مؤتمر أكاديمي حول الحرب على غزّة في حيفا
تاريخ النشر: 21/12/23 | 9:20عُقِد يوم الجمعة المنصرم، 15 كانون الأوّل ، مؤتمر أكاديميّ بعنوان «الحرب على قطاع غزّة: مقاربات، سياسيّة، اجتماعيّة، ثقافيّة»، في «صالة مجدلاني» في مدينة حيفا، بالتعاون بين «مدى الكرمل- المركز العربيّ للأبحاث الاجتماعيّة» في حيفا، و«جمعيّة الشباب العرب- بلدنا»، و«جمعيّة الثقافة العربيّة». افتتح المؤتمر الشاعر والباحث علي مواسي، داعيًا الحضور إلى الوقوف دقيقة حداد عن أرواح شهداء قطاع غزّة وعموم فلسطين، تلته الشاعرة أسماء عزايزة في قراءة نصوص لشاعرات وشعراء نشروها خلال الحرب على القطاع، خالد جمعة، ويحيى عاشور، ونور بعلوشة، وحيدر الغزالي. جاء في قصيدة لخالد جمعة: يا ربّ، ها قد أرسلنا لك ’أحبابك‘ … اعذرنا، لم يكن لدينا الوقت ولا المعرفة… لنضع كلّ ’شِلوٍ‘ للجسد الّذي يتبع له .. حين تصلك أشلاؤهم .. لملمها بمعرفتك .
تلتها كلمة نادرة شلهوب- كيفوركيان، أستاذة علم الإجرام وعضوة الهيئة الإداريّة في «مدى الكرمل»، قرأها نيابة عنها علي مواسي، وقد أشارت خلالها إلى “أنّ قضيّتنا الفلسطينيّة اليوم، هي المعترك الّذي سيحدّد المسار والأخلاقيّات والعمل والحياة لهذا العصر، وعلينا من هنا فضح التاريخ والواقع السياسيّ التدميريّ وتفكيكهما، وتشريح عنف الدولة في مشرحة الطبّ الشرعيّ الفلسطينيّ”، لتطرح أسئلة نحو: “ماذا علينا أن نفعل؟ أيّ نوع من التحرّك علينا الخوض فيه سياسيًّا، فكريًّا، بحثيًّا، منهجيًّا؟ كيف نشرح سرديّتنا لإرهاب الدولة وداعميها، والّذين يحاولون بكلّ طاقاتهم تعطيل الجهد النقديّ؛ لتغدو الإدانة المسبقة حجابًا للفهم وللسياسة؟”.ثمّ ألقت نداء نصّار، الناشطة السياسيّة والمديرة العامةّ لـ «جمعيّة الشباب العرب- بلدنا»، كلمة الأطر المبادِرة للمؤتمر، قائلة إنّ اللقاء لا يهدف إلى الخوص في الأسئلة الكبرى بينما الإبادة مستمرّة، ومؤكّدة على أنّ العين على غزّة والأولويّة وقف حرب الإبادة وإحباط محاولات تصفية القضيّة الفلسطينيّة، ممّا يستوجب التأكيد على أهمّيّة الخوض في فاعليتنا كفلسطينيّين في هذا الفصل الدمويّ من تاريخ شعبنا. مضيفةً بأنّ تنظيم لقاء يجمع باحثين وأكاديميّين هو واحد من مجموعة مساحات وأحياز لازمة للتواصل والتضامن الّذي هو أكثر ما نحتاجه في هذه الفترة.
عنوان الجلسة الأولى كان «شهران على الحرب: قراءات سياسيّة، فكريّة، إستراتيجيّة»، أدارها طارق خطيب، المحامي والناشط السياسيّ. افتتح مداخلات الجلسة جاد قعدان، الباحث في اللسانيّات الإدراكيّة والعلوم الثقافيّة، مركّزًا على القراءة النفسيّة للعقيدة السياسيّة والأخلاقيّة للجماعة الإسرائيليّة منذ السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر)، في محاولة منه لفهم البنية النفسيّة والأيديولوجيّة الّتي تتيح الإبادة في قطاع غزّة. تلاه وليد حبّاس، الباحث في «المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة- مدار»، الّذي تناول علاقة دولة إسرائيل مع سكّان الأرض المحتلّة عام 1967، مدّعيًا أنّها تقوم على مبدأ “إدارة السكّان” كتقنيّة استعماريّة لإقصائهم، ومحاولًا وضع إطار تحليليّ لفهم المستقبل السياسيّ للقطاع. أمّا المداخلة الثالثة، فقد قدّمها يهودا شنهاف، أستاذ علم الاجتماع، محاولًا الإجابة عن أسئلة نحو: هل ما زال بإمكاننا الحديث عن النكبة بنفس الطريقة؟ هل الخطّ الأخضر ما زال ذا صلة؟ كيف نقرأ الحرب على قطاع غزّة وسياقاتها عبر مفاهيم مثل “التبرير”، و”التديين”، و”اللاهوت السياسيّ”، و”أشكال العنف”، وغيرها. وكانت المداخلة الأخيرة في الجلسة لمهنّد مصطفى، الباحث في العلوم السياسيّة والمدير العامّ لـ «مدى الكرمل»، الّذي أشار في بداية حديثه إلى أهمّيّة التعاون بين الأطر المبادرة للمؤتمر، وإلى أهمّيّة إقامته أكاديميًّا وسياسيًّا في ظلّ العدوان على قطاع غزّة. وفي مداخلته قال إنّ هذه الحرب وضعت تهجير فلسطينيّي القطاع هدفًا لها، ولكن دون أن يكون لها أيّ أفق سياسيّ، متسائلًا إذا كان من الممكن إسرائيليًّا احتلال القطاع، وما المترتّب على ذلك في حال نجحوا في ذلك.
أمّا الجلسة الثانية، الّتي كان عنوانها «إسرائيل القبيلة: حدودها الداخليّة والخارجيّة»، فقد أدارتها عرين هواري، الباحثة في «مدى الكرمل»، وقد كانت أولى مداخلاتها لغادي الغازي، أستاذ التاريخ الاجتماعيّ والثقافيّ، مركّزًا على التأثير المباشر للحرب في المجتمع الإسرائيليّ، والّذي انعكس في مزيج من عدم الثقة المتزايد في الحكومة الإسرائيليّة المتقاعسة والفاشلة، والولاء المتزايد للدولة والأيديولوجيّة الصهيونيّة، مؤكّدًا على أنّ التعامل مع الواقع الناشئ نتيجة الحرب يتطلّب التفكير في إستراتيجيّة مضادّة وتحرّكات شجاعة وغير بسيطة. تلاه إمطانس شحادة، الباحث في العلوم السياسيّة ومنسّق «وحدة السياسات» في «مدى الكرمل»، مقدّمًا قراءة لأثر الحرب على قطاع غزّة في مكانة المواطنين العرب الفلسطينيّين في إسرائيل، مدّعيًا أنّ الحرب وضّحت من جديد تعامل القبيلة اليهوديّة- الإسرائيليّة معهم، فبيّنت هشاشة مواطنتهم وخواءها. أمّا مداخلة أنطوان شلحت، الكاتب والباحث في الشؤون الإسرائيليّة ورئيس الهيئة الإداريّة لـ «جمعيّة الثقافة العربيّة»، فقد تركّزت في ثلاثة محاور: صيرورة إسرائيل قبل أحداث السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر)، والمؤشّرات السابقة عليها وسلوك العصابات في الجيش الإسرائيليّ؛ ثمّ الديمقراطيّة الإسرائيليّة وتناقضها مع ماهيّة الدولة المدنيّة الحديثة. وقد كانت المداخلة الأخيرة لهبة يزبك، الباحثة في علم الاجتماع والناشطة السياسيّة، حيث قدّمت قراءة سوسيولوجيّة- سياسيّة في تمظهرات العسكرة في المجتمع الإسرائيليّ وتجلّياتها، لضمان عمليّة نزع أنسنة الفلسطينيّ في سياق الحرب على القطاع.
الجلسة الختاميّة كان عنوانها «تأريخ غزة وإقليمها- قراءات حضريّة، ثقافيّة، سياسيّة»، أدارها الشاعر والباحث في الدراسات الثقافيّة، علي مواسي، وقد استهلّها جوني منصور، المؤرّخ المتخصّص في تاريخ الشرق الأوسط الحديث وفلسطين تحديدًا، مستحضرًا أحداث من التاريخ الفلسطينيّ، من خلال نصوص نُشِرَت وتُنْشَر خلال أيّام الحرب على القطاع، وخصوصًا يوميّات الحرب، باحثًا من خلالها مفاهيم وخلفيّات هذا الاستحضار ومكانته في فهم استمراريّة حضور الحدث في الذاكرة الفلسطينيّة. تلاه عبد كناعنة، الباحث في الفكر السياسيّ الشيعيّ، متحدّثًا في سياق المعارك الدائرة على الحدود الشماليّة، عن العلاقات الخاصّة والتاريخيّة الّتي جمعت وتجمع سكّان جبل عامل، جنوب لبنان، مع فلسطين والفلسطينيّين، فيما يتجاوز سرديّة “الأذرع الإيرانيّة” في المنطقة. أمّا علي حبيب الله، الباحث والكاتب في التاريخ الاجتماعيّ الفلسطينيّ، فقد تحدّث عن ريف غزّة، متطرّقًا إلى تهميش الذاكرة الفلسطينيّة له، ومشيرًا إلى بيت لاهيا، بيت حانون، جباليا، وتحولّها إلى أحياء ممتدّة لغزّة المدينة، بينما هي في حقيقتها قرًى كانت تتبع لغزّة تحوّلت إلى بلدات وتمدّدت من حولها المخيّمات. ختام المؤتمر كان مع مداخلة لمحمود يزبك، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وتاريخ فلسطين الاجتماعيّ، الّذي تركّزت مداخلته على ما يمكن وصفه بـ “العصر الذهبيّ” لغزّة في القرن السابع عشر، خلال حكم آل رضوان، حيث توحيد لواء غزّة مع لواء القدس ولواء نابلس، والتصدّي لقوّات المعني المتحالفة مع الغرب ودحرها. وكذلك عن مكانة غزّة عاصمةً لجنوب فلسطين اقتصاديًّا وعمرانيًّا وثقافيّا في العصر العثمانيّ.خلال الجلسات وما بعدها، شارك الحضور بتعقيباتهم وأسئلتهم الّتي تناولت الحرب على قطاع غزّة من منظور أكاديميّ وسياسيّ، مؤكّدين على أهمّيّة الحدث وضرورة تنظيم أيّام دراسيّة قادمة، تتناول الحرب وإسقاطاتها، وفاعليّة المجتمع الفلسطينيّ خلالها، وبشكل خاصّ دور الفلسطينيّين في أراضي 48 في المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ، ولاسيّما في ظلّ الحرب وتبعاتها عليهم.