسمة، بعكس اللقاء السابق، بخطى واثقة، ونسيت لحظة الاعتقال ووحشيّته التي رافقتها في حينه (اعتقلت يوم 04.09.2023 بطريقها من المسجد الأقصى المبارك وصور اعتقالها انتشرت عبر كلّ شاشات العالم، وهذا اعتقالها الأول) وحدّثتني عن تنفيش الصباح الصارم وأخذ الطناجر والجلي والسكر والعدس، وعن الاكتظاظ في السجن (61 أسيرة)، والعزل الجماعي داخل الزنازين، وساديّة السجّان “انقمعنا عدّة مرات مع غاز”.
استفسرت عن وضعها الصحّي فأجابتني أنّها نسيت المرض والأوجاع، ونورهان قايمه بشغل القسم كلّه.
عبّرت عن فرحتها لسماع صوت والدتها عبر الإذاعة وخبر ولادة سلطان (الابن الأوّل لمصطفى).
فجأة قالت: “خايفين منّا وبحاولوا يذلّونا. فشرت عينيهم”، معنويّاتنا عالية ومش قلقانين، كرامتنا فوق كل شي، شاعرين وكأنهم بعزّلوا بالقسم وقرّبنا نروّح.
تطمّن الجميع؛ كلّنا بخير ودايرات بالنا ع بعض.
كثير برفع المعنويات أنوّا الأهل بسلّموا عبر الإذاعة وإنّا مش منسيّات”.
“سلّم ع الوطن”
بعد لقائي بفاطمة عمارنة أطلّت الأسيرة عطاف جرادات، ترافق زميلتها فاطمة وكرسيّها المتحرّك.
خبّرتني بدايةً عن التفتيش الهمجيّ هذا الصباح، وعن قمعة الخميس 19 أكتوبر المشؤومة، وحين قاطعتها لأوصل لها سلامات زوجها أحمد وأخيها منذر، انفرجت أساريها وبدأت تحدّثنا عن الطابون والبقرات، عن الزيتات واللوز والزعتر والدوالي والكُلاج والمفتول البلدي اللّي بتوزّعه على مرّاق الطريق.
تنهّدت لتحدثني عن وصفِة كُلاج السجن “عمِلته ع البلاطة وبطبّعه بالقلّاية، مع لوز و/أو جوز و/أو جبنة، الموجود.
وكذلك مفتول السجن “نشّفنا الخبز وطحنّاه بالمصفاية مع البرغل الناعم”، وفجأة قالت: “عفِكرة، عملتُه مرتّين للشباب بمسلخ الرملة”، والهريسة والشطّة والمربّى، ووعدتها أن يكون لها دور في كتاب الطهي خلف القضبان.
حدّثتني بحِرقة عن عقود الخرز التي صنعتها لابنتها هنادي ولحفيداتها: فاطمة الزهراء، زينب، فرح، مريم، ياسمينة، زهراء، سيما، ماريا (خلقت وهي السجن)، عيّوش، نور وآية… ولكنّها صودرت في القمعة الأخيرة. والله صعبة!
رسالتها لأخيها منذر: “بحبّك قدّ رحمة ربّنا”.
حين افترقنا قالت: معنويّاتنا حديد، سلّم ع الوطن.
“بدّي أيلول”
بعد لقائي بفاطمة عمارنة أطلّت الأسيرة فاطمة إسماعيل شاهين، ابنة مخيم الدهيشة (مواليد 1990)، على كرسيّها المتحرّك، برفقة الأسيرة عطاف جرادات.
أوصلت لها سلامات والدها وطمأنتها على ابنتها أيلول (مواليد 24.08.2018)،
وحدّثتني بدورها عن الوضع في الأسر، والتضييقات في الآونة الأخيرة، ومراوغة السجّان ولؤمه “بتخوّثوا علينا، إلبسوا بدنا نطلّعكم ع الفورة وببطّلوا، بلعبوا بأعصابنا”.
فاطمة محرومة من العلاج، ومن المياه المعدنيّة رغم حالتها الصحيّة، ورغم ذلك، بمساعدة عطاف، ملاكها الحارس، بدأت تحرّك رجليها.
ابتسامتها، رغم الإصابة، ساحرة، تحلم بماذا ستعمل يوم تحرّرها، بلورت خطط واستراتيجيات للتسويق والمبيعات فلديها فائض الوقت لبنايتها النظرية وتنتظر تطبيقها على أرض الواقع.
مشتاقة لاحتضان أيلول، وللمّة عائلية تجمعها بأخوتها طارق ومحمد وكرمل وضُحى، وأمّها فايقة تدلّعها “فطّوم”، وعمّتها مليحة وأسيل (زوجة طارق) وكرم ورائد والجميع.
تطالب بالعلاج، آمله بحريّة قريبة “فِش إشي ع ربّنا كبير”.
لكُنّ عزيزاتي فاطمة وعطاف وفاطمة أحلى التحيّات، الحريّة لكن ولجميع الأحرار، وكلّي أمل بلقاء قريب في فضاء الوطن.
حيفا/ أكتوبر 2023