غزّة أرضيّة (7)
علي هيبي
تاريخ النشر: 27/01/24 | 12:52نمطٌ جديد
هذي المرّةَ
سأكتبُ شعرًا مكسورًا
شعرًا خواطرُهُ كذلكَ مكسورة
لنْ أبحثَ عنْ معنًى أوْ صورة
يليقُ بفظاظةِ تكسيرِ الحربْ
شعرًا ينسجمُ بحقدٍ
معْ تحطيمِ القلبْ
كيفَ يكونُ الشّعرُ رقيقًا
ولهُ موسيقى ناعمةٌ كالحبّْ
معْ إيقاعاتِ الهدمِ
وأزيزِ القصفِ الصّخبْ
وكيفَ يتناغمُ معْ نوتاتِ الأوتارْ
وكيفَ تتأقلمُ أجراسُهُ
وتتصاعدُ بينَ دمارٍ ودمارْ
على سلّمِ موسيقى دويِّ الضَربْ
لنْ أتنازلَ عنْ شعري الفظِّ المنسجمِ
معْ إيقاعِ الأقدامِ الصّامدةِ
في صولاتِ الطّوفانِ الأدنى والأقصى
فلا مساومة
شعري سيرقُّ وينعمُ في روحي
وسيشرقُ كصباحِ ربيعٍ
معْ نسمةِ عشقٍ
في اللّحظةِ القادمة
بعدَ صليلِ طبولِ النّصرِ
للمقاومة
كعصفٍ مأكول
قصفوا بالبراميلْ
نسفوا بالعبوّاتِ الناسفة
هادمي البيوتْ
وسارقي القوتْ
رموهُمْ بحجارةِ سجّيلْ
وعصفوا كالعاصفة
أبرهةَ الجديدَ
جعلوا كيدَهُمْ في نحورِهِمْ
تحتَ مخانقِ التّهويلِ والتّضليلْ
قصفوا الفيلَ القديمَ
فوقَ الشّوارعِ والأرصفة
بعدَ أنْ لفظوا منْ بينِهِمْ
كلَّ عزيمةٍ خائرةٍ خائفة
وأرسلوا الشّواظَّ الأبابيلْ
وأعادوا الإبلَ معْ حليبِها
كانوا كريحٍ صرصرٍ قاصفة
ولادةٌ لا تموت
النّاسُ في غزّةَ كقابلةٍ
تسحبُ طفلًا منْ تحتِ الأنقاضْ
طفلًا مولودًا للتّوِّ
تخرجُهُ بعسرٍ
بعدَ شهيقٍ وزفيرٍ ومخاضْ
رأى الطّفلُ النّورْ
سيعيشُ بروحٍ واثبةٍ
لكنْ بذراعٍ مكسورْ
بعدَ طولِ ليالٍ وعرضِ شفاءْ
سيزهرُ طولَ العمرِ
ويشبُّ عنِ الطّوقِ
كجناحٍ منْ فوقِ حصارِ السّورْ
سيكافحُ سفّاحَ الأحياءِ
في كلِّ الحاراتِ بينَ زقاقاتِ الدّورْ
وسينتصرُ ويزرعُ رايتَهُ الكبرى
وسيبني بيتًا منْ مجدٍ وضحًى
بعدَ اللّيلِ الأسودِ فوقَ الأنقاضْ
وحولَ البيتِ سيبني سياجًا منْ حبٍّ
وجنّاتِ طيورٍ وزهورٍ وبياضْ
سينشرُ في الكونِ الغزيِّ
رياحَ بساطِ الحريّةِ وفراشاتٍ
بألوانِ القوسِ
ستنثرُ عطرَ نسيمٍ ورياضْ
بصباحٍ آتٍ والنّورَ
كشلّالٍ فيّاضْ
نداءُ الأرضِ والسّماء
يا أهلَ غزّة
كلوا ممّا توفّرْ
ملحًا وخبزا
عدسًا ورزّا
واشربوا ممّا تنمّرْ
ماءً وعزّا
يا أهلَ غزّة
هزّوا إليْكُمْ بجذعِ النّخيلِ
هزّوهُ هزّا
حتّى يساقطَ رطبًا جنيّا
فكلوا واشربوا
وقرّوا عيونًا وتمرًا وعزّا
في النّعيمِ المقيمْ
ستأكلونَ
ممّا أنبتَ اللهُ فيهِ حبّا
وعنبًا وقضبا
والبسوا المجدَ ثوبا
والبسوا الفضلَ خزّا
أمّا أعداؤكم
ففي الجحيمِ المقيمْ
سلّطَ عليْهِمِ اللهُ الشّياطينَ
ونارًا منْ حميمْ
تؤزُّهُمْ في الدَرْكِ الأسفلِ أزّا
إحساسٌ غزّيّ
تتكاثرُ القنابلُ المجرمة
على بيوتِنا
وتنهمرُ نارُ الأحزمة
فوقَ رؤوسِنا
وملوكٍ في قصورِنا
مماليكٌ معدمة
