كيف تتعامل مع الكتب والمذكرات
معمر حبار
تاريخ النشر: 22/12/23 | 9:59راسلني صديقنا Iqbal Zrmn[1]، عبر الخاص وبتاريخ: 12 ديسمبر 2023، طالبا منّي عناوين تتعلّق بالتّاريخ الجزائري، خاصّة فيما تعلّق بالتّاريخ الجزائري، وكيفية التّعامل معها. أجبت، وأؤكّد :
أوّلا: أنواع الكتب، والمذكرات، وكيفية الاستفادة منها:
أوّل نصيحة أنصح بها، وأظلّ أتمسّك بها، وإلى أن ألقى ربّي هي: قراءة مذكرات قادة الثّورة الجزائرية، ودون استثناء. باعتبارهم صنّاع الثّورة الجزائرية، وروادها، وقادتها. ومنهم مذكرات لخضر بن طوبال[2] في كتابين.
قراءة مذكرات المجاهدين باعتبارهم عايشوا الثّورة الجزائرية عن قرب، وعبر الميدان كـ: “مذكرات سي مراد[3]”، ونمار[4]، وسليمان الغول[5] وغيرهم.
من أراد أن يهتم بالتّاريخ الجزائري على المستوى المحلي[6]، فليركّز على مذكرات منطقته. مثلا: من يسكن باتنة وضواحيها، والشرق الجزائري فليقرأ مذكرات المجاهدين التّابعين لهذه المنطقة.
ومن أراد أن يقرأ للتّاريخ الجزائري من ناحية الجزائر كلّها، فلا يكتفي بالمحلي، وليضف له مذكرات كافّة التراب الجزائري، وبما يقدر، ويستطيع حتّى تكون له النّظرة الشاملة.
أوصي بقوّة بقراءة مذكرات قادة الثّورة الجزائرية، والمجاهدين عبر كافّة التّراب الوطني باللّغة الأصلية التي كتبت بها.
امتازت المذكرات التي كتبت باللّغة الفرنسية[7] بـ: دقّتها، وجمالها، وصدقها، وثباتها، وعدم تراجعها، وتواضعها، وانعدام المبالغة، ووضوحها[8].
يمكن تقسيم المذكرات الخاصّة بالتّاريخ الجزائري، والثّورة الجزائرية إلى: مذكرات المجرمين الحاقدين الفرنسين[9]، ومذكرات الفرنسيين المنصفين[10]، ومذكرات الغربيين، ومذكرات قادة الثّورة الجزائرية، ومذكرات المجاهدين الجزائريين. وأفضلهم على الإطلاق مذكرات قادة الثّورة الجزائرية للأسباب أعلاه.
كتب تاريخية من ناحية النظرة الجزئية:
هناك نوع من الكتابة ظهر مؤخّرا وهو النظر إلى الثّورة الجزائرية من زوايا محدّدة، كـ: الإعلام، والأسلحة، والتكوين العسكري[11]، والاتّصالات، والقضاء في عهد الثّورة الجزائرية، والتّعذيب[12]، والخونة الحركى[13]، ومواضيع أخرى. وميزة هذه الكتب أنّها دقيقة، ومركّزة، وإحصائية، وسهلة، وبسيطة، وفاعلة، ومفيدة، ويمكن تلخيصها، وترتيبها، وتنظيمها بدقّة، وفاعلية.
ظهرت كتب جديدة تتعلّق بدور المرأة[14] في عهد الثّورة الجزائرية، وكتبت من طرف نساء. ورغم قلّتها إلاّ أنّها مفيدة، ويمكن الاستفادة منها من ناحية دور المرأة.
لاأنصح بقراءة مذكرات التي يظلّ أصحابها من رجال، ونساء يمارسون الشكوى بسبب، وبغير سبب. وقد لاحظت ذلك في المذكرات الأخيرة التي صدرت. فهذا النوع من الكتب لايفرّق بين حالات شخصية تحدث للجميع، وبين الجزائر التي تعلو الجميع. ويريد استغلال حياته الشخصيه لتدارك مافاته، أو مايظنّ أنّه فاته.
