موت المبدعين وقلة المشاركة في جنازاتهم ..!
تاريخ النشر: 19/11/11 | 0:17بقلم شاكر فريد حسن
من المؤلم والمؤسف حقاً ،ان موت المبدعين والمثقفين في مجتمعنا العربي لا يثير الشجن والاسى في مساحات الثقافة ولدى الجمهور العريض الواسع. فالمثقفون والمبدعون لدينا، نحن ابناء الشعب العربي، يموتون كالايتام، وجنازاتهم متواضعة جداً، والمشاركة فيها ضئيلة لا تليق بمكانتهم الثقافية والاكاديمية والطليعية الريادية، وتختلف تماماً عن جنازات الاثرياء واصحاب المراكز والنفوذ والمواقع القيادية.
فبالامس القريب مات الفنان والمخرج الفلسطيني فرانسوا ابو سالم منتحراً في رام اللـه، ولم يسر في موكبه الجائزي سوى اعداد قليلة من المعارف والاصدقاء لا يتجاوزون المائة والخمسين شخصاً، وفي اليوم نفسه شيع جثمان الشاعر الفلسطيني الكبير عاشق صفورية طه محمد علي، وكانت جنازته متواضعة نسبياً لا تليق بحجمه ومكانته.
وعندما رحل الناقد الفلسطيني العظيم احسان عباس، ابن قرية عين غزال المهجرة، وصاحب الاعمال والابحاث والدراسات الادبية ذات القيمة العالمية، افادتنا في حينه الانباء من عمان، حيث دفن، ان عدد الذين ساروا في جنازته وشيعوه الى مثواه الاخير اقل من عدد الكتب التي وضعها والفها..!
وكان احسان عباس قد قال بالم شديد في كتابه المرجعي عن صاحب “انشودة المطر” الشاعر العراقي بدر شاكر السياب ان الذين شيعوا السياب لم يتجاوز عددهم الستة وكان هو سابعهم ..!. ولا اريد ان اواصل ذكر الاسماء، فهنالك الكثير من الحقائق والامثلة عن ضعف حجم المشاركة الجماهيرية في جنازات الشعراء والمتثاقفين. ولا ريب ان هذا الامر هو شهادة ساطعة على البؤس الثقافي والفقر الحضاري والحالة الشيزوفرينية، التي تعيشها مجتمعاتنا العربية دون استثناء.
ان المجتمعات الانسانية المتحضرة والمتمدنة، التي تعي دور ومسؤولية الكلمة وتقدر رسالة الادب والثقافة، تجل وتحترم مبدعيها ومثقفيها، وتمنحهم شهادات واوسمة التقدير وجوائز الابداع، وتكرمهم في حياتهم، وتحيي ذكراهم بعد موتهم، وتعيد نشر كتبهم حفاظاً على تراثهم الادبي والابداعي، وتطلق اسماءهم على الشوارع العامة والمدارس والمؤسسات التعليمية والتربوية، وتخصص جوائز ادبية باسمائهم. ولكن في مجتماتنا العربية لا تقدير، لا للثقافة ولا للمثقفين اصحاب المواقف الحاملين قيم الابداع، وانما التقدير هو لمن اكثر مالاً وثراءً وجاهاً، ولاصحاب القصور والبنايات الفخمة والسيارات الفارهة، آخر موديل. كذلك فان المبدع يموت وهو عليل وسقيم دون ان تلتفت اليه المؤسسة الثقافية والجهة المسؤولة ويظل دون علاج لفقر الحال وقصر اليد، كما حصل في الآونة الاخيرة مع الشاعر العراقي سلام الناصر، هذا المثقف الديمقراطي الملتزم، الذي كان يعاني من امراض القلب، وكان بالامكان انقاذ حياته، ولكن عدم اهتمام الجهات والدوائر المسؤولة في العراق ادى الى وفاته، فقضى مكلوماً معذباً كسير الخاطر والفؤاد. وايضاً قبله الشاعر رحيم الغالبي، احد اعلام الادب والثقافة في العراق، الذي مشى على جسر الجمر والرماد، وظل طوال حياته وفياً لقضيته الوطنية والانسانية، ومدافعاً عن حقوق الفقراء والمظلومين والمسحوقين، وخدم بفكره وروحه وكلمته وشعره ونضاله بلده العراق، ارضاً وشعباً ووطناً، وقد عانى من حروق نتيجة حريق مات بسببها، فلم تلتفت اليه المؤسسة في العراق ولم تفعل شيئاً لمساعدته وانقاذ حياته، وسواهما من عشاق القلم والكلمة.
والسؤال الذي يقض المضاجع :الى متى سيظل المبدع والمتثاقف في مجتمعنا دون اهتمام وتقدير والتفاته ؟!هل يتغير هذا الحال، ام ان لا كرامة لنبي في وطنه..؟!.
أوّلا: نحن نحتاج إلى ترسيخ الإقبال على الأدب والفكر وتقديرهما!
ثانيّا: الإقبال على الأدب والفكر وتقدير هذا الإبداع يقودان
لتقدير المبدعين!
ثالثا: هناك أدباء ومبدعون حظوا بالتقدير والإجلال بعد موتهم، ومنهم
شاعر الوطن محمود درويش!