ورؤساءُ لا رأسَ فيهِمْ
همُ أولو أمورِنا
يحكمونَ منْ مؤخّراتِهِمْ
ذيولٌ كأنَّها في المقدّمة
وتكثرُ المزابلُ
وتقعدُ فيها الرّذالةُ
وتالفُ الأجزمة
لا حديثَ ولا سورةَ
ولا قانونَ ولا محكمة
لا قيمَ ولا أخلاقَ
ولا إسلامَ ولا دينَ فيهِمْ
ولا عروبةٌ عندَهُمْ مُلزمة
منَ الدّماءِ إلى الدّماءِ نعود
منْ ساحةِ الحربِ
في دماءِ الأرضِ
عندَما نرفعُ أياديَنا للدّعاءْ
ونمدُّ عيونَنا بالابتهالِ
والسّؤالِ
وندعو السّماءْ
لدفعِ البلاءْ
تنهمرُ منْها غزيرةً
على دمائِنا
الدّماءْ
يا لغزّةَ الجريحةِ
يا لأطفالِها
ويا للدّعاءِ الهباءْ
هراءٌ
هراءٌ
هراءْ
يا لسخريةِ أفاعيلِ الأرضِ
ويا لسخريةِ مقاديرِ السّماءْ
مونديال
الأطفالُ في المخيّماتْ
في الحاراتْ
يلعبونَ كالرّفاقْ
ملاعبُ كرةِ القدمِ
مستطيلةٌ عندَهُمْ
عرضُها عدّةُ سنتيمتراتْ
وطولُها أمتارٌ مربّعةٌ قليلةٌ
في جزءٍ منْ زقاقْ
يلعبونَ بانسجامْ
لا وجودَ للأعلامِ والإعلامْ
ولا تخطيطَ ولا حدودْ
الملاعبُ بلا قانونٍ أو قيودْ
ولا بوليسَ أوْ حكّامْ
وجباتٌ ساخنة
وسورةِ المائدة
وما أدراك ما المائدة
وما أُنزلَ اللهُ عليْكُمْ وقفّى
وما أنزلْتُمْ منْ طبيخِ الجرائمِ
وما افترسْتُمْ منْ لحومِ الطّفولةِ
وما نهبْتُمْ منْ خدورِ النّساءِ
كلُّ هذهِ الحربِ الهمجيّةِ
وكلُّ صنوفِ الموائدْ
أيُّها الوحوشُ والجيوشُ
ولأقسمُ بسورةِ المائدة
ومَنْ أنزلَ المائدة
كلُّهُ نفخُ رمادٍ
ونثرُ دخانٍ بلا فائدة
وستبقى غزّةُ مقاومةً
عصيّةً صامدة
وستبقى غزّةُ
هيَ منْ يديرُ الدّوائرَ
ويقودُ الموائدَ لأنَّها الرّائدة
صراعٌ وعبرة
القارعةُ
ما القارعة
والقوى المتصارعة
وقوى الاستكبارِ
ومحورُ الممانعة
بلا تكافؤٍ بالسّلاحِ
بلا توازنٍ بالمواردِ
وما أدراكَ ما القارعة
لنْ تستطيعوا احتلالَ التّرابِ
ولنْ تمسكوا إلّا قبضَ ريحٍ
والنّازعاتِ
والنّاشطاتِ
والسّابحاتِ
والقارعة
لنْ تستقرّوا في ذرّةٍ
في أيَّ شبرٍ رغمَ هذا الدّمارِ
حتّى في مخيّمِ الفارعة
الاتّحادُ عزّة
أستحلفُكُمْ أيُّها الأحرارُ
أيُّها الشّبابْ
بحقِّ أعدلِ الخلقِ
بابْنِ الخطّابْ
بحقِّ أكرمِ وجوهِنا
وأزهدِنا أبي ترابْ
تعالوْا يا أحبّتي
نلملمْ جراحَنا جرحًا واحدًا
جراحَنا الّتي فرّقَ أشلاءَها البومُ
وشتّتَ آلامَها الرّومُ
وبعثرَ آمالَها الغرابْ
لنعتزَّ
أنقلُ بالحرفِ السّاطعِ
بالحرفِ الواحدِ
ما قالَ اليافعْ
نحنُ غزّة
حماكِ اللهُ يا غزّة
علّمْتِ العالمَ الرجولة
أحسسْتُ بأنّي في جنّةِ عزٍّ
وبأنَّ عالمَنا العربيَّ
ما زالَ طافحًا بالبطولة
وما زالَ ينهلُ منْ ماءِ العزّة
فيا للرّوعةِ والرّائعْ
ما قالَهُ والدّمُ ينضحُ منْ رأسِهِ
يضمّخُ روحَهُ
يخضّبُ وجهَهُ
في غزّةَ ذاكَ اليافعْ