رواية “الوبش” مرآة تعكس واقع مجتمع يحكمه الجهل وتتحكّم فيه الخرافة والشعوذة
بقلم: ديمة جمعة السمان
تاريخ النشر: 16/02/24 | 14:19رواية جديدة للأديب المقدسي جميل السلحوت، بعنوان ” الوبش” يؤكد فيها من جديد خطورة ” مرض الجهل” والايمان بالشعوذة على المجتمعات، إذ تؤدي إلى دمار المجتمع، وتقوده حتما إلى التهلكة.
من هنا جاءت فكرة رواية “الوبش” للسلحوت، وهي جزء ثانٍ لرواية ” الليلة الأولى” التي صدرت صيف العام الماضي 2023. وقد جاءت رواية الوبش التي صدرت مؤخرا عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، وتقع في 180 صفحة من القطع المتوسط، تتمّة لقضية ليلى وموسى ( الطواشي)، التي وقفنا عند نهايتها مليّا، ننتظر بشوق جزءا آخر يروي لنا تطور أحداثها، تروي لنا مصير ليلى مع زوجها وحماتها التي لم ترحمها، بل حمّلتها مسؤولية فشل حياتها الزوجية، مدّعية بأنها ” ملبوسة بالجن”.
لنقرأ في الجزء الثاني “الوبش”، أن موسى أصبح ضحية لمجتمعه، لم يستطع تحمل نظرات أهل قريته، فآثر الهجرة هربا من نظراتهم التي كانت تعرّيه وتنتهك أدقّ خصوصيته، وتحرمه من حقه في الحصول على مساحة من الحرية الشخصية التي تعنبر حقا إنسانيا لكل امرئ على وجه الخليقة. هرب باحثا عن نفسه، فوجدها في الغربة، وتصالح معها، وبعد أن استقر، تزوج وأصبح أبا لثلاثة أطفال.
وكذلك الأمر بالنسبة لليلى التي تزوجت من ابن قريتها سميح، وأصبحت أمّا لثلاثة أطفال.
ويعود موسى إلى قريته رافعا رأسه، بعض أن تخلّص من عقدة نفسية كبرت وترعرعت بهمة جهل عائلته وقريته وفضولهم.
اعتاد السلحوت طرح القضايا الاجتماعية الجريئة دون تردد، فهو يعتبر أنّه لزاما على كل صاحب اداة إبداعية، أن يسخّرها للمصلحة العامة، بهدف التغيير، وذلك من خلال إلقاء الضوء على ممارسات المجتمع وعاداته البالية، التي تتسبب في تأخر تقدّمه وتحضّره، بل تزيد من تخلّفه، وتتسبب باحتقار الشعوب الأخرى له. فيكتب عنها ليلفت النّظر إليها، وقد يبالغ في وصفها كما يفعل رسّام الكاريكاتير، ليظهرها بصورة” مقزّزة” في بعض الأحيان، قاصدا، ليظهر مدى بشاعتها، وبالتالي يدفع بها إلى التغيير.
أمّا الشعوذة، فقد كان لها أيضا نصيبا كبيرا في الرواية، من خلال المبروكة وأبي ربيع اللذين امتهنا الشعوذة والنصب، واحتالا على أبناء المنطقة، فسلبوهم أموالهم، وضاعفوا مشاكلهم.
وصف الكاتب بشاعة الشعوذة وبشاعة من امتهنها، وقد كانت رسالة قوية لكل من يلجأ لهؤلاء الدجالين، ويصبحون لقمة سائغة لهم، بعد وصولهم إلى درجة من اليأس، تجرّهم إلى هؤلاء المشعوذين، فتزداد مشاكلهم، ويخسرون أموالهم وأنفسهم.
وقد لفتت نظري النهايتان: نهاية أبي ربيع، والمبروكة. إذ اتخذ كل منهما مسارا مختلفا، وبالتالي حظي كل منهم بنهاية مختلفة.
إذ كانت نهاية أبي ربيع مزرية، لم يغتنم الفرصة التي لاحت له، رغم أنّه خطا الخطوة الأولى نحو التوبة، إلا أن طمعه، أعاده إلى طريق الشيطان، فكانت نهايته قطع اليد، وبعدها توفاه الله وهو ملعون من الكبير والصغير.
أمّا المبروكة، فقد تابت وارتجعت إلى الله، وأدّت مناسك الحج مع زوجها وطفلتها، وعاشت حياتها بأمان وسكينة.
وهذه إشارة ذكية من الكاتب، بأنه مهما غرق الانسان في الموبقات، لا زال الأمل يلوح في الأفق بأن يرتدّ إلى الله، إذ أنّ فرصة التوبة ممكنة، إن كان هناك مشيئة وإرادة من المرء، وعليه أن يختار.
رواية غنيّة، تعالج مواضيع اجتماعية في غاية الأهمية، كتبت بحرف جميل، يغلب عليها عنصر التشويق. لا شك أنها إضافة نوعية للمكتبة العربية.