لماذا تشبّث سيّدنا الصّدّيق بسيّدنا خالد بن الوليد ورفض عزله؟
معمر حبار
تاريخ النشر: 10/02/24 | 7:32مقدمة القارىء المتتبّع:
نقل إمامنا، وفقيهنا عبد الرحمن مصطفاوي عبر صفحته ثناء سيّدتنا أم سيّدنا خالد بن الوليد عليه، وثناء سيّدنا عمر بن الخطاب على سيّدنا خالد بن الوليد. وعقّبت قائلا: “عظيمة تمدح عظيم، ويمدحه عظيم”.
تدخل صديقنا عزالدين طبال، وتساءل: ” أستاذ ماذا كانت المسوغات و الأسباب لعزله من طرف سيدنا عمر رضي الله عنه؟؟؟”.
أجبته: ” كتبت عن الموضوع، وسأفرد منشورا -أو مقال- للتحدّث عن سبب ظهر لي مؤخّرا، وسأكتب عنه لأوّل مرّة. وأسأل الله أن يوفّق عبده الذّليل للكتابة هذا الأسبوع. وأطلب منك إن شئت أن تذكّرني إن أنسنيه الشيطان”.
كلّ الكتابات، والمراجع، والتّراجم تتحدّث عن عزل سيّدنا عمر بن الخطاب لسيّدنا خالد بن الوليد. والقارىء المتتبّع يتحدّث عن تشبّث سيّدنا الصّدّيق بسيّدنا سيف الله المسلول. ولماذا سيّدنا الصّدّيق لم يعزل سيّدنا خالد بن الوليد. ومن خلالها تظهر لماذا سيّدنا عمر بن الخطاب لم يعزل سيّدنا خالد بن الوليد؟.
للإجابة على التساؤل لابدّ من الوقوف على طبيعة سيّدنا الصّدّيق، وطبيعة سيّدنا عمر بن الخطاب. لأنّها مفتاح فهم قرار التشبث، والعزل. ودون هذا المفتاح -في تقديري- لايمكن بحال الوقوف على حقيقة القرار المتّخذ من تشبّث، وعزل.
طبيعة سيّدنا الصّدّيق هي التي جعلته يتشبّث بسيّدنا خالد بن الوليد:
امتاز سيّدنا الصّدّيق رحمة الله، ورضوان الله عليه بأنّه يتبع سنّة حبيبه، وصديق العمر، وقائده سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، حرفيا، وفي كلّ الحالات. ولا يغيّر، ولا يبدّل، ويرفض كلّ من يطلب منه رأيا، أو موقفا لم يفعله سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
أصرّ سيّدنا الصّدّيق على أن يبقى سيّدنا أسامة بن زيد رحمة الله، ورضوان الله عليه قائدا للجيش رغم معارضة أسيادنا المبشّرين بالجنّة، والخلفاء الذين جاؤوا من بعده، وقادة الجيش، والفقهاء. لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو الذي عيّنه قائدا للجيش، لكن التحاق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالرّفيق الأعلى حالت دون ذلك.
وأصرّ سيّدنا الصّدّيق على مواصلة حرب الرّدّة الذين رفضوا أداء الزكاة، قائلا: سأظلّ أحاربهم ولو لأجل عقال بعير كانوا يقدّمونه لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وخاض الحرب رغم معارضة بعض أسيادنا الصحابة.
“لم يزح سيّدنا الصّدّيق أحدا من منصب عيّنه فيه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والتحق بالرّفيق الأعلى وهو راض عنه[1]”.
تشبّث بمنع قطعة الأرض في فدك لسيّدتنا فاطمة الزّهراء[2]، رحمة الله ورضوان الله عليها، وهي بنت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقرّة عينيه. لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لايرث، ولا يورّث. وفي المقابل عرض عليها ماتطلبه، ووضع تحت تصرفها الخدمات، والمال مقابل القطعة التي تريدها، وتطلبها.
وتعتبر هذه المواقف من مظاهر قوّة سيّدنا الصّدّيق. وقد كتبنا عنها لمن أراد الزّيادة[3].
الأسباب المذكورة -وربما أخرى مشابهة لم نقف عليها-، دفعت سيّدنا الصّدّيق إلى أن يتشبّث بسيّدنا خالد بن الوليد قائدا لجيوشه، ومعاركه. لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو الذي منح لقب سيف الله المسلول لسيّدنا خالد بن الوليد، وذاق طعم القيادة في حياته صلى الله عليه وسلّم.
