غزّة أرضيّة 2
علي هيبي
تاريخ النشر: 10/12/23 | 15:30راحةُ الأرواح
يطحنونَهمْ يا حبيبتي
على طبلِ حطامِ البيوتِ
ولحنِ صمتِ الشّوارعْ
يحرقونَهمْ في أتونِ مِحرقة
يطحنونَهمْ في رنينِ الرّحى
بينِ سندانِ الخنوعِ
وجوعِ المطرقة
يعجنونَهمْ كالعجينْ
ومن دافعٍ “إنسانيٍّ” هجينْ
يلقونَ عليهِمِ أزيزًا غريبًا
ودويَّ القنابلِ
والأكفانَ
والفوسفورَ
وأكياسَ الطّحينْ
كريّةُ حبٍّ حمراء
بأمّ عينيَّ رأيْتُ
أمًّا تلاعبُ طفلَها
تعطّرَتْ راحتاهُ بالدّماءْ
كانَ وجهُهُ البريءُ في غايةِ الصّفاءْ
كانَ يلعبُ بدمِهِ الزكّيِّ
يقلّبُهُ في يديْهِ
منْ حلاةِ الرّوحِ
كدميةٍ كرويّةٍ حمراءْ
صيامُ الخزّان
اليومَ السّابعَ منْ تشرينِ الأوّلِ
سأجعلُهُ غرّةَ رمضانْ
سأصومُ يا حبيبتي
صومي معي إذا شئْتِ
حتّى يزولَ العدوانْ
ونعيّدَ معْ ظهورِ الهلالْ
في بهجةِ عيدٍ
ونشوةِ نصرٍ
في سحَرِ الأوّلِ منْ شوّالْ
اليقين
أقفُ على قارعةِ شكٍّ أكيدْ
أعلمُ أنَّهمْ يحضّرونَ الآنَ
لا أعلمُ أذكيَّ القنابلِ
يحضّرونَ
أمْ غبيَّ القنابلْ
لكنّي أعلمُ بالتّأكيدْ
أنَّهمْ سيلقونَها على الوظائفِ المدرسيّةِ
المعاديةِ لفكرِهِمْ
على الكراريسِ الملوّنةِ بالبراءةِ
على حنانِ أنابيبِ المشافي
على صباحِ الرّوضاتِ وأحلامِ الأناملْ
سيقصفونَ عمرَ حبّاتِ السّنابلْ
سيطلقونَ دويَّ المدافعِ
كيْ يسكتوا رنينَ غناءِ البلابلْ
يأس
ألقيْتُ نظرةً عريضةً
على خطوطِ الطّولِ
ونظرةً طويلةً
على خطوطِ العرضْ
رأيْتُ تضاريسَ بلادِ العربِ
أخاديدَ بؤسٍ
تجاعيدَ حزنٍ
أناهيدَ فقرٍ
وعزمًا كسولْ
خمولًا خمولْ
بطولٍ وعرضْ
خجلْتُ
وضاقَتْ بي
بما رحُبَتْ هذهِ الأرضْ
أبو ذرٍّ الغفّاري
وقفْتُ على ضفّةِ سوباطْ
فوقَ أعالي النّيلِ
منْ شدّةِ الإحساسِ بالإحباطْ
نظرْتُ إلى الشّارعِ الكبيرِ
عابسًا
يائسًا
نظرْتُ منْ عُمانَ للرّباطْ
رأيْتُ الفقرَ والبؤسَ
فخرجْتُ شاهرًا سيفي
هاتفًا في النّاسِ
امتشقوا سيوفَكمْ
منْ سوباطَ للفراتِ
أوِ احملوا كلُّ واحدٍ منكُمْ
أيُّها الأحبابْ
منْ عُمانَ للرّباطْ
على الأقلْ
عودًا منَ الثّقابْ
وإطارًا واحدًا منَ المطّاطْ
واحدًا منَ المطّاط
منَ المطّاط
ملايين
في كلِّ زاويةٍ واحدةٍ
