رواية دموع الشّمس والواقع المعاش
جميل السلحوت
تاريخ النشر: 16/01/24 | 8:02صدرت عام 2023 رواية “دموع الشّمس” للكاتبة الجزائريّة حياة قاصدي، عن دار الأمير للنّشر والتّوزيع في مرسيلية-فرنسا، وتقع الرّواية الّتي صمّم غلافها فرانسوا بن عمر، ودقّقتها لغويّا مروة حرب في 156 صفحة من الحجم المتوسّط.
الإهداء: تهدي الكاتبة روايتها إلى ” الأيّام التي تركت غصّة في الصّدر،….وألبست كلّا منّا الثّوب الذي يستحق.”
وهذا الإهداء يوحي لي بأنّني أمام روائيّة واقعيّة، استقت مضمون روايتها من واقع عاشته، أو عايشته، أو حصل على أرض الواقع وسمعت به، والكاتب هو ابن بيئته، وإذا ما علمنا أنّ على القارئ أن يعرف شيئا عن حياة الكاتب؛ كي يستطيع فَهْمَ ما يرمي إليه في كتاباته، فإنّني لا أعرف شيئا عن حياة كاتبة الرّواية الجزائريّة سوى أنّها تعيش في فرنسا، وهنا وقعت في حيرة وأمام تساؤلات عديدة، فأحداث الرّواية تدور في الجزائر، وواضح أنّ الكاتبة متمكّنة من اللغة العربيّة، فهل هي مولودة في الجزائر وهاجرت إلى فرنسا؟ وبغضّ النّظر عن سيرة الكاتبة فإنّ ما يعنينا هنا هو الرّواية، فشخوصها جزائريّون، وأحداثها تدور في الجزائر، ومضمونها أيضا يتمحور حول جانب من حياة الشّعب الجزائريّ.
عنوان الرّواية: سنعود هنا إلى الرّواية التي نحن بصددها “دموع الشّمس”، وهذا العنوان مثير للدّهشة، ويطرح تساؤلات عديدة، فهل للشّمس دموع؟ فالشّمس هي الّتي تنير الكون، وماذا تعني الكاتبة عندما اختارت “دموع الشّمس” عنوانا لروايتها، فهل هي تقصد أنّ مضمون روايتها واضح كالشّمس، ويجب الانتباه إليه؟ خصوصا وأنّ من وظيفة الأدب أن يُشخّص حالات أو حالة اجتماعيّة للفت الإنتباه إليها من أجل التّغيير؟ وهذا ما أعتقده، لأنّ الكاتب يطرح أحداثا ويتركها لأخذ العبرة منها كيفما يشاؤوون.
مضمون الرّواية: جاء في الرّواية العديد من الحكايات والقصص، المترابطة بخيط شفيف؛ لتخدم ما تصبو إليه الكاتبة، وممّا ورد في الرّواية حكايتان لزوجين، إحداهما تتحدّث عن ليلى الزّوجة المطيعة الفاضلة، وزوجها رفيق الذي يعيش عقدا نفسيّة جعلت من حياتهما الشخصيّة جحيما لا يطاق، ممّا أوصلهما إلى الطّلاق بعد أن أنجبا أطفالا. والحكاية الثّانية عن كريم الزّوج المغلوب على أمره مع زوجته زكيّة الّتي قلبت حياته جحيما، ولم تُجْدِ محاولاته معها لاستقطاب قلبها إليه. ولكلا حالتي الزّواج هذه ما يبرّر تصرّفات الطّرف السلبيّ، فرفيق زوج وطليق ليلى، يعيش حالة انفصام نفسيّ، باح بها لطليقته ليلى قبل وفاته بسبب جائحة الكورونا، وهي أنّه تعرّض للاغتصاب وهو في العاشرة من عمره من قبل رجل مُسنّ يحظى باحترام الآخرين ويتظاهر بالزّهد والتّقوى! كما أنّه شاهد رجلا يمارس الجنس مع أتان” أنثى الحمار” وهذا ترك شرخا عميقا في نفسيّته انعكس على حياته الزّوجية لاحقا. أمّا زكيّة زوجة كريم، فرفضها لزوجها ناتج عن زواجها منه مكرهة؛ لأنّها كانت تعشق شابّا آخر. وفي حالتي الزّواج هذه نشاهد التّوازن بين الرّجل والمرأة، فإذا ما وُجد زوجٌ سيّء فهناك زوجة سيّئة أيضا.
وإذا ما توقّفنا هنيهة أمام مأساة رفيق، فإنّنا نرى أنّ الرّواية فضحت أمرين مسيئين يجري تجاهلهما والتّستّر عليهما في مجتمعاتنا العربيّة، وهما “اغتصاب الأطفال” و “ممارسة الجنس” مع الحيوانات. وبغض النّظر عن أسباب هذه الجرائم، إلّا أنّها موجودة في مجتمعاتنا، والتّستّر على هكذا جرئم خطيئة، فمن بدهيّات علم الاجتماع والنّفس أنّه إذا أردت القضاء على ظاهرة سيّئة فإنّه يجب فضحها لا التّستّر عليها.
وكان لجائحة الكورونا دور في الرّواية، فقد عكست مخاوف الشّعوب من هذا الوباء، ومدى تأثيرها عليهم، كما كان لها دور في بناء الرّواية، فعندما أصيب بها رفيق زارته طليقته ليلى قبل وفاته.
ولم تقتصر الرّواية على نموذجي الزّواج آنفي الذّكر، بل تعدّتهما إلى أحداث أخرى، فأسامة تزوّج نعيمة، وعادت به إلى حيّ القصبة في مدينة الجزائر؛ لتستعيد هناك عناك شيئا من حياة العائلة عبر أجيال، وكريستين تزوّجت أحمد في الصّحراء الجزائريّة، والقارئ للرّواية سيجد وصفًا جميلًا لبعض البلدات هناك.
ولخدمة البناء الرّوائيّ فقد هناك حديث عن الحراك الشّعبيّ الذي شهدته الجزائر في أواخر عهد الرّئيس بوتفليقة، ممّا دفع الجيش للاستيلاء على مقاليد الحكم، وإجراء انتخابات رئاسيّة، ومحاكمة من مارسوا الفساد، كما ورد ذِكرٌ للعشريّة السوداء التي عاشتها الجزائر بين 1992 و2002، والّتي أوقعت مئات الآلاف بين قتيل وجريح، عدا عن الدّمار الذي لحق بالبلاد. كما تطرّقت الرّواية إلى الجزائريّين الّذين حاربوا مع الفرنسيّين في الحرب الكونيّة الثّانية، وكذلك لحرب التّحرير الجزائريّة.
وهناك رمزيّة لحقيبة الجدّ الذي شارك في الحربّ العالميّة الثّانية، وألقتها زوجته في قبو البيت، وعندما فتحوها بعد سنوات وجدوا فيها ملابسه.
البناء الرّوائيّ: اتّضح لي مضمون الرّواية بشكل جليّ بعد الصّفحة 100، وتمنّيت لو أنّ الكاتبة ضمّنت ما قبل ذلك بأسلوب الاسترجاع” فلاش باك”، في حكايات ما بعد الصفحة مئة. ولو فعلت ذلك لكان في صالح الرّواية.
ملاحظات: تكاد الرّواية تخلو من الحوار، وهو شرط في فنّ الرّواية.