موسى عزوڨ — دعوة لتذوق شعر الدغيم في وصف الكتاب وكلنا القراء –
تاريخ النشر: 17/02/24 | 19:31يقول أنس الدغيم (1) في قصيدته :
وشّيتُها ذهباً و راقَ الماءُ * * * في كأسها فتسابقَ النّدماءُ
تَرِبتْ يداي إذا حُرِمتُك شافعاً * * * و مُنعتُ حوضَكَ أيّها السّقّاءُ
يا أيّها المكتوبُ في أعماقنا * * * أنت الكتابُ و كلّنا قُرّاءُ
الشعر بصوت الشاعر* وروحه ! وبعفوية لو انفقت الملايين على إخراج المشهد مع أمهر المخرجين ما استطعت مضاهاته! ستلاحظ كيف يرفع الشاعر يده ثم ينزلها كانما رئيس اركسترا يعلم الفريق بالنغم والمعني , القصيدة من 06 مقاطع و84 بيت . استعمل الشاعر فيها روح المعنى وتناص راقي من ماء زمزم ونصر بدر وقبس من سيدنا موسى عليه السلام وصال وجال من شعاب مكة الى الهجرة وأم معبد والخيمة قلبه ….كل ذلك وبصوت الشاعر (2) . هذا ما فهمته منها دون الرجوع الى أي شرح , فان أخطأت فمن نفسي والشيطان وان قاربت الفهم فبتوفيق من الله الحنان المنان :
-1- في مطلع القصيدة :” أظنه يتحدث عن القصيدة ذاتها ! وكيف أنه نمقها بالنفيس من كلمات الذهب حتى راق الماء ورقرقت الكلمات فتسابق للإنصات العشاق : وشّيتُها ذهباً وراقَ الماءُ…في كأسها فتسابقَ النّدماءُ”.رقّتْ محاسنُها فلا هي أحرفٌ…تُتلى ولا هي غادةٌ صهباءُ. القاصراتُ الطّرفِ من خَفَرٍ لها… دِيَمٌ وأنت لمائهنّ إناءُ. يوشينَ بالمعنى ويمسكُ بعضها…خجلاً فلا ألفٌ يُرى أو باءُ.. لكن الشاعر كان يرغب في بعد ثالث في عمق التاريخ بماء النصر ” آبار بدر ” تزهر القصائد :” يا ماءَ بدرٍ لو لمستَ قصائدي…سُقيا لزهر قصائدي يا ماءُ. ثم يذهب أبعد من ذلك الى نصر آخر مع سيدنا موسى عليه السلام الذي آنس نارا لعله يأتي لأهله بقبس من النار لكن لإضاءة القلب في تناص معنوي قوي : ” آنستُ نارَكَ فالتمسْ لخواطري… قبساً يضيءُ القلبَ يا سيناءُ”
-2- في بعد آخر مزدوج يقفز الى شفاعة النبي محمد صلى الله عليه واشارة الى الحوض الذي يسقي منه الرسول عليه السلام المؤمنين من يديه الكريمتين لا يضمأ بعدها أبدا :’ تَرِبتْ يداي إذا حُرِمتُك شافعاً…ومُنعتُ حوضَكَ أيّها السّقّاءُ.. نعم انت في قلب كل مسلم المحبوب ومن هنا احسن اختيار هذا الشطر الجميل عنوانا للقصيدة :” يا أيّها المكتوبُ في أعماقنا…أنت الكتابُ وكلّنا قُرّاءُ. نعم نعم يا رسول الله لم يستطع الشعراء ولا العشاق وصفك :” إي يا بن عبدالله ما بلغَ الهوى…منك الذي يرجو ولا الشّعراءُ.
-3- ثم يعارض مطلع قصيدة عنترة بن شداد في معلقته :” هل غادر الشعراء من متردم…ام هل عرفتي الدار بعد توهم ؟ وفي تناصها بإيحاء عنترة أنه سيأتي بالجديد . فيقول :” كم غادر الشّعراءُ من نظمٍ وكم…راحوا على طُرقِ البيانِ وجاؤوا. ومهما قالوا ونوعوا فإن محمد عليه السلام هو النبي و الرسول في قلب المؤمن سرا وعلنا :”وتظلُّ في كلّ القلوبِ محمّداً…الصّمتُ فيكم والكلامُ سَواءُ” . وكان شوقي قد عارض قصيدة البردة للإمام البوصيري التي يقول في اولها :” امن تذكر جيران بذي سلم…مزجت دمعا جرى من مقلة بدم. فقال شوقي : ريم على القاع بين البان والعلم…حل سفك دمي في الاشهر الحرم ) . وهي احالة بابعاد متعددة .
