مأسسة القراءة الذّاتيّة وغرسها كعادة
د. محمود أبو فنّه
تاريخ النشر: 30/11/23 | 7:22إنّ موضوع القراءة/المطالعة يستحوذ على جلّ تفكيري منذ أكثر من خمسة عقود، والقراءة تلتهم معظم ساعات صحوي، وتجلب لنفسي الكثير الكثير من المتعة والإثارة والفائدة!
وقد دلّت الأبحاث والدّراسات على أنّ غرس عادة المطالعة وتذويتها في نفوس القرّاء يُسهم بشكل كبير في إثراء عالمهم، وبلورة شخصيّاتهم، وتحسين حياتهم في جميع المجالات، وفي زيادة الدّافعيّة لمواصلة التّطوّر والنّماء.
ورغم تعدّد مصادر المعرفة وتنوّعها، ورغم أنّ الكتاب لم يعد المصدر الوحيد لاستقاء المعلومات أو لجلب المتعة، إلّا أنّ الدّور الأساسيَّ في اكتساب المعرفة وفي بلورة شخصيّة الإنسان ظلّ للكلمة المكتوبة.
قد يشارك الحاسوب أو المذياع أو التّلفزيون أو أشرطة الفيديو أو الأقراص المدمجة في عمليّة التّنشئة وفي بناء شخصيّة الأفراد، ولكن يبقى للكلمة المكتوبة والمقروءة حقّ الصّدارة، ويظلّ لها سحرها وجاذبيّتها لأنّ القراءة تمنحنا:
– إمكانيّة المشاركة في الإبداع والتّخيّل للزّمان والمكان والشّخصيّات…
– والقراءة تمنح القرّاء المرونة في اختيار الزّمان والمكان والمضمون، وتتيح لهم المزيد من التّأمّل والتّعمّق والمراجعة.
– وفي القراءة يشعر القرّاء بالألفة والحميميّة والدّفء والتّفاعل.
أذكر كيف حفّزني حبّي للقراءة، بعد الزّواج وعندما رزقتُ بخمسة أبناء، باقتناء كتب الأطفال لغرس عادة القراءة فيهم، ثمّ مع انتقالي للعمل مفتّشًا لتدريس اللّغة العربيّة ولإعداد مناهج التّدريس فيها لجميع المراحل (الابتدائيّة، الإعداديّة والثّانويّة) سعيتُ لإدراج موضوع المطالعة الذّاتيّة كجزء أساسيّ في تلك المناهج التي أشرف على إعدادها لجان قمتُ بتركيزها بهدف “مأسسة المطالعة” مع تأكيد مبدأ التّشويق والتّرغيب!
ففي تلك المناهج الدّراسيّة أكّدنا على ضرورة التّعامل مع المطالعة الذّاتيّة – سواء المطالعة الموجّهة أو المطالعة الحرّة – بصورة رسميّة في الصّفوف، كما حرصنا على تزويد المعلّمين بالاقتراحات والتّوجيهات – في كتب المرشد للمعلّمين – التي تجعل التّعامل مع الموضوع ناجعًا وناجحًا.
ففي منهج اللّغة العربيّة الأخير للابتدائيّة عام 2008 (الصّفوف: الأوّل – السّادس) أوصينا المدارس والمعلّمين أن يحثّوا طلّاب الابتدائيّة على قراءة خمسة وسّتين (65) كتابًا حتّى نهاية الصّفّ السّادس.
وفي منهج الأدب العربّي للإعداديّة (الصّفوف: السّابع –التّاسع) اقترحنا أن يقرأ كلّ طالب في هذه الصّفوف ثلاثين (30) كتابًا حتّى نهاية الصّفّ التّاسع.
وفي منهج الأدب العربّيّ والعالميّ للثّانويّة (الصّفوف: العاشر – الثّاني عشر) يُطلب من كلّ طالب أن يقرأ ستّة كتب (كتابين على الأقلّ في كلّ سنة) – غير الكتب الإلزاميّة المطلوبة لامتحانات البجروت.
إنّ تأكيدنا على ممارسة القراءة ومأسستها كعادة لم يقتصر على مناهج اللّغة العربيّة وكتب المرشد للمعلّم، بل حرصنا على تأهيل المعلّمين في الاستكمالات والأيّام الدّراسيّة التي عقدناها لهم، كذلك قمنا بإدراج مشاريع تُسهم في تشجيع القراءة وتحبيبها وترسيخها لدى طلّابنا، من بين تلك المشاريع نذكر:
مشروع مسيرة الكتاب الذي يُعمّم على جميع المدارس العربيّة وفي جميع المراحل.
مشروع القراءة بمتعة وسرور الذي جُرِّب في المدارس الإعداديّة.
مشروع القراءة بصوت عالٍ معبّر الذي جُرِّب في المدارس الابتدائيّة.