مقالتك يا أخي شاكر مؤثرة جداً،فشاعرٌ في مثل قامة بدر شاكر السياب لا يتجاوز عدد الذين ساروا في جنازته الستة وسابعهم كان احسان عباس.. أمرٌ جلل،وخطبٌ لعمري أصاب هذه الأمة في صميمها.. فلو كان السياب او إحسان عباس من أصحاب الشركات ورؤوس الأموال ، لوجدتَ آلاف المنافقين يسيرون في جنازاتهم ويترحمون عليهم، بل يخلعون عليهم الألقاب والمدائح والقصائد.. فسبحان الله. والصورة تختلف في المجتمعات الغربية( الراقية)فتجد الشعب الانجليزي ينحني اجلالاً لملتون شاعر الفردوس المفقود.. وكذلك الحال عند كل الشعوب التي تجل صانعي حضارتها.
ولعلي أعود بذلك الى الأصل والطامة الكبرى ، فمن هنا تبدأ مأساتنا.. نعم مأساتنا تبدأ من المعلم.. فأغلب المعلمين عندنا يستهترون بالمبدعين وبالابداع عامةً، فكيف يغرسون حب ذلك في المجتمع وفاقد الشئ لا يعطيه.. أظنكم توافقونني الرأي في أن هذه علتنا الحقيقية الجذرية.. ولا تظننَّ أن الأمر نابع لكوني كنت معلماً فجميع أصدقائي وأحبابي من هذا السلك
وأنا يا أخي شاكر في سبيلي لكتابة كتاب بأسلوب الجاحظ تحت عنوان : ” عمَّ يتحدثون !” أحكي فيه عما يدور من حديث بين رجال ونساءالتربية عندنا في غرفة المعلمين والمعلمات على السواء.. فمن هذا الحديث يمكنك تشخيص الداء .
وأنا أقول قولة العقاد:
إذا شيّعوني يومَ تُقضى مَنيّتي وقالوا أراحَ اللّهُ ذاكَ المُعذّبا
فلا تحملوني صامتينَ الى الثرى فإني أخاف القبرَ أنْ يتهيّبا
ألا يقول الاسلاميون إن اعمال الانسان تسير معه وهي الباقية، فلتسر ورائي هذه الكتابات والقصائد وكفاني
والى لقاء
أعتقد أنّ للإعلام دَوْر رئيسي في ذلك , وهذا لا يَعْفي أَحَد من التّقصير , فالقليل القليل منا تابع أو يتابع أعمال هؤلاء المبدعين من مفكّرين أو شعراء أو ممثّلين ملتزمين وهم على قيد الحياة !! فكيف سيشاركون في جنازاتهم . قرأت قبل مدة للكاتبة “احلام مستغانمي ” في إحد المقالات “” هل مؤخرة روبي أهم من مقدمة ابن خلدون ؟؟ في أحد الصفحات وهنا أقتبس منه القليل لنعرف إلى أين وصلنا !! أيّ أوطان هذه التي لا تتبارى سوى في الإنفاق على المهرجانات , ولا تعرف الإغداق إلاّ على المطربات ، فتسخو عليهنّ في ليلة واحدة , بما لا يمكن لعالم عربيّ أن يكسبه لو قضى عمره في البحث والاجتهاد ؟, ما عادت المأساة في كون مؤخّرة روبي تعني العرب وتشغلهم أكثر من مُقدّمة ابن خلدون ، بل في كون الـّلحم الرّخيص المعروض لـّلفرجة على الفضائيّات ، أيّ قطعة في هذا الـّلحم فيه من ” السيليكون ” أغلى من أيّ عقل من العقول العربيّة المهدّدة اليوم بالإبادة , إن كانت الفضائيّات قادرة على صناعة ” النجوم ” بين ليلة وضحاها ، وتحويل حلم ملايين الشباب العربيّ , إلى أن يصبحوا مغـنـّين ليس أكثر ، فكم يلزم الأوطان من زمن ومن قدرات لصناعة عالِم ؟ وكم علينا أن نعيش لنرى حلمنا بالتفوّق العلميّ يتحقـّق ؟, ذلك أنّ إهمالنا البحث العلميّ ، واحتقارنا علماءنا ، وتفريطنا فيهم , هي من بعض أسباب احتقار العالم لنا , وصدق عمر بن عبد العزيز حين قال :” إنْ استطعت فكن عالماً , فإنْ لم تستطع فكن مُتعلِـّماً , فإنْ لم تستطع فأحبّهم ، فإنْ لم تستطع فلا تبغضهم .
انا معكم ايضا د.محمود .سامي ادريس والعنقاء ان المبدع والمثقف قليل من يعرفهم والسبب ان مجتمعنا العربي ينظر الى الشكل وليس للجوهر فجنازة جدة الرئيس او ام صاحب الاموال تراهم مسرعون اليها لشدة نفاقهم .
عزيزي: شاكر
كعادتك تكتب فتفيد جدا وعلى طريقة ما قل ودل… حبذا لو توسعت..
جزاك الله كل خير.. أنشر لك في مجلة الشرق، آمل أنها تصلك..
وسلامي موصول لسامي إدريس ومن زمن لم أقرأ له.