-4- ثم يطلب الوصل من النبي عليه السلام والرضا ويشير الى القبة الخضراء قبر النبي عليه السلام :” صِلْني فَوافقري إذا لم ترضَ عن…وصلي وترضَ القبّةُ الخضراءُ. ومن المدينة يعود الى مكة وشعاب مكة وحصار قريش له عليه السلام وصحبه ، ويعطي بديل فؤاده حبا وكرامة :” وإذا قريشٌ لم تسَعْكَ بيوتُها…فالشِّعبُ قلبي والفِدا الأحشاءُ. ثم يذهب الى خيمة أم معبد التي شاهدت بركة الرسول عليه السلام وصحبه ، حتى قال زوجها :” جزى الله رب الناس خير جزائه …رفيقين حلا خيمتي أم معبد. وشاعرنا يستبدل الخيمة بقلبه :” يا أمَّ معبدَ ليتَ قلبي خيمةٌ…لتدوسَه بنعالها النّزلاءُ. ثم يشير الى مقارنة جميلة :” حاربوا الرسول عليه السلام فكان ضياء ، وحاربونا فسنكون كذلك لأن ما يجمعنا بك هو الحب والنور ” :” -1- هم حاربوكَ فأنت أوّلُ ضوئنا…ليموتَ في أُفقِ الشّعوبِ ضياءُ. -2- هم حاربونا فاستفاقتْ غزَّةٌ…في كلّ قلبٍ واستجدّ لواءُ.
-5- لم أفهم كيف انتقل الى العراق ” الرافدين ؟” وجعل منها رمز لقباء ! :” فلْيحبسوا صوتاً سيوقظُ ليلَهم…من صبحِ أرضِ الرّافدينِ قُباءُ. وهل يقصد بإشعال النار فتنة الطائفية ؟:”ولْيشعلوا ناراً سيطفئُ نارَها” حم ” والأنفالُ والإسراءُ…وستعلنُ الدّنيا خلافتَنا فلا نامتْ عيونٌ أهلُها جبناءُ…وأبدع في الاشارة الى انتشار الخلافة من الصين الى إسبانيا :” إن شئتَ سلْ عنّا تجبْكَ الصّينُ عن أخبارنا وتردّدُ الحمراءُ. ثم ان السلاح لنا.
-6- يختم بجمال التذكير ببطولات المسلمين :” فرجالُنا عند المعارك عامرٌ…ونساؤنا عندّ اللّقا خنساءُ. وذلك لان النسبة والبعد يعود للنبي عليه السلام:” من كان في هذا الوجودِ محمّداً…أو منه فالدّنيا له دهماءُ. ويختم بالصلاة والسلام على محمد وآله:” فعليك من ديم الصّلاةِ هواطلٌ…مُزنٌ ومن دِيَم السّلام رواءُ.”
والسلام والى لقاء .
—- تهميش—
(1) الشاعر والكاتب انس الدغيم من مواليد 1979 و كاتب سوري. ولد في بلدة جرجناز في منطقة معرة النعمان ونشأ بها، ترك دراسته بجامعة دمشق في الهندسة المدنية ثم درس الصيدلة في جامعة فيلادلفيا بالأردن وتخرج سنة 2008، نشر ديوانه الأول سنة 2002 .له ثلاث مجموعات شعرية: المنفى، الجودي، إبراهيم. الكتب : 100 لافتةٍ للحرّيّة، 100 لافتةٍ للحيّاة، سكَّرٌ من الحجاز المجالس .الرّوايات:فلاسفة في الزنزانة 25 (رسائل من وراء الموت).وله الكثير من المقالات المنشورة في الصحف والمجلات العربية. تم تداول مقاطع من القصيدة على انها لشاعر مسيحي في وسائل التواصل الاجتماعي . رغم ان الشاعر يختم قراءة القصيدة بالصلاة على محمد واله .
(2) https://youtu.be/zjxVuR6rX8E