متنفَّس عبرَ القضبان (106)
حسن عبادي/ حيفا
تاريخ النشر: 29/02/24 | 18:47بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت الصديقة هدى: “مرارة وحزن حين نقرأ تفاصيل إهانة الأسيرات والأسرى ولكن مع كل ما نحس بيه لكن بيزيد فخرنا بصمودهم والاعتزاز بأنفسهم. الله يفك كربهم جميعا ويفك أسرهم”.
وعقّب الصديق محمد عمارنة: “أستاذ حسن عبادي المحترم نزاهتك وضميرك الحي وانتماؤك لوطنك وأبنائه الأسرى والأسيرات ودعمك المتواصل لهم لن ينساه أي إنسان شريف أنت القافلة وأنت شعاع أمل يتسلل عبر غياهب الجب وعتمة الزنازين وظلمة السجان ليضيء الطريق أنت آية الكرسي تبدد وساوس الغياب سر على بركة الله ولا يضرك من خالفك ولا يضرك كل كذاب معتد أثيم هماز مشاءٍ بنميم. شكرا لك وألف ألف شكر لعائلتك لزوجتك وابنتك. شكرا لكم من كل قلوبنا والشكر لا يفيكم حقكم ولكنه اعتراف منا بأنا مدينون لكم”.
وعقّبت الصديقة ندى الجيوسي: “كل الاحترام والتقدير لك ولجهودك. أن تزور أسيراً انقطعت به الأسباب وحال بينه وبين أهله عدو لئيم وتحمل منه رسالة إلى أهله مطمئنة هذا لعمري عمل ثقيل في ميزان الله وأجره عند الله عظيم. بوركتَ وبوركت مسيرة عطائك.
نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان “صفّرنا الدامون”… وخاب أملي.
عُدت لزيارة الدامون لأسمع عن الانتهاكات المستمرّة بحق حرائرنا؛
عدت لأسمع حكايات وقصصاً تقشعرّ لها الأبدان حول الاعتقال في ساعاته الأولى،
التهديد والترهيب في أبغض صوره؛
الحرمان من أبسط الحقوق التي شرّعتها كلّ المواثيق والمعاهدات الدوليّة؛
التجويع والتبريد، وحرمان الأسيرات من الخصوصيّة لمحاولة كسر شوكتهنّ؛
عدتُ لأرى الإصرار والأمل في عيونهن.
نِفسي أسمع يارا تناديني “ميما”
زرت صباح الثلاثاء 23 كانون الثاني 2024 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة النابلسية حليمة إيهاب أحمد أبو صالحية؛ (مواليد 14.03.1997)، جامعيّة، طالبة دكتوراه علاقات عامة، جامعة القاهرة، أطلّت مبتسمة ابتسامة طفوليّة لتنقل لي سلامات زميلات الأسر.
حتلنتني عن وضع السجن؛ 27 أسيرة من الضفة الغربية، 11 من الداخل، 3 مقدسيات، 48 من غزة وأسيرتان جديدتان (يمكن من النقب؟)، تفتيش (نحشون) “عزلونا كلّنا بالحمام وفتّشوا الغرفة وصادروا كلّ قصقوصة ورق”، عقاب يومان بدون فورة بسبب الإنشاد والتصفيق، تجويع وتبريد، 3 جاكيتات (شباص) ل-11 أسيرة، ما زالت تلبس البيجاما التي لبستها حين اعتقالها، جاكيتها ما زال محجوزاً، والبوت بدون الربّاط.
حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ “كنت نايمة، الماما فيّقني ومش عارفين لمين جايين الجنود، 10 ومنهم مجنّدة، (ولا مرّة توقّعت اعتقال)، قالولي ميخذينك، غمّضوا عينيّ، صوّروني بالبيت بدون الحجاب، كلبشوا إيديّ وإجريّ/ كل الطريق بضحكوا وأنا مصدومة، وفي هشارون ما دخّلوا أكل، تفتيش مُهين عدّة مرات، برش حديدي بدون فرشة، بطانيّة نتنة ووسخة كثير”، والدامون أرحم بكثير.
وجدتها قويّة تلازمها ابتسامتها. فجأة قالت: “حاسّة حالي بحلم، بدّي أروّح وأراجع الأمر، وشو صار معي. معقول؟ كلها دعاء على صفحتي وأبيات شعر لتميم البرغوثي!
طلبت إيصال سلاماتها للعائلة، وخصّت بالذكر جدّها الجميل جميل وجدّتها الحنونة ابتسام.
آية زوّدتها بجينز وبلوزة وحاضرات للترويحة.
تتوق لسماع يارا (ابنة أخيها إياد، عمرها سنتان) تناديها “ميما”.
“اجعلي زنزانتك حديقة لك”
عُدتُ صباح الأربعاء 24 كانون الثاني 2024 لألتقي بالأسيرة أنوار داوود شاكر رستم؛ من قرية كفر مالك/ رام الله (مواليد 14.11.1991)، أطلّت مبتسمة ابتسامة خجولة لتنقل لي سلامات زميلات الأسر، وحبن دخلت غرفة اللقاء تروحَنت وقالت لي: “هاي أوّل مرّة بشعر بالدفى من لحظة الاعتقال. (طلبتُ تشغيل المكيّف/ تدفئة قبيل دخولها الغرفة).
حتلنتني عن وضع السجن؛ زميلات الزنزانة (فاطمة ريماوي، خالدة جرار، إخلاص صوالحة، حنين الزرو، مي يونس، سندس عبيد، جراح دلاشة، فلسطين، نفيسة)، 5 أسيرات يفترشن الأرض، الظروف جداً سيئة، الإهمال الطبّي صارخ، فوضى عارمة (بغياب الدوبيرت)، “بفوتوا علينا فجأة وإحنا مش لابسات، مش محجّبات”، الأكل سيئ جداً، مش مستوي وبارد، الشاي بارد، قهوة مرّة بالأسبوع.
خبرة وتجربة خالدة وآية ممتازة وتمدّهن بالقوة والمعنويات.
انفرجت أساريرها حين قرأت على مسامعها رسالة بنات خواتها “اجعلي زنزانتك حديقة لك”، (لديها 6 أخوات وأخ)، ورسائل أختها إليانا.
حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ والتحقيق في أريئيل، “كلّه عن الفيس”، صادروا اللابتوب وأوراق امتحانات طالباتها (مدرّسة تربية إسلاميّة في ثانويّة أبو فلاح).
أوصلتها رسائل أهل أم قتيبة وأم محمد، وعلامات الخليليّات، وطلبت إيصال سلاماتها للعائلة، “طمّن أهلي عليّ، الحمد لله الأمور ماشية، ما يقلقوا، ما في ضرب، ما يهملوا الهم”.
لكما عزيزتيّ حليمة وأنوار أحلى التحيّات، والحريّة لكما ولجميع أسيرات وأسرى الحريّة.
حيفا كانون ثاني 2024