ثانيا: كيفية التدوين:
يحتاج التدوين إلى قراءة متواصلة، ومتنوعة، ومتناقضة، ومستمرّة.
درّب نفسك على استعمال ماتنقله عبر: أحاديثك اليومية، والكتابات اليومية، والمناشير، والمقالات.
رتّب على حاسوبك المواضيع المختارة، ومنه: الأمير عبد القاد[15]ر، بدايات الاحتلال[16]، وشخصيات، قادة الثّورة الجزائرية، وإتّفاقية إيفيان[17]، جرائم الاحتلال الفرنسي، أنواع التّعذيب، وشهادات غربيين وعرب، ومواضيع أخرى. وفي كلّ مرّة زوّد الموضوع بما يناسبه حتّى إذا امتدت الأيّام وجدت نفسك المرجع في الموضوع الفلاني، والمواضيع الأخرى. وهذه تجربة شخصية ناجحة، وفاعلة، وتؤتي أكلها بإذن ربّها، ودون أن تشعر، وبعد سنوات من العمل المستمر.
بقدر الإجابة على سؤال: ماذا تريد؟ يكون التدوين فاعل.
حدّد وجهتك من خلال قراءتك. فالتّائه يضيع ولو قرأ كتب الدنيا، والبصير ينير ولو قرأ بعضها. والتجربة، وطول الممارسة تحدّد الوجهة، وبالتّالي النّتيجة.
ركّز على الكتب التي تتقن موضوعها ليسهل عليك نقلها. وبالتدريج ستتقن عدّة مواضيع، ويسهل عليك نقل عدّة مواضيع.
يحتاج التدوين إلى موقف ثابت، ورأي واضح، ونقد بيّن، واحترام لصاحب الكلمة الصادقة ولو كان العدو. وحينها تنقل وأنت الواثق، والمدرك لما نقلت.
يحمل التدوين في طياته مظاهر التّمييز. وأنت تنقل أذكر أنّ هذا الحديث لحاقد مجرم، وذاك الحديث لصديق مخلص. حتّى لاتختلط عليك الأمور فتحدّث النّاس بحديث الحاقد المجرم على أنّه يمثّلك، ويمثّل الأمّة.
كلّما كثرت القراءة، قلّ الاقتباس لأنّ الجديد حينها يمسي قليلا.
وأنت تنقل وتدوّن، سجّل في الوقت نفسه كلّ ملاحظة عابرة كـ: رأيك الشخصي مقارنة بما قرأت سابقا، وقبولك للفكرة، ورفضك للفكرة، وأسئلتك التي طرحتها.
لاتنتظر أبدا، ومطلقا الانتهاء من قراءة الكتاب للتلخيص، أو النقل، أو إبداء الرأي. فالعملية متكاملة، وكلّ تأخير يضرّها.
إذا أردت أن تعيد قراءة الكتاب لسبب من الأسباب. ووقفت على تناقض بين القراءة الأولى والثّانية. فلا تيأس، ولا تترك القراءة فإنّ ذلك ليس تناقضا. إنّما ثراء، وزيادة فاغتنمها في تثبيت التدوين وبالملاحظات الجديدة.
إذا قرأت كتابا باللّغة الأجنبية فابتعد قدر ماتستطيع عن “غوغل المترجم”، فإنّه أحمق، ويبثّ الكسل، ويغرس الفشل، ويسىء للتدوين، ويفسد الترجمة، ويمسي صاحبة أضحوكة من حيث يظنّ أنّه “المترجم؟!” العارف المبدع.
قبل أن تتطرّق لموضوع، استحضر التدوينات التي كتبتها من قبل، واستخرج منها مايناسب موضوعك، وبالقدر الذي يفي بالغرض.
وأنت تدوّن، وتنقل اتّصل من حين لآخر ببعض من تراهم أهل للزيادة، أو التّصحيح، أو التّقويم. فإنّ ذلك يشجّع، ويدفع، ويخفّف من الأخطاء.