وتبعا للميزات المذكورة لايمكن بحال لسيّدنا الصّدّيق إلاّ أن يتشبّث بقيادة سيّدنا خالد بن الوليد، ويرفض طلب سيّدنا عمر بن الخطاب لعزله عن قيادة الجيش.
طبيعة سيّدنا عمر بن الخطاب هي التي جعلته يعزل سيّدنا خالد بن الوليد[4]:
امتاز سيّدنا عمر بن الخطالب بكونه اتّخذ قرارات لم يفعلها من قبل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كصلاة التّراويح حين قال: “نعمت البدعة هي”. وعرض على سيّدنا الصّدّيق جمع القرآن الكريم حتّى أنّ الصّدّيق أجابه: كيف أفعل أمرا لم يفعله سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والتّأريخ للهجرة[5].
الأسباب المذكورة -وربما أخرى مشابهة لم نقف عليها-، تدفع سيّدنا عمر بن الخطاب هي التي دفعت سيّدنا عمر بن الخطاب لعزل سيّدنا خالد بن الوليد. لأنّه يدخل ضمن القرارات التي لم يتّخذها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، باعتباره صلى الله عليه وسلّم عيّن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضمن قادة الجيش، ولم يعزله.
حرب الرّدّة الفاصلة بين تثبيت سيّدنا الصّدّيق، وعزل سيّدنا عمر بن الخطاب لسيّدنا خالد بن الوليد:
لايمكن بحال لسيّدنا الصّدّيق أن يعزل سيّدنا خالد بن الوليد عن قيادة الجيش وقد أبلى بلاء لانظير له في حروب الرّدّة حتّى أصبحت تعرف به. ومن الطبيعي جدّا أن يمنحه قائده الأعلى سيّدنا الصّدّيق الثّقة الكاملة، ويعجب به، ويفضّل على غيره، ويتشبّث به، ويرفض بقوّة لارجعة فيها عزله.
أمّا فيما يخصّ سيّدنا عمر بن الخطاب فإنّه لم يخض حروب الرّدّة، أي لم يكن القائد الأعلى لسيّدنا خالد بن الوليد وهو يخوض حروب الرّدّة، وبالتّالي سهل عليه عزله.
وأزعم، وأقولها لأوّل مرّة في حياتي: لو أنّ سيّدنا عمر بن الخطاب خاض حروب الرّدّة كقائد أعلى مثل سيّدنا الصّدّيق لتشبّث بسيّدنا خالد بن الوليد كما تشبّث به سيّدنا الصّدّيق حين كان القائد الأعلى لسيّدنا خالد بن الوليد أثناء حروب الرّدّة.
بعض أسباب عزل سيّدنا عمر بن الخطاب لسيّدنا خالد بن الوليد:
ذكر طه حسين رحمة الله عليه في كتابه “الفتنة الكبرى[6]”، بعض أسباب العزل، لمن أراد أن يعود إليها [7]”. وذكر القارىء المتتبّع وجهة نظره المخالفة له.
وذكر الحافظ ابن الجوزي في كتابه[8] سببا للعزل، لمن أراد أن يعود إليه.
وذكر المبغضون لسيّدنا خالد بن الوليد، ولسيّدنا الصّدّيق الذي تشبّث به، ولسيّدنا عمر بن الخطاب الذي عزله أسبابا.
قرار العزل كان معدّا من قبل:
“قرار عزل سيّدنا خالد بن الوليد كان مهيّئا من قبل ينتظر التنفيذ، وبمجرّد ظهور أوّل فرصة وهي موت سيّدنا الصّدّيق أخرج سيّدنا عمر بن الخطاب القرار وطبّقه فورا، ودون انتظار رغم انتصارات سيّدنا خالد بن الوليد، وانتصاره في أعظم معركة ضدّ الذين تفوّقوا عددا وعدّة ولم تشفع له انتصاراته، وانتصاره لدى سيّدنا الخليفة الثّاني عمر بن الخطاب. وقد قال سيّدنا الصّدّيق حين علم بتقدّم الروم، وبأعدادهم الهائلة “لأضربنّهم بخالد بن الوليد”، وجعله قائدا على جميع القادة الكبار[9]”.
قرار التشبّث، وقرار العزل سياسي عسكري:
سيّدنا الصّدّيق رئيس الدولة، وقائد الجيش ومن حقّه أن يعيّن، ويعزل، ويتشبّث بالذي يراه فاعلا. وسيّدنا عمر بن الخطاب رئيس الدولة، وقائد الجيش ومن حقّه أن يعيّن، ويعزل، ويتشبّث بالذي يراه فاعلا.
