رحل الضيف المبارك !!!!!
تاريخ النشر: 08/09/10 | 13:13اعداد مروة عبدالكريم مصري
أيها المسلمون، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تنصرم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الله في الحياة،أعوام تمرّ و أيّام (كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص:88].
إخوةَ الإيمان:شهرُ رمضان أوشك تمامُه، وقرُب [إرسال كتابه]، تقوَّضت خيامه، وتصرَّمت لياليه وأيامُه، قرُب رحيله، وأذن تحويلُه، ولم يبق منه إلا قليله، انتصف مودِّعا، وسار مسارعا، ولله الحمد على ما قضى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم. تنطوي صحيفة رمضان وتقوَّض سوقُه العامرة بالخيرات والحسنات، وقد ربح فيه من ربح وخسر من خسر.
عبادَ الله، شهرُكم عزم على النقلة، ونوى الرِّحلة، وهو ذاهبٌ بأفعالكم، شاهداً لكم أو عليكم بما أودعتموه، فيا ترى أتُراه يرحل حامداً الصنيع أو ذاماً التضييع؟!! فمن كان أحسنَ فعليه بالتمام، ومن كان فرّط فليختم بالحسنى فالعمل بالختام.
رمضان صقل القلوب :
لقد غرس رمضان في نفوسنا خيراً عظيماً، صقل القلوب، وأيقظ الضمائر، طهّر النفوس، ومن استفاد من رمضان فإن حاله بعد رمضان خير له من حاله قبله، ومن علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها، ومن علامات بطلان العمل وردّه العودة إلى المعاصي بعد الطاعات، فاجعل – أخي الصائم – من نسمات رمضان المشرقة مفتاح خير سائر العام، ومنهج حياة في كل الأحوال، احرص على بر الوالدين، وصلة الجيران، وزيارة الإخوان، انصر المظلومين، وتلذذ بمسح رأس اليتيم، أصلح ذات البين، وأطعم المحرومين، واجبر نفوس المنكسرين، ساهم في زرع السعادة على شفاه المصابين والمبتلين، صل رحمك، احفظ عرض إخوانك، كن نبعاً متدفقاً بالخير كما كنت في رمض
ماذا تعلمنا من رمضان :لقد تعلمنا في مدرسة رمضان أنجع الدروس وأبلغ المواعظ، تعلّمنا كيف نقاوم نزغات الشيطان، تعلمنا كيف نقاوم هوى النفس الأمارة بالسوء، تعلمنا كيف ننبذ الخلاف وأسباب الفرقة. لقد تراصَّت الصفوف في رمضان كالسجد الواحد، فينبغي أن لا تتناثر بعد رمضان، لقد سكبت العيون الدموع في رمضان، فاحذر أن يصيبها القحط والجفاف بعد رمضان، لقد اهتزت جنبات المساجد، ولهجت الألسن بالتهليل والتحميد والدعاء، فليدم هذا الجلال والجمال بعد رمضان، لقد علا محياك في رمضان سمت الصالحين، ذلٌّ وخضوع، إخباتٌ وسكينة، وقارٌ وخشية، فلا تمحه بعد رمضان بأخلاق الزهو والكبر والبطر والسفه، لقد امتدت يداك في رمضان بالعطاء، وأنفقت بسخاء، فلا تقبضها بعد رمضان.
الفرحة لم تكتمل :
عباد الله، للصائم فرحةٌ عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، فرحة في الدنيا العاجلة، وفرحة في الآخرة الباقية، لمن داوم على العبادة والطاعة، حيث ينال المتعة الكبرى والنعمة العظمى، ألا وهي الجنة، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وكأني بأقوام من بيننا سينادون كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ [الحاقة:24]، وينادون: وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72]، تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً [مريم:63]، جعلني الله وإياكم من أهلها.
هؤلاء رُفع لهم عَلَم الجنة فشمَّروا إليه، ووُضِّح لهم طريقها فاستقاموا عليه، علموا أن الربح كل الربح إذا حشروا إلى الرحمن وفدا، فوقفوا اللحظات والسكنات ووجيف القلوب والأنفاس على الجنة أن يدخلوها، فنالوها جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً [مريم:61].
إنها جنات إقامة دائمة، لا كجنات الدنيا، وقد وعد الله بها المتقين، ووعد الله لا يخلف، فهم آتوها لا محالة. هي الجنة التي إذا غمس فيها العبد غمسة واحدة زال بؤسه، ونسي همّه وغمّه، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ، وفيه: ((ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيُصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟! هل مر بك شدة قط؟! فيقول: لا والله، يا رب ما مرّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط))
جعلها الله مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وأودعها الخير بحذافيره، وطهّرها من كل عيب وآفة ونقص، إن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن، وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجواهر والمرجان، وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، وإن سألت عن أنهارها فأنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذّةٍ للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وإن سألت عن شرابهم فالزنجبيل والكافور، وإن سألت عن آنيتهم فهي آنية الذهب والفضة في صفاء القوارير، وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب، وإن سألت عن فُرُشهم فبطائنها من إستبرق في أعلى الرتب، وإن سألت عن أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر ليلة البدر، وإن سألت عن أسنانهم فأبناء ثلاث وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام أبي البشر.
وفي ختام كل عبادة لابد من الاستغفار :
الاستغفار – عباد الله – ختام الأعمال الصالحة، تختم به الصلاة والحج وقيام الليل والمجالس، وكذلك ينبغي أن يُختم به الصيام، لنقوّم به غمرات الغفلة والنسيان، ونمحو به شوائب التقصير والانحراف، فالاستغفار يدفع عن النفس الشعور بالكبر والزهو بالنفس والعجب بالأعمال، ويورثها الشعور بالتقصير، وهذا الإحساس يدفع لمزيد عملٍ بعد رمضان، فتزداد الحسنات ويثقل الميزان، يبين ابن القيم رحمه الله حاجةَ الطائعين إلى الاستغفار فيقول: “الرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها، وأرباب العزائم والبصائر أشدُّ ما يكونون استغفاراً عقب الطاعات، لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه.
أن العبد لا ينفك عن اقتراف الأخطاء ، فهو بحاجة ماسة إلى التوبة والاستغفار ، بالليل والنهار ، ولو فرضنا أنه سلم من الوقوع في الخطأ فهو مطالب بالاستغفار ، لما ينتابه من قصور في شكر نعمة الله تعالى ، وما يصيبه من خلل في عبادته ، فهو بحاجة للاستغفار دائماً وأبداً حتى يلقى ربه تعالى .
لكن هناك أحوال يتأكد فيها الاستغفار ، لأن العبد ربما اخترمته المنية ، وأدركه الموت وهو لم يستغفر من خطيئته ، ولم يقلع عن معصيته ، فعليه البدار وعدم التأخر .ولاييئسفان الله عزوجل يغفر لمن استغفره
قال تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } [ آل عمران 135-136 ] .
بوركتِ ايا غاليه وسلمت اناملك