قِصَّةٌ قَصِيرَةْ
بقلم / الشاعر محسن عبد المعطي محمد عبد ربه
تاريخ النشر: 04/01/24 | 7:20كَانَ لِي صَدِيقٌ بَخِيلٌ إِذَا طَلَبَ مِنْهُ ابْنُهُ عَشْرَةَ قُرُوشٍ تَسْوَدُّ الدُّنْيَا فِي وَجْهِهِ
وَيَرْكَبُ الْهَمُّ أَنْفَاسَهُ يَحْسَبُ الدُّنْيَا مَالاً فَقَطْ ,لَا يَسْتَمْتِعُ بِمَالِهِ بَلْ مَالُهُ هُوَ
الَّذِي يَسْتَعْبِدُهُ, أَحْيَاناً أَكُونُ مَعَهُ وَنَفْسُهُ تَشْتَهِي بَعْضَ الْمَأْكُولَاتِ فَيَبْخَلُ عَلَى
نَفْسِهِ ,وَرُبَّمَا يَكُونُ هُنَاكَ صَنْفٌ مِنَ الطَّعَامِ لَمْ يَذُقْهُ مُنْذُ سَنَوَاتٍ وَثَمَنُهُ لَا
يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشاً وَمَعَ ذَلِكَ يَحْرِمُ نَفْسَهُ مِمَّا تَشْتَهِيهِ أُعَاتِبُهُ
قَائِلاً: لِمَاذَا؟!!!
أَلَمْ تَقْرَأْ قَوْلَ الشَّاعِرْ:
وَلَيْسَ الْمَالُ فَاعْلَمْهُ بِمَالٍ=مِنَ الْأَقْوَامِ إِلَّا لِلَّذِي
يُرِيدُ بِهِ الْعَلَاءَ وَيَمْتَهِنْهُ=لِأَقْرَبَ أَقْرَبِيهِ وَلِلْقَصِي
يُجِيبُنِي بِقَوْلِهْ: “يَا صَدِيقِي أَلَمْ تَقْرَأْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قُلْتُ لَهُ: تَكْمِلَةُ الْآيَةْ{ وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) الْكَهْفْْ}
وَالصَّدِيقُ مُصَمِّمٌ عَلَى حِرْمَانِ نَفْسِهِ مِمَّا تَحْتَاجُهُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ.
ذَاتَ يَوْمٍ وَجَدْتُهُ ذَاهِباً إِلَى الطَّبِيبِ يَشْكُو بَعْضَ الْأَوْجَاعِ فَوَصَفَ لَهُ الطَّبِيبُ
بَعْضَ الْفِيتَامِينَاتِ فَأَخَذَ يُوَاظِبُ عَلَى تَنَاوُلِ هَذِهِ الْفِيتَامِينَاتِ, بَعْدَهَا أَخَذَ
يُحِسُّ بِآلَامٍ فِي رُكْبَتِهِ فَأَخَذَ يَتَنَاوَلُ دَوَاءً لِعِلَاجِ الْمَفَاصِلِ دُونَ أَنْ يُدْرِكَ
سَبَبَ هَذَا الْأَلَمِ .
بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ كَلَّفَهُ فِيهِ عِلَاجُ الْمَفَاصِلِ أَمْوَالاً طَائِلَةً ,وَمِنْ حُسْنِ الْحَظِّ أَنَّهَ
كَانَ يُحِبُّ قِرَاءَةَ الْمَجَلَّاتِ فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الْمَجَلَّاتِ الْعِلْمِيَّةِ “أَنَّ تَنَاوُلَ بَعْضِ
الْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَى بَعْضِ الْفِيتَامِينَاتِ يُؤَدِّي إِلَى وَجَعِ الْمَفَاصِلِ”
فَعَرَفَ أَنَّ تَنَاوُلَ تِلْكَ الْأَدْوِيَةِ هُوَ السَّبَبُ فِي وَجَعِ الْمَفَاصِلِ.
بَعْدَهَا دَعَوْتُهُ لِوَلِيمَةٍ عِنْدِي فِي الْبَيْتِ وَكَانَ فِيهَا سَلَطَةُ خُضَارٍ وَتَحْتَوِي عَلَى
الْجَزَرِ الْأَصْفَرِ وَمُلُوخِيَّةٍ وَكَبِدٍ وَلَحْمٍ .
بَعْدَ يَوْمَيْنِ جَاءَ الصَّدِيقُ يَحْكِي لِي بِسَعَادَةٍ عَنْ شِفَائِهِ مِنْ كُلِّ الْأَمْرَاضِ وَأَنَّ
سَبَبَ ذَلِكَ هَوَ الطَّعَامُ الَّذِي أَكَلَهُ عِنْدِي.
قُلْتُ لَهُ:-مُعَاتِباً- كَمْ كَلَّفَكَ الْعِلَاجُ وَالدَّوَاءُ حَتَّى الْآنْ؟!!!
قَالَ الصَّدِيقُ: أَلْفَا جُنَيْهْ.
قُلْتُ لَهُ: إِنَّ سَبَبَ أَمْرَاضِكَ هَذِهِ هُوَ نَقْصُ بَعْضِ الْفِيتَامِينَاتِ الَّتِي تَحْتَوِي
عَلَيْهَا هَذِهِ الْأَطْعِمَةُ الَّتِي كُنْتَ تَبْخَلُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ, قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْخَلْ
فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا
غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)سُورَةِ مُحَمَّدْ}”
قَالَ الصَّدِيقُ: “لَقَدْ تَعَلَّمْتُ دَرْساً لَمْ أَنْسَهُ وَلَنْ أَنْسَاهُ طُولَ حَيَاتِي وَلَنْ أَبْخَلَ
عَلَى نَفْسِي أَوْ عَلَى مَنْ حَوْلِي بَعْدَ الْآنْ, قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ۗ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (16)سورة التغابن}.