وستلد بعد الحمل حواء بقلم
هادي زاهر
تاريخ النشر: 09/01/24 | 17:55قبل ما يربو عن ربع قرن وصلني استدعاء لعين للخدمة الإجبارية في جيش المارقين، لم يكن هذا (يوبيلاً فضياً) وإنما كان من تنك، تمرّدت على هذا الطلب وقد بدأت آنذاك بكتابة ردّ على هذا الاستدعاء، وصدفة وجدت مسودته مصندقةً في صندوقي القديم؟! ومؤخراً تسلم ابني أمرا للخدمة في هذا الجيش الرجيم، لم يغز أوراقي الاصفرار ولم يعتلها الغبار رغم مرور الزمن وما جاء به من محن، فأكملته، لقد وجدت فيه فشة غلّ، أسلوباً أقدم فيه للغُزاة وجبة هجاء، بعد أن استلوا من أعماقي زهر الفل، وجدته أسلوباً أفهم به البسطاء، الأغبياء والسفهاء ما معنى الانتماء، فأنا فلسطيني ، فلسطيني الصمود، فلسطيني المعاناة، فلسطيني الإباء، لا خطر عليّ من الذوبان، ماضيّ مرتبط بحاضري ومستقبلي امتداد لحاضري ولا أعاني من النسيان، جذوري في أعماق الأرض وجبهتي في السمّاء، فكيف تحطم فـيّ العنفوان؟!! صهيون! زعمت مزاعم متلفعة في الرياء، أردت إيهامي بأن إخوتي هم الأعداء، خسئت، فعدوي هو من سلبني الغبراء .
********************************
أردتني كرة يركلها الحذاء، توجهها كيفما تشاء، سرَّبت لي السم من خلال البرامج الدراسية، لتستل مني الانتماء، ظننت ان جذوري أضحت يابسة منسية، فاستخدمت عشيرتي ” فئران تجارب” وأردتني بسلاحك أن أحارب، أردت أن تبطش بنا جميعاً بعد أن نمسي فرقاء، أردت أن تبعث فينا داحس والغبراء، فلا تحلم بالغفران مهما يمر الزمان وان عاد صعوداً إلى نبعه الماء.
********************************
سرقت من فصولنا الربيع سرقت الضفاف سرقت الينابيع، سرقت الحلة والحلال سرقت القطيع، سحقت الزهور سرقت البئر والغطاء؟!! سرقت حتى القبور” قتلت وورثت ” اطماعك أس الشرور، ستقودنا إلى ثالثة البلاء، لن يصمت القادمون وان تآمر اليوم على الأرض الزعماء.
*********************************
لقد رأوا كيف نواجه ونعاني وتركنا الأشِقّاء، رأوا كيف يسحق الأطفال تحت جنازير الدبابات، خشي أعراب أمريكا أن يُشن عليهم اعتداء، شاهدوا كيف تحولت المساجد والكنائس إلى مقاهٍ (وبيوت………) نقول ذلك بمرارة فحضر “السادات”؟!! لبس قفطان الطائي وجاء بالعطاء؟! وكانت المفارقات، وكان الجزاء، أن تبادل العرب مع إسرائيل السفارات!! وكان الخنوع وكان الركوع وقيل للجموع إن هذا يحمينا من الجوع، وان هذا تصرف حكيم مصدره الذكاء، قيل إننا فوتنا عليهم بل وغ النيل واسترجعنا سيناء ؟!!.
*********************************
ثم جاء “الطنطاوي” وحاول طي القضية، قدم الهدية، قال: ” إن حماية الأقصى مسؤولية فلسطينية ” أعتقد أننا صيصان يمكن أن تبتلعها الحية لكننا قطط لا نملك سبعاً من الأرواح كما يشاع وإنما ( مية ).
********************************
لقد راق لك الزمان فبرطع كما تشاء، عث في الأرض فساداً ودهاء، ابسط نفوذك على اليابسة والبحار، لكن لن يبقى البركان مسجوناً ستلد بعد الحمل حواء، اعتقدت أنك بالدهاء بالنار والحديد ستخلق شرق أوسط جديد وأنك إذا امتلكت الذرّة ستملك العتيد، لم تدرك ان من كانت قوة عظمى أصبحت مجرد عظمة نخرة وهذا الرماد كان جمرة، فالثبات لا يحلله أحد إلا الواحد الأحد، ولنا في المماليك والأباطرة، أمثلة لا تعد ولا تحصى من فُرس وتُرك من روم واغريق وقياصرة، من تتار ، فراعنة ، هكسوس ، انحليز ، فرنسيين ، افرنج وبرابرة.
