حَـدِيـثُ الشَّـجَـرَةْ قِصَّةٌ قَصِيرَةْ
بقلمي أ د / محسن عبد المعطي محمد عبد ربه
تاريخ النشر: 15/11/23 | 18:54ذَاتَ يَوْمٍ اسْـتَـيْـقَـظَتِ الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ وَهِيَ تَـبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ وَتَـصْـرُخُ ، فَزِعَتِ
الْأَشْجَارُ عَلَى شَاطِئِ التُّــرْعَةِ وَأَشْجَارُ الْجَزْوَرِينِ وَالتُّـوتِ وَالصَّفْصَافِ عَـلَى
(مَرْبَطِ) (وَطِوَالَةِ) الْـبَهَائِمِ ، وَهَـرَعْـنَ إِلَى الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ، كَــمَا فـزِعَ الْحِمَارُ
وَفَـكَّ نَفْسَهُ مِنَ الْوَتَدِ الَّذِي رَبَطَهُ بِهِ الْعَمُّ شَنْدَوِيلِي ، مُسْرِعاً إِلَى الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ،
يُنهِّقُ فِي حُزْنٍ،وَيَسْـأَلُهَا عَمَّا بِهَا ،كَمَا خَرَجَتِ الْعَصَافِيرُ مِنْ أَعْشَــاشِهَا بِــزَقْزَقَةٍ
حَزِينَةٍ ، وَأَخَذَ الْـيَمَامُ يُحَـلِّقُ فِي السَّمَاءِ فَوْقَ الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ وَهُوَ يُدَنْدِنُ فِي حُزْنٍ:
وَحِّدُوا رَبَّكُمْ ، وَحِّدُوا رَبَّكُمْ وَرَفْـرَفَتِ الْحَمَائِمُ وَهَـدَلتْ هـَدِيلاً مُـحُزِناً ،وَهَـاجَ وَمَـاجَ
الضُّـفْدَعُ بِـنَقِيقِهِ مُتَـجَمِّعاً فِي التُّـرْعَةِ ،حَزِيناً مِنْ أَجْلِ الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ، وَنَبَحَتِ
الْكِلاَبُ فِي أَسَىً هَوْ هَوْهَوْ هَوْهَوْ ، وَهِيَ تُـرْخِي ذُيُولَهَا ،وَأَسْرَعَتِ الْجَوَامِيسُ
وَالْأَبْقَارُ إِلَى الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ،الْكُلُّ يَسْـأَلُهَا عَمَّا أَلَمَّ ،بِهَا,وَهِيَ تَـبْكي وَتَـقُولُ : تَعَدَّدَتِ
الْأَسْـبَابُ وَالْمَوْتُ وَاحِدُ ، لَقَدْ جَاءَ فِي مُـنْـتَـصَـفِ اللَّـيْلِ رَجُلٌ قَوِيٌ ، وَمَعَهُ عُصْـبَـةٌ
أَقْوِيَاءٌ مِنَ الرِّجَالِ ، مَعَهُمْ مِنْشَارٌ آلِيٌّ قَطَعُوا بِهِ أُمِّي (الشَّجَـرَةَ ابْتِسَامَ) ، وَعِنْدَمَا
سَـأَلْـتُهُمْ لِمَاذَا تَقْطَعُونَ أُمِّي ؟! قَالُوا :لِنَطْبُخَ بِهَا الْعِجْلَ الَّذِي ذبَحَهُ الْعُمْدُةُ فِي فَرَحِ
ابْنِهِ ، قَالَ الْقِرْدُ الَّذِي كَانَ قَدْ جَاءَ مُـتَـأَخِّراً : مَصَــائِبُ قَــوْمٍ عِنْدَ قَــوْمٍ فَوَائِدُ ،
وَقَالَتِ الْجَامُوسَةُ : إِنَّ هَذَا الْعِجْلَ الَّذِي ذَبَحُوهُ لِفَرَحِ ابْنِ الْعُمْدَةِ هُوَ ابْنِي يَا حَبِيبَتِي
الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ ،فَمُصِيبَـتـُـُنَا وَاحِدَةٌ ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِـرُ: ( إِنَّ الْمَصَــائِبَ يَجْمَعْنَ
الْمُصَابِينَا ) وَأَخَذَتْ جُمُوعُ الطُّـيُورِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالنَّـبَـاتَــاتِ تُعَزِّى الشَّجَـرَةَ سَعْدِيَّةَ
وَ(الْجَامُوسَةَ رَحَا) ، وَأَخَذَتِ الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ تَمْسَحُ دُمُوعَهَا وَقَدْ بَلَّـلَتِ فُروعَـهَا
قَطَرَاتُ النَّدَى الْجَمِيلَةُ ، وَهِيَ تَقُولُ : (( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) ( 156 سُورَةُ
الْـبَقَرَةِ ) ( اللَّهُمَّ أَجِرْنَا فِي مُصِيبَتِنَا وَأَبْدِلْـنَا مِنْهَا خَـيْراً) ( اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْـنَا أَجْرَهَا
وَلاَ تَفْتِــنَّا بَعْدَهَا وَاغْــفِرْ لَنَا وَ لَهَا ) قَالَ الدِّيكُ بِصَوْتٍ حَـزِينٍ :- وَهُوَ يَـبْكِي – لَقَدْ
كَانَتِ الشَّجَـرَةُ ابْتِسَامُ تُسَـبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهَا لَيْلَ نَهَارٍ وَتُطِيلُ الاِسْتِغْفَارَ ، وَكَثِيراً مَا كُـنْتُ
أَلْعَب فِي ظِلِّهَا ، فَـتَـسْـتَـقْـبِـلُـنِي فِي حَـنَانٍ ، كَـأَنَّهَا تَسْـتَـقْـبِـلُ ابْـنَـهَا الْعَائِدَ ، وَتَـهُـزُّ
فُـرُوعَهَا بِالنَّـسَمَاتِ الْحَانِيَةِ ، وَأَحْيَاناً بِالْــهَوَاء الشَّدِيدِ الَّذِي يَدْفَعُ الْحَبَّ مِنْ أَمَاكِنَ
أُخْـرَى فَـأَلْـتَـقِطُـهُ ، رِزْقاً لِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الَّذِي تَكَفَّلَ بِرِزْقِ كُــلِّ دَابَّةٍ عَـلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ ، كُـنْـتُ أُحِسُّ مَعَ الشَّجَـرَةِ ابْتِسَامَ بِحَـنَانِ الْأُمِّ الَّذِي افْـتَـقَدْـتُـُهُ مُـنْذُ صِغَرىِ ،
وَارْتَـفَعَ صَوْتُـهُ بِالْـبُكَاء وَهُوَ يَصِيحُ : كُـوكُو كُكُو كُـوكُو كُكُو وَحِّدُوا رَبَّكُمْ ,عَقَّـبَتِ
الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ عَلَى عَزَاءِ الدِّيكِ قَائِلَةً : شُكْراً لَكَ أَيُّهَا الدِّيكُ الْمُؤْمِنُ عَلَى مَشَاعِرِكَ
الْفَـيَّاضَةِ الْمَلِيئَةِ بِالتَّـرَاحُمِ وَالتَّعَاطُفِ وَالْإِحْسَاسِ الْجَمِيلِ بِالْآخَرِينَ وَهَذَا حَالُ
الْمُؤْمِـنِـينَ.