إن لم تعودوا كالأطفال …
بقلم : زهير دعيم
تاريخ النشر: 22/11/23 | 17:46قصة من وحي احداث غزّة المؤلمة
وصرخت راحيل ابنة السنوات الخمس وهي لا تعرف ما يجرى ، فالصّراخ في كلّ مكان والرصاص يملأ الارجاء والوديان ، وأهلها واخوتها يركضون هنا وهناك .
وهربت راحيل من البيت الى بيت الجيران خائفة وباكية وهي لا تعرف ما يجري ..
ولم تهدأ حتى بعد أن ركبت الموتور سيكل مع شابّ غريب متوجهة نحو غزة ، فصرخت ورددت الوديان معها :
إيما .. إيما … آبا .. آبا
وليس هناك من يسمع !
وجاء المساء وجاء معه النُّعاس فنامت متنهدةً بعد ان تناولت شطيرة من خبز مدهون باللبنة … نامت على وسادة في الركن البعيد ؛ نامت ولم تنم ، فأمّها تدغدغها في الحلم وأبوها يعانقها ، والضحكات تملأ ارجاء الكيبوتس .
واستيقظت راحيل في منتصف الليل لتجد نفسها في غرفة معتمة ، تنام مع طفلة أخرى سمراء تُضاهيها في العمر ، فانفجرت بالبكاء وهي تقول : إيما .. إيما .. مايم ـ مايم..
واستيقظت الطفلة الأخرى وراحت تشاركها البكاء .
وجاء الصّباح واستيقظت الطّفولة البريئة ولم تجد امّها ، فبكت بهدوء ، وبكت معها الطفلة السّمراء الجميلة بعد ان تعانقتا ، وأمّ فاطمة تراقبهما من بعيدٍ وفي قلبها ألف غصّة .
وأشارت فاطمة الى راحيل باصبعها الصّغيرة وكأنّها تسألها عن اسمها ، ففهمت راحيل وقالت : راخيـــــــل …. راخيل .
وكذا راحيل أشارت الى الطفلة الصغيرة مستفسرة عن اسمها فقالت : فاطمة.. فــــــــــــا طـــــــــــمة .
وجاءت امّ فاطمة تحمل شطيرتين من اللبنة وابريق ماء ، فأعطت لراحيل واحدة وأخرى لفاطمة، وراحت تُمسّد تارة شعر فاطمة وتارة شعر راحيل ، والدموع تسيل على وجنتيها.
وفجأة ومن بعيد سُمع دويّ انفجار شديد في المنطقة القريبة فاحتضنت فاطمة راحيل واحتضنت راحيل فاطمة والخوف يجمعهما.
ومرّت الأيام وأضحت راحيل وفاطمة صديقتيْن يحلو لهما النوم واللعب وتناول الطعام معًا .
ولم تنس راحيل – وكيف تنسى !! – فكانت تصرخ مرارًا وتكرارًا في الليل والنهار :
إيما .. إيما… آبا .. آبا .
فتعانقها أمّ فاطمة والدّموع تملأ وجهها وهي تقول :
قريبًا يا بُنيتي ، قريبًا سيأتي الفَرَج .
وجاء الفرج … !!!
وجاءت الصّفقة المرتجاة ، فقرّ الرأي على ارجاع راحيل مع الكثيرين الى الكيبوتس .
فتعانقت فاطمة وراحيل ….
تعانقتا طويلًا طويلًا ، قبل ان تصعد راحيل الى سيّارة الصّليب الأحمر عائدة الى أهلها في الكيبوتس ، وهي ترمق أمّ فاطمة بنظرة حنان وشكر ، وتُشير بيدها لصديقتها فاطمة وكأنّها تقول لها : تعالي معي .. تعالي معي..