بعض المواضيع لايمكن فهمها إلا بفهم بعض المصطلحات التي لايحسنها غير المختص. مايستلزم الاتّصال بزميل طبيب للاستفهام حول مصطلح طبي ورد في كتاب تاريخي، والاتّصال بزميل مختص في الرياضيات، أو فيزيائي للاستفسار عن مصطلح رياضي أو فيزيائي ورد في مذكرة تاريخية.
كلّ مامضى، وسبقك فهو تاريخ يستحق القراءة. فاعمل على أن يكون تدوينك تاريخ لك، ولأترابك، ولمن سيأتي من بعدك. لأنّه بعد مرور السّنوات، والعقود تمسي تدويناتك تاريخا يؤرّخ له، وبه.
احرص على مادوّنته في مامضى، ولا تلغيه. وقل: نعم، قلت سنة 2000 كذا، وكذا. واليوم في سنة 2024، أقول: كذا وكذا. وهذا لايعتبر تناقضا
خاتمة
سأظلّ تحت تصرّفك إذا احتجت إلى توضيح أكثر. ولا أستطيع أن أفرض عليك كتاب بعينه.
أنا من الجيل الذي تربى على الكتب الورقية، وحديث عهد بالكتب الافتراضية التي أسمت واقعا.
ماذكرته يحتاج لتطبيق يومي، وباستمرار.
قدّم السّائل[18] في الأخير كلّ أنواع الشكر، والتّقدير، والاحترام للقارىء المتتبّع.
الجمعة 8 جمادى الثّانية 1445 هـ الموافق لـ 21 ديسمبر 2023
الشرفة- شلف- الجزائر
[1] قال السّائل في رسالته، وبالحرف: “السلام عليكم أستاذ .. في حال رغبت بقراءة تاريخ الجزائر منذ 1962 الى اليوم .. هل بامكانك اقتراح بعض العناوين لي ؟ خاصة المذكرات .. لن أبدأ في ذلك الا في سبتمبر .. يمكنك أخذ وقتك ، لكن ليس الى سبتمبر ههه ليتسنى لي ايجاد العناوين .. شكرا سلفا تصبح على خير .دخول
مساء الخير أستاذ وأنا أقرأ أجد صعوبة في تذكر المعلومات، أحاول تقيدها بالكتابة لكني لا أجد سبيلا الى كتابتها بطريقة حكيمة تتيح لي العودة اليها ببساطة في حال نسيت … اذا لم يكن في الأمر إزعاج هلا أرشدتني لطريقة ادون بها ما ينبغي تدوينه؟”.
[2] Daho Djerbal “LAKHDAR BENTOBBAL Mémoires de l’intérieur”, CHIHAB ÉDITIONS, Octobre, 2021, Alger, ALgérie, Contient Pages 401. [3] “مذكرات النقيب سي مراد (عبد الرحمن كريمي)، تحرير الأستاذ: ج حنيفي، دار الأمة، برج الكيفان، الجزائر، الطبعة الأولى 2005، من 353 صفحة. [4] “مذكرات من الونشريس، المجاهد محمد الصغير نمار، من أجل أن تحيا الجزائر”، تحرير الأستاذ: محمد عزة. [5] “مذكرات المجاهد سليمان الغول، ضابط جيش التحرير الوطني في جبال ومعارك الونشريس”، تحرير الأستاذ: محمّد عزّة، منشورات أنوار المعرفة،مستغانم، الجزائر، 2013، من 367 صفحة. [6] AMar Belkhodja “Les enfumades du Dahra, Les 1000 martyres des Oueled Ryah, 19 juin 1845”, El kalima, 2ém édition, Alger, Algérie, 2014. Contient 114 Pages. [7] Commandant Azzedine «ON NOUS APPELAIT FELLAGHAS», Editions Stocks, France, 4trimestre 1976, Contient 349 Pages. [8] Commandant Azzedine «ON NOUS APPELAIT FELLAGHAS», Editions Stocks, France, 4trimestre 1976, Contient 349 Pages. [9] السفاح الجلاد الجنرال أوساريس، “شهادتي حول التعذيب 1957-1959″، ترجمة مصطفى فرحات، دار المعرفة، الجزائر، من 217 