قصيدة «عرفتُ الهوى» للشَّاعر طاهر أبو فاشا (1908-1989م)
بقلم: الشَّاعر العَروضي محمود مرعي
تاريخ النشر: 17/01/24 | 8:14وليست لابن عربي ولا لرابعة العدويَّة
حين يتمُّ اقتباس نصٍّ، شعريٍّ أَوْ نثريٍّ، وينسبه الـمُقتبسُ إِلى غير صاحبه، فَإِنَّ من يأتي بعده يمارس نفس خطإ الأوَّل، هٰذا ما صدفته في الأيَّام الـماضية، فلسبب ما وجدتني أبحث عن قصيدة «عرفت الهوى»، ويا لسخرية ما وجدت، وجدتها منسوبة لابن عربي، تسجيل فيديو عَلى يوتيوب لفرقة تسمِّي نفسها «فرقة ابن عربي»، كَذٰلِكَ وجدتها مسجَّلة بصوت الدُّكتورة الـمطربة النَّصراويَّة دلال أبو آمنة، والشِّعر منسوب لرابعة العدويَّة.
أَمَّا في تسجيلها بصوت أمِّ كلثوم فوجدتها منسوبة لصاحبها الحقيقي الشَّاعر طاهر أبو فاشا، وهي من أوبريت «رابعة العدويَّة» الَّذي غنَّته أمُّ كلثوم، وقد كتبها الشَّاعر عام 1955م، وقد ضمَّنها أربعة أبيات من شعر رابعة العدويَّة، وكان ذٰلِكَ بطلب من السَّيِّدة أمُّ كلثوم كما ذكر في لقاء له مَعَ الشَّاعر فاروق شوشة، وأبيات القصيدة:
{عرفت الهوى مذ عرفت هواكا=وأغلـقت قلبِيَ عَمَّـنْ عداكا
وقمت أناجيك يا مـن ترى=خفايا الـقـلـوب ولـسنـا نراكا
«أحـبُّك حبَّين، حبَّ الهوى=وحـبًّا لأنَّك أهل لذاكا
فـأمَّا الَّـذي هو حـبُّ الهوى=فشغلي بذكرك عمـَّن سواكا
وأمَّـا الـَّذي أنت أهل له=فكشفك لي الحـجب حَتّٰى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي=وَلٰكِنْ لك الحمد في ذا وذاكا»
وأشتاق شوقين، شوقَ النَّوى=وشوقًا لقرب الخطى من حماكا
فـأمَّا الَّذي هـو شـوق النَّوى=فمسرى الدُّموع لطول نواكا
وأمَّا اشتياقي لقرب الحمى=فنار حياة خبت فى ضياكا
ولست على الشَّجو أشكو الهوى=رضيت بما شئت لي في هواكا}.
الأبيات بَيْنَ الأقواس الصَّغيرة هِيَ أبيات رابعة العدويَّة الَّتي طلبت أمُّ كلثوم من الشَّاعر طاهر أبو فاشا إضافتها، لأنَّها كما قال أرادت من شعر رابعة، ومن يسمع القصيدة بأداء أمِّ كلثوم يشعر بالتَّوافق والانسجام العجيب بَيْنَ الأداء الخاشع لأمِّ كلثوم مَعَ كلمات القصيدة وَالـمعاني الَّتي تبثُّها، فيأتي هٰذا الـمزيج مناجاة للخالق عزَّ وجلَّ.
في الكتاب الَّذي بحوزتي مثبت “تركت الهوى”، لٰكِنْ في حوار الشَّاعر مَعَ فاروق شوشة سمعته يقول: “عرفت الهوى”، والقصيدة: موسيقى ولحن رياض السُّنباطي.
والآن مَعَ البيت الأوَّل الَّذي مُسِخَ معناه عَلى يد من لا يحسنون النَّقل ولا الاقتباس، فكثير من الفيديوهات الغنائيَّة لِهٰذِهِ الأبيات جاء البيت الأَوَّل بصيغة:
«عرفت الهوى مذ عرفت هواكا=وأغلـقت قلبي عَلى من عداكا».
وعجز البيت بِهٰذِهِ الصيغة يقلب الـمعنى الَّذي سطَّره الشَّاعر من عشق الله إِلى الشِّرك به، وبين (عن وعلى) هنا فرق أكبر مِمَّا بَيْنَ السَّماء والأرض، بل هُوَ نقلة من الإيمان الخالص إِلى الشِّرك الخالص، وحاشا الشَّاعر طاهر أبو فاشا من الشِّرك.
فقوله: «وأغلـقت قلبِيَ عَمَّـنْ عداكا»، أي إِنَّهُ أغلق قلبه عن جميع الخلق إِلَّا عن خالقه، وَالـمعنى إِنَّهُ ليس في قلبه سوى خالقه، جلَّ وعلا، كقولنا: أغلقت الباب عمَّن سيأتي إليَّ.
بينما عجز البيت بَعْدَ مسخ معناه «وأغلـقت قلبي عَلى مـنْ عداكا»، فمعناه أَنَّ جميع الخلق في قلبه سوى ربِّه جلَّ وعلا، أي الـمحبوب هنا، وَهٰذا يشبه قولنا: أغلق باب البيت عَلى جميع أهل البيت، فيكون الـمعنى أَنَّ جميع أهل البيت داخل البيت وليسوا خارجه، فهل جعل الشَّاعر خالقه داخل قلبه أم خارجه؟ وكيف لا يُدقِّق من ينقل الكلام ويتثبَّت مِمَّا ينقل قبل أَنْ يردِّده؟
فإذا أضفنا نسبة الشِّعر لرابعة العدويَّة كما عند دكتورتنا النَّصراويَّة دلال أبو آمنة، مَعَ قولها (عَلى من عداكا)، أَوْ نسبة الشِّعْر لابن عربي كما لدى فرقة ابن عربي، فلا شكَّ أنَّنا في ظلمات بعضها فوق بعض.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك وفي مسعاك استاذنا الكريم
الله يكتب أجرك في تنبيه الناس وتصحيح مسراهم
لدِّي سُوال مِن بعد إذنك :
هل هذا هُوَّ الخطأ الوحيد الوارِد أم أنّ هُناك المزيد؟
بِحُكم انِّي أُرِيد أن انقلها ولا أُريد ان أقع بالخطأ كما فعلوا مِن قَبلي/ أشكُرك مرةً أُخرىٰ
واسأل اللهُ أن يجعل جُهدك شفِيعًا لك يارب
سلَامًا عليكم ورحمتهُ تُلازِمُكُم يارب