********************************
تمسكنت دهوراً، استعطفت فسُمح لك الصلاة بجوار ” البراق” فزعمت مزاعم نفاق، قلت انه حائط ” البكاء ” فأية صلاة تصلي؟ إنها صلاة كفر من ألفها إلى الياء. وباشرت النبش والبحث عن وهم، زعمت أنك تبحث عن هيكل طواه الماضي السحيق، طردت أصحاب الثراء ومن أعماقك الضمير، كسرت الإبريق، قتلت العصافير ، نسفت البيوت، اقتلعت أشجار الزيتون وهرقت الزيوت، حرمت الأولاد من الأعياد ومحوت من الطفولة الهناء، وماذا بعد؟ لم يبق سوى صناعة الصابون من أجسادنا، إنّه آخر إجراء.
********************************
أتغتسل من شحم جسدي؟ أتصنع كرسيك من عظام ولدي؟ وبعد تريدني أن أخدمك أيها المجنون؟!! كيف تحلم بذلك ونار البغضاء ملء القلب وملء العيون، بل ملء الإناء.
********************************
أيها الغاصب فيما السرعة؟ إلى أين أنت ذاهب؟ انتهى يوم الجمعة، والسبت أوليس هو يوم استراحة ودلعة؟.. آه ..انه يوم صلاة وإشعال شمعة،.. يوم تكفير عن الذنوب وإسقاط دمعة! حسناً قف وقل لي، أيهما أسهل، ارتكاب الجريمة أم الجرعة؟
*******************************
حاولت كسري عبر أعوام مضت، طردتني من عملي، حاولت سد مصادر العيش أمامي، حاولت قتل أحلامي، ولكني بقيت منتصباً صامداً وان تلوَّت داخلي الأمعاء، قهرتني اعترف، بل ابصم بالعشرة، أسقيتني كاسات الحنظل المرة، اعترف مرة تلو مرة، فهل زادك ذلك مسرة؟ لا بأس استل المدية بمهارة وفجرّ “المحارة” لتخرج الدرة، ارقص فرحاً على أوجاعي وأطرب على صوت تأوهاتي، استمد سعادتك من المضرة، قهرتني، أعترف في لحظة ضعفي، وفي لحظة قوتي، في الليل في الصباح والمساء لقد كان نجاحك باهراً وكان فعلك قاهراً ولكنك لم تشدني قيد أنملة إلى الوراء.
******************************
أنا لا أخشاك أيها المحتل، أدرك ان ضميرك المختل سيقودك إلى ارتكاب جريمة جديدة، وان عواقبي وخيمة شديدة، ولكن جلدي تخدر!! لم أعد كباقي البشر، الفتُ العذاب وما عاد ينفع معي وخز الإبر، وترتد السهام من صدري إذا تطايرت من الوتر .
******************************
هذا هو موقفي ولا حديث لي معك ولا مراء، لا نقاش ولا كلام، أتتلذذ على قتل أطفال أطرافهم غضة، وعلى قتل الأجنة داخل الأرحام؟!! وقد اعترفت، قال جنرالكم ” عمرام ليفين ” بصريح الإنشاء، لا رحمة عندنا، إننا نرتكب الجرائم بحق الأبرياء، وقال: (ومعذرة من القراء) قال ” إننا خراء نترك الفلسطينيين على الحواجز حتى تجهضن النساء” ، من فمك أدينك، غير أني أدرك ان الشمس خلف الغيوم، أويصحو ضميرك عندما يبدأ عمودك الفقري بالانحناء؟ً! لا تحلم بالتكفير عن الذنوب، كان عليك أن لا تسحق القلوب كان عليك أن تصلح مؤشر الصواب في جهازك المعطوب ، لكي لا ترى المشهد بالمقلوب، كان عليك أن تدرك أن المياه لا تروب ، كان عليك أن لا تكون البعوضة التي تمتص الدماء، كان عليك أن لا تسلك هذه الدروب، كان عليك أن لا تجهل، إن كل شيء يكبر ويذبل، فهل اعتقدت انك أقوى من فرعون وأشد باساً من المقدون وأكثر صولة من كسرى أو قدرة من هِرقل؟ ولا مجال هنا للعد والإحصاء لن تغسل رجسك المحيطات وإن استحالت الجبال ماء.