صفحة. [10] Jacques CHARBY « L’ALGERIE EN PRISON » , Préface de Claudine et Pierre Chaulet Edition ANEP , 2006, Contient 79 Pages. [11] محمّد زروال “التّكوين العسكري في الثّورة الجزائرية – سلاح الطيران، البحرية، والقوّات البريّة 1954 – 1962″، المجلس الأعلى للّغة العربية، السداسي الثاني 2018، دار الخلدونية، القبة القديمة، الجزائر العاصمة، الجزائر، من 252 صفحة. [12] Henri Pouillet –”la villa susini,Torture en Algérie, juin 1961- mars 1962 » ,EL Kalima édition, Alger, 2014, Contient 184 Pages. [13] Fatima Besnaci-Lancou et Abderahmen Moumen , « LES HARKIS », Edition Mehdi, Tizi-Ouazou, Algerie, Sans date, Contient 128 Pages. [14] المجاهدة: مزياني مداني لويزة، “مذكرات امرأة عاشت الثورة الجزائرية”، دار الخلدونية، الجزائر، الطبعة الأولى، 1428ه-2007، من 177 صفحة. [15] ” تحفة الزّائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر” لمحمد بن الأمير عبد القادر، الجزء الأول، دار الوعي، رويبة، الجزائر، عني به الأستاذ داوود بخاري والأستاذ رابح قادري، الطبعة الثانية، 1436 هـ – 2015، من 613 صفحة. (والجزء الثّاني). [16] YVONNE TURIN « affrontement culturels dans l’algérie coloniale. Ecoles, médecines, religion, 1830-1880 », ENAL , Alger, Algérie, 2 edition, 1983, contient 437 Pages. [17] René gallissot, “les Accords d’Évian en conjoncture et en longue durrée”, Préface de Daho DJERBAL, Casbah Éditions, Alger, Algerie, 2011, Contient 267 Pages. [18] قال السّئل بالحرف: “وعليكم السلام، أشكر دعوتك أستاذ لكني بعيد ، وددت فقط لو تعطيني طريقة أضبط بها ما قرأت ليسهل العودة اليها في حال احتجت معلومة نسيتها … كنت في البداية أكتب العناوين فقط ، لكن لم تكن طريقة مجدية ثم عمدت الى التلخيص لكنها كانت طريقة مملة ففي بعض الاحيان اتقاعس عن ذلك، يعجبني أسلوب تلخيصك لما تقرؤه وابداء رأيك فيه، أحيانا أجد أن هناك معلومات كثيرة من الصعب كتابتها في صفحة او صفحتين .. ربما أفتقر لشيء ما ، لا اعلم .. اكرر شكري على الدعوةشكرا جزيلا أستاذ، صدقا سعدت جدا بهذه الهدية الصباحية، فقد سلطت الضوء فعلا على بعض الأخطاء التي كنت أقع فيها، اذ أني كنت أدون أقل بكثير مما يجب، بعد الفراغ من كل فصل، وكنت بدل ذلك ألون الاقتباسات في الكتب نفسها وهي طريقة استقيتها من خلال تعليمي الأكاديمي اذ كانت الدراسة كثيفة وكنت اعتمد على الذاكرة الصورية غالبا، وبهذا كنت أنسى ما درسته بعد عام واحد من الدراسة على أكثر تقدير، اللهم ما يعتمد على الفطنة والمستنتج من الامور… سأعمل بكل ما قلت وستكون بداية جديدة بحول الله واذا كان لديك وقت في يوم ما أحب ان استفسر عن بعض التساؤلات أيضا في التاريخ الاسلامي .. انا أيضا أقرأ الكتب ورقيا أما صيغة ال pdf فأجعلها للروايات فقط وأحيانا أطبعها .. ربي يحفظك أستاذ”.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار