متنفَّس عبرَ القضبان (94)
حسن عبادي/ حيفا
تاريخ النشر: 19/12/23 | 8:45بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت الصديقة المقدسيّة أميرة شاهين: “يعطيك العافية استاذ حسن فعلا تفتح ثغرة للأسرى بإيصال صوتهم للخارج خصوصا مع الإجراءات الجديدة المجحفة بحقهم/ن … الله يفك أسرهم /ن جميع” …
وعقّب الأسير منذر خلف (الشيبون) من سجن ريمون الصحراوي: “من حيفا وغسان إلى حيفا وحسن… “علاقة جدلية”؛ حسن صانع وطننا الافتراضي، إن حيفا تشكل نقطة التقاء القلب والروح، هي وطنٌ صنعه حسن في عالمنا الافتراضي جمع فيه ما بين الأمهات والأبناء، أم إلياس، أم عسكر، والأبناء كميل، منذر، ثائر، نادر، حكمت والآخرين، وما بين وصايا الشهداء والطريق إليها، ما بين الأزمنة والأمكنة، حتمًا سيعود هذا الوطن حين يحدث اللقاء حقًا مع خارطة الواقع، وحتمًا سيكون حسن هو من سيخرج المشهد الأخير، معلنًا انتصار حيفا، الوطن باللقاء قريبًا هناك تحت راية الحرية.”
أبلغتني إدارة سجن الدامون يوم الأربعاء 29 تشرين الثاني عن إلغاء الزيارة المقرّرة ظهر الغد بسبب “تصفير” السجن ولم تعد هناك أسيرات وفرحت كثيراً، وكتبت خاطرة بعنوان “صفّرنا الدامون”… وخاب أملي.
عُدت لزيارة الدامون لأسمع عن انتهاكات بحق أسيراتنا تقشعرّ لها الأبدان؛
تبيّن لي أنّ هناك 15 أسيرة تمّ اختطافهن من غزة، وخمس أخريات سيصلن ذات اليوم، وقلقهن بالأساس على الأهل ويتساءلن هل هن منسيّات.
كم أسعدني أن أوصل الرسالة لنيفين أنّ أولادها في حضن والدهم/ زوجها بعد أن انتزعهم الجنود من يديها في شوارع غزة، وأوصل رسالة إلى لينا من أهلها يطمئنوها على حالهم “إنتِ مش لحالك، أهلك بخير”؛
وتبيّن لي أن عدد الأسيرات سيصبح 51 أسيرة.
الأسيرات بحاجة ماسّة للملابس والغيارات؛
صُعقت من جديد حين سمعت عن إجراءات التحقيق والتنكيل خلال التحقيق وسؤال المحقّق/ السجان للمعتقلة القاصر: بدّك تكوني بقسم حماس ولّا مع الحشّاشات ولّا مع بنات الشوارع؟
تزامنت زيارتي مع يوم حقوق الإنسان العالمي؛ وكنت عشرات السنوات متطوّعاً في مؤسسات محليّة وعالميّة، وفي طريق العودة تساءلت: أين تلك المؤسسات من هذه الطفولة السليبة؟ وأين هي ممّا يجري في غزّة؟ ولماذا هذا الصمت المدوّي؟ وحين وصلت البيت وحين تناولنا وجبة الغذاء قالت لي حفيدتي (ابنة السابعة): بتعرف سيدو إنهم قتلوا 6000 طفل في غزة!؟
“نِفسي بأكلة دوالي”
زرت صباح يوم الأحد 10 كانون الأول 2023 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة أسيل أسامة عمر شحادة (مواليد 22.08.2006)، وشاهدتها عبر الممر تجرجر قدميها بمساعدة “الووكر”؛ وبعد التحيّة بدأت تصوّر لي لحظة اعتقالها يوم 07.11.2023 على حاجز قلندية، إصابتها برصاصة كسرت عظمتين في رجلها، وبعد عمليّات جراحيّة تم زرع 5 كيلو حديد في رجلها، حسب قولها.
صوّرت لي مكوثها في مسلخ الرملة؛ والتحقيق الذي مرّت به هناك، قبيل وصول شاتيلا (ملاك الرحمة)، والشتائم القذرة، و”طبيبة” تخاطب زميلها “هاي المخربة بسبع أرواح”، ونقلها بسيارة الشرطة والجندي في الكرسي الخلفي يصوّر فيلم فيديو “سيلفي” وهي تبكي وآخر بعد أن هدأت.
أخذت تصوّر لي وضع أسيرات الدامون؛ حوالي 50 أسيرة، منهن 20 من غزة، وأسيرة حامل، وحدّثتني عن زميلات الزنزانة، شاتيلا وهناء، والدور الذي تقوم به الأسيرة آية خطيب، ونقص في الغيارات، وفجأة قالت بعفويّة مطلقة “بلّشت أوقّف على إجري!”.
لم يسمح لها بلقاء أهلها و/أو التواصل معهم منذ اعتقالها، وقلقة على موقف العائلة من اعتقالها (أوصلت لها سلامات الوالد وطمأنتها)، نِفسها بأكلة دوالي، وتنتظر عرسها المقرّر يوم 14.06.2024.
لازمتها ابتسامة طفوليّة حين حدّثتني عن رسوماتها وحائط غرفتها المليء برسوماتها، ومعنويّاتها عالية جداً، وحين افترقنا طلبت منّي أن أوصل والدها بأن يسجّلها بمدرسة البيرة المهنيّة.
لك عزيزتي أسيل أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة، ولنا لقاء في حفل زواجك في قرية المغير.
حيفا/ كانون أوّل 2023