وقرار تعيين سيّدنا الصّدّيق، وقرار عزل سيّدنا عمر بن الخطاب هو قرار سياسي، وعسكري، باعتبارهما رؤساء دولة، وقادة الجيش. ولاعلاقة للقرار بدين، ولا تقوى، ولا ضعف، ولا خيانة، ولا غيرة، ولا حسد، ولا قبيلة، ولا عائلة، ولا منافسة، ولا سرقة.
تثبيتين لسيدّنا خالد بن الوليد مقابل عزل واحد:
تشبّث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسيّدنا خالد بن الوليد حين طبّق خطّة الانسحاب رغم اتّهامه من طرف مجتمع المدينة بـ”الفرار”، وأثنى عليه: “كرار لافرار”.
وتشبّث سيّدنا الصّدّيق بسيّدنا خالد بن الوليد قائدا للجيش رغم مطالبة مستشاره، ووزيره سيّدنا عمر بن الخطاب بعزله.
من النّاحية الكمية الإحصائية نحن أمام اثنين مقابل واحد. سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أفضل الخلق أجمعين، وسيّدنا الصّدّيق أفضل أصحاب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
عظمة سيّدنا خالد بن الوليد:
تكمن عظمة سيّدنا خالد بن الوليد في كونه ظلّ يعلن الولاء والطاعة، لخليفة المسلمين أسيادنا أبى بكر، وعمر. “فقد أطاعهما في التعيين، وأطاعهما في الإقالة، وأصبح مثالا في هذا، وذاك[10]”.
السّبت 30 رجب 1445هـ، الموافق لـ 10 فيفري 2024
الشرفة – الشلف – الجزائر
[1] مقالنا بعنوان: سيّدنا عمرو بن العاص في نظر الأستاذ عباس محمود العقاد – معمر حباروبتاريخ: الثّلاثاء 14 ربيع الثّاني 1444 هـ الموافق لـ 8 نوفمبر 2022
[2] منشورنا بعنوان: #عظمة_سيّدنا_الصّدّيق_في_حفاظه_على_أملاك_الدولة_وحبّه_لسيّدتنا_فاطمة_الزّهراءوبتاريخ: الثلاثاء 17 ربيع الأوّل 1445هـ، 10 الموافق لـ 3 أكتوبر 2023
منشورنا بعنوان:
[3] مقالنا بعنوان: سيّدنا الصّدّيق القوي وأقوى من أسيادنا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والجميع – معمر حباروبتاريخ: الأحد 18 صفر 1445، الموافق لـ 3 سبتمبر 2023
[4] #منشورنا بعنوان: طبيعة_سيّدنا_عمر_بن_الخطاب_هي_التي_كانت_من_وراء_عزله_لسيّدنا_خالد_بن_الوليدوبتاريخ: الجمعة 3 رجب 1443هـ، الموافق لـ: 4 فيفري 2022
[5] مقالنا بعنوان: عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب من خلال التأريخ بالهجرة النبوية – معمر حباروبتاريخ: السبت 1 محرم 1444هـ، الموافق لـ 30 جويلية 2022
[6] طه حسين: “الفتنة الكبرى، الجزء الأوّل، عثمان”، دار المعارف، مصر، (دون ذكر سنة النشر، ولا الطبعة، ولا عدد الطبعات)، من 239 صفحة، صفحة 81. [7] مقالنا بعنوان: عظمة أسيادنا الخلفاء، والصحابة، وأمّهات المؤمنين من خلال “الفتنة الكبرى” لطه حسين – معمر حبارالأربعاء 8 محرم 1445هـ، الموافق لـ 26 جويلية 2023
[8] سيّدنا الحافظ ابن الجوزي: “مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب”، دراسة وشرح وتقديم الأستاذ سعيد محمّد اللّحام، دار مكتب الهلال، بيروت، لبنان، 2003، من 304 صفحة. [9] مقالنا بعنوان: “الفتنة الكبرى” لطه حسين – معمر حباروبتاريخ: الأربعاء 8 محرم 1445هـ، الموافق لـ 26 جويلية 2023
[10] مقالنا بعنوان: عزل خالد بن الوليد .. وبقاء الأمةوبتاريخ: السبت: 13 جمادى الأولى 1435هجري، الموافق لـ 15 مارس 2014
—
الشلف – الجزائر