منْ شغافِ القلوبِ
مليونُ غصّة
في كلِّ مسامةٍ واحدةٍ
منْ أروقةِ الرّوحِ للحزنِ
مليونُ حصّة
كما لكلِّ طفلٍ واحدٍ
في دفاترِ غزّةَ
في كلِّ صفحةٍ واحدةٍ
مليونُ صورةٍ
ومليونُ أغنيةٍ
ومليونُ أمنيةٍ
ومليونُ قصّة
الجريمة
أَكلُّ هذا الحصارِ
منْ كلِّ دولة
ومنْ كلِّ صوبٍ
ومنْ كلِّ حدبٍ
أكلُّ هذا الدّمارِ
في كلِّ جولة
من كلِّ شرقٍ
ومنْ كلِّ غربٍ
ومنْ كلِّ حربٍ
وحملة
لإغماضِ مقلة
وتدميرِ أنبوبِ مشفى
وقتلِ أحلامِ طفلة
رباطُ الخيل
سنبني المتاريسَ فوقَ المتاريسِ
سنحفرُ الخنادقَ تحتَ الخنادقْ
سنعدُّ العدّةَ ما استطعْنا لهُمْ
منْ قوّةٍ
ومنْ صبرِنا
ومنْ رباطِ الخيولِ
منْ كلِّ سلاحٍ فاعلٍ
صامتٍ
وناطقْ
ومنْ كلِّ سلاحٍ رهيبٍ
أمينٍ
وصادقْ
لنحمي نعيمَ الطّفولةِ
منْ سعيرِ لهيبِ البنادقْ
القلمُ الحزين
تسألينَ يا حبيبتي
ماذا أكتبُ
ماذا سأكتبُ في هذا الزّمنِ الدّامي
منْ بحرِ العبَراتِ الطّامي
إلّا حزنًا يجري كنهرِ الأمازونِ
وموتًا يفتحُ دلتاه كذراعيْ نيلٍ
ومزيدًا منْ نزفِ أنينِ الآلامِ
عنْ مصرعِ بعضِ الأحلامِ
على مذبحِ وهمِ الإجرامِ
لكنْ هيهاتْ
أنْ يقتلَ هذا الإجرامْ
أملَ الحرّيّةِ
أوْ كلَّ الأحلامْ
والبادئُ أظلم
قتلْتُمُ الأنبياءَ مرّةً
قتلْتُمُ الأطفالَ مرّةً
إذنْ!
قتلْتُمُ الأنبياءَ مرّتيْنْ
فنفسٌ بنفسٍ
وسنٌّ بسنٍّ
وجرحٌ بجرحٍ
وديْنٌ بديْنْ
وأنفٌ بأنفٍ
وأذنٌ بأذنٍ
وقتلٌ بقتلٍ
وعينٌ بعيْنْ
القاتلُ المهزومْ
أيُّها المارقُ المهزومُ
منْ داخلِكْ
أيُّها المارقُ المأزومُ
بعقليّتِكْ
أيُّها المهزومْ
أيُّها المأزومْ
يا قاتلَ المشافي
والشّمسِ والقمرِ
يا قاتلَ الأطفالِ
والأضواءِ
والنّجومْ
إذا كانَ كلُّ هذا دفاعًا عنِ النّفسِ
فكيفَ على الغيرِ
كيفَ يكونُ الهجومْ
أمُّهُمْ هاوية
الانتقامَ الانتقامْ
القنوْطَ القنوطْ
وحقدِ اللّئامِ
وانفلاتِ الزّمامِ
وكلِّ الخيوطْ
وها قدْ دخلْتُمْ
كما الأخطبوطْ
وها قدْ دخلْتُمْ غزّةَ
كما دخلْتُمْ أوّلَّ مرّةٍ
لتفسدُّنَّ مرّتيْنِ في الأرضِ
ولتتبّروا تتبيرا
فلنْ ندعو اليومَ ثبورًا واحدًا
وسندعو ثبورًا كثيرا
ستكونُ غزّةُ للغزاةِ حصيرا
وتنفلتُ الخيوطْ
وها قدْ علوْتُمْ علوًّا كبيرا
مقدّمةً في نسيجِ السّقوطْ