غزّة أرضيّة
شعر: علي هيبي
تاريخ النشر: 01/12/23 | 18:56استهلال
افهمني
يا وطني
كنْتُ سأتّخذُ التّقية َجملًا
أركبُهُ في هذا اللّيلِ الأسحمِ
وكتبْتُ بالحبرِ الأمويِّ السّرّي
لكنّي آثرْتُ الجوعَ على الكفرِ
في زمنِ الشّدّةِ
حولَ قصاعِ الكرماءِ
معْ مَنْ وهبوا للموتِ جماجمَهُمْ
سأظلُّ صريحًا يا وطني
وسأكتبُ منذُ الآنَ
بالحبرِ الدّمويِّ العلني
جنّةُ النّعيم
سأعدُّ اللّيلَ بساطَ ريحْ
وأسري إلى غزّة
هنالِكَ جنّةُ أرضِ العزّة
فإنّي لا أجدُ تحتَ قبّةِ السّماءْ
ولا فوقَ قبّةِ السّماءْ
جنّةً تجري منْ تحتِها شآبيبُ نارٍ
ومن فوقِها جداولُ الدّماءْ
وأنهارُ دموعٍ بالحزنِ وبالحبِّ
فاضَتْ تغرقُ كلَّ ميادين الدّنيا
بالعطفِ الإنسانيِّ
تزعزعُ في الرّوحِ شظايا ألمٍ تتململُ
وبقايا أملٍ تتلملمُ
وثباتَ كرامةٍ لنْ يهتزَّا
ومقيلًا آمنْ
إلّا في جنّاتِ نعيمِ سماءِ العزّة
هنالِكَ في غزّة
سأعرفُ
ما عدْتُ أعرفُ
أغزّةُ في قلبي أمْ قلبي في غزّة
ما عدْتُ أعرفُ
أنْ أحزنَ معْ جرحي
أمْ معْ جرحي أتماهى فرحًا
كيْ أنشبَ أظفاري
كنسرِ أعالٍ
كيْلا أختبئَ في جحرٍ واهٍ
كأوزّة
هنالِكَ كلُّ شموخُ العزّة
هنالِكَ في غزّة
بيضةُ القبّان
غزّةُ أنتِ الخامسةَ عشرةَ
بعدَ المئةِ
أنتِ الميزانْ
منْ أيِّ فئاتِ الأرقامِ أنتِ
ومنْ أيِّ عياراتِ القبّانْ
ألسْتِ منَ الفئةِ
الّتي غلبَتِ الكثيرةَ
بمنصوصٍ في آياتِ الفرقانْ
غزّةُ أنتِ لوحةُ فنٍّ
عنْ فاتحةِ القرآنْ
سأكتبُكِ بنورٍ وسطورٍ
سأقرأُكِ كولدٍ في روضةِ بستانْ
أنتِ لنا الجنّةُ والرّضوانْ
أنتِ بورُ سعيدِ أبي خالدْ
أنتِ ستالينغرادْ
أنتِ لهُمْ جهنّمُ نارِ البركانْ
أنتِ جفافٌ وجمادْ
يمحقُ كلَّ زروعِ العدوانْ
أنتِ غرقُ الملأِ الكفروا
نوحٌ أنتِ ينجو بأيمانِ المجدافِ
رغمَ عتوِّ الطّوفانْ
أنتِ قاهرةُ معزٍّ حينَ تمادى الطّغيانْ
هنالِكَ سأعيشُ تحتَ ظلالٍ وارفةِ العزّة
أوْ سأموت وقوفًا كالأشجارِ السّامقةِ
كجدارٍ باقٍ خلفَ متاريسِ النّصرِ الآتي
وبأعلى الصّوتْ
الوطنُ الحرُّ أوِ الموتْ
وسامًا أسقطُ بينَ ركامِ الشّرفِ السّامي
في أرضِ العزَّة
هنالِكَ في غزّة
لإيلافِ قريش
ابشرْ
ونمْ قريرَ العينِ
أيُّها الوطنُ
ابشرْ
بجنّةِ خُلدٍ
بعدَ اليومِ
لا همٌّ ولا حَزَنُ
لا حسٌّ ولا صوتُ
قدْ جاءَكَ الموتُ
لا تخشَ منْ جوعٍ
ولا عُريٍ
ولا خوفٍ
أنتَ في مأمنٍ أيُّها الوطنُ
قدْ احْضِرَ الخبزُ والماءُ
وجُهّزَ المِغْسلُ
والتّابوتُ
والكفنُ
بين راءٍ وراء
المسافاتُ ليسَتْ بعيدةً
بلْ قريبةً
كقربِ الحسِّ منَ القلبْ
فلا تبالي
يا حبيبتي تعالَيْ
تعالي
فبينَ جمالِ الحبِّ
وقبحِ الحربِ راءْ
تعالَيْ نسحقْ بما أوتينا منْ حبٍّ
هذهِ الرّاءَ
وكلَّ حروفٍ تنزفُ منْها دماءْ
تعالَيْ نشيّدْ قصرَ الأماني
ونجعلْ منْ راءِ مسارِ الدّروبِ
ورودًا وعطرًا وأغاريدَ رُواءْ
وزهورًا رونقُها أنهارٌ
تجري كأمواجِ ربيعٍ
على ربًى خضراءْ
والصّبحِ إذا تنفّس
كلَّما اشتدَّ أوارُ الحربِ
يا حبيبتي
ستمتدُّ أوزارُها
سيطولُ ليلُها
وقدْ يصيرُ ليلًا نهارُها
فلا بدَّ أنْ نردَّ يا حبيبتي
بوابلٍ منْ الحبِّ والكفاحِ والعطاءْ
لنهزمَ الراءاتِ كلَّها
ونرفعَ البناءَ للسّماءْ
ونجعلَ اللّيلَ ليلًا
ونهزمَ الظّلامَ والدّمارْ
ونكسرَ القيودَ
ونهدمَ الأسوارْ
كيْ يتنفّسَ الصّبحُ
ويمتطيَ صهوةَ ليلِ الزّمانِ
فارسٌ أبيضُ
تتدفّقُ منْ صليلِ جموحِهِ
ملامحُ النّهارْ
الحلمُ والجنون
كلَّما اشتدَّ أوارُ الجنونْ
سيقصفونْ
حلمَنا اللّيلكيَّ
وكلَّ ما بنيْناهُ يا حبيبتي
منْ سكّرِ الظّنونْ
سيقصفونْ
السّمعَ في الأذنيْنِ
واللّمسَ في اليديْنِ
والحسَّ في القلوبِ
سينسفونْ
الدّمعَ والبريقَ في العيونْ
سيجعلونَ الأطفالَ تحتَ أنقاضِ الرّكامِ
أمًّا لهُمْ تكونْ
تحتضنُهمْ ترضعُهمْ منْ دمائِها
فقدْ قصفوا يا حبيبيتي
معْ حلمِنا اللّيلكيِّ مشفى الأمَّهاتِ
والآنَ يقصفونْ
ينشّفونَ الحليبَ الحنونْ
سريرُ الخلود
في السّابعِ منْ تشرينِ الأوّلْ
ولدَ حبُّنا في حضنِ الحربِ
وكلُّ ريحٍ في وطنِ الرّوحِ تحوَلْ
سيقصفونَ حبَّنا يا حبيبتي
كما كلُّ طفلٍ في حضنِ أمْ
كما كلُّ سريرٍ في ساحةِ مشفى
في كلِّ روضةٍ معْ دميةٍ بريئة
في كلِّ صفٍّ منْ حطامِ مدرسة
في كلِّ دفترِ معهدٍ
في كلِّ كتابٍ
يوثّق ما كانَ في مؤسّسة
في كلِّ بيتٍ منْ كلّ حيٍّ
في كلِّ شارعْ
سيقصفونَ
كلَّ طفلٍ وادعٍ في حضنِ بسمة
معْ كلِّ كلمةِ “ماما”
معْ كلِّ سجا نسمة
معْ كلِّ همسةٍ رقيقةٍ منْ وريدْ
مع كلِّ لمسةٍ في لقاءِ حبٍّ سعيدْ
فهلْ يموتُ حبُّنا يا حبيبتي
قدْ يموتْ
فما أجملَ أنْ نموتَ شهيديْنِ
وأنْ يموتَ حبُّنا شهيدْ
سيقومُ يا حبيبتي كالطّفلِ الفلسطينيِّ
منْ تحتِ الرّكامِ
سيقومُ منْ تحتِ الرّمادِ
كطائرِ العنقاءِ
يعيشُ منْ حلاةِ الرّوحِ
ويطيرُ منْ جديدْ
ضميرٌ مستتر
وربِّ خفايا النّفوسِ
وربِّ السّرائرْ
وربِّ العبيدِ
وربِّ الحرائرْ
والّذي خلقَ الإنسانَ منْ ماءٍ دافقْ
ويومَ تُبلى السّرائرْ
لا يهمّني يا حبيبتي
ماذا كتبْتِ وماذا شطبْتِ
عنِ الموقفِ المنفصلْ
وعنْ نظامِ العروبةِ الجامدِ المتّصلْ
وربِّ الأحاسيسِ والدّينِ
والفرائضِ والشّعائرْ
ما يهمُّني يا حبيبتي
كيفَ يغيبُ الضّميرُ
وكيفَ يعيشُ أشباهُ الرّجالِ
في نظامِ شبهِ جملةٍ
بينَ غيابِ الفعلِ
واستتارِ الضّمائرْ