سلاحٌ ممنوع وآخر مسموح
بقلم: الإعلامي محمد السيد
تاريخ النشر: 06/04/24 | 16:57منذ أن بدأنا نحصي قتلانا الذين يسقطون برصاصنا ، ونحن نردد “الشرطة متخاذلة في جمع السلاح” ، ومنا من ذهب بعيدا وطالب بإدخال قوات مدججة تقتحم مدننا وقرانا لتنظيفها من السلاح ، وهناك من طالب بفتح مراكز للشرطة وهناك من عارض بشدة. سنوات ونحن نعاني من القتل والجريمة المتطورة ، وسنوات ونحن من فشلٍ الى آخر في العلاج ، لا بل تحولنا الى جزء من المشكلة بتخبطنا وكذبنا ، فنحن نكذب على شعبنا ولا نصارحه بحقيقة الأمر التي تقول بأننا ندير المشاكل ولا نحلها ، أولاً لأننا لا نستطيع ذلك ، ثانياً لأننا فقط نحن المستفيدون من بقائها. نكذب على الناس ونردد “نعم لجمع السلاح” ونحن الذين استمعنا لقصة ذلك الرجل الذي يعيش هو وزوجته وبناته وأبنائه في قريةٍ عربية بمحاذاة شارع رئيسي عندما جاء واحدٌ من حثالة البشر وأوقف سيارته التي تعج من سماعاتها الموسيقى الصاخبة في أحد مواقف بيته ، كان يرتدي نصف بنطال ويلف رقبته طوق ذهبي ، يلوكُ علكةً ويهتز مع الموسيقى. إحدى بنات الرجل أطلت من النافذة منزعجةً وصرخت ما هذا؟ فكان الرد غمزةُ عينٍ حقيرة على مرأى والدها ، تبعتها كلمات تشبه قائلها. أدرك الوالد أنه في ورطة وأن هذا من اولئك الذين يسمونهم عصابات إجرام ، أُغلقت نوافذ المنزل المطلة على الشارع تجنباً لمزيدٍ من المواقف المُنحطة ، وانصرفت الفتاةُ الجامعية الى غرفتها لمواصلة دراستها والنوافذ محكمة الإغلاق ، وبدأ والدها يفكر في معالجة ما جرى ، والموسيقى الصاخبة تتواصل مخترقةً النوافذ المغلقة ، فقرر الوالد الإتصال بالشرطة الذين وصلوا بعد فترة طالبين من الحثالة ان لا يواصل الإزعاج على ما يبدو ، دار نقاشٌ بين الشرطي والحثالة الذي كان بين الحين والآخر يوجه أنظاره لنوافذ البيت الذي أطلت منه العائلة لتشاهد ما يجري ، ووصلت درجة وقاحته أن يهين الرجل امام بناته عندما غمز إحداهن بعينه ، وأوصل رسالة تهديد للرجل بنظراته الإجرامية في حضرة الشرطة التي طلبت منه عدم الإزعاج وغادرت. عند الغروب تعرض المنزل للرصاص ، وفي اليوم التالي تكرر مشهد الإزعاج والمضايقة ، ثم تحول أحد المواقف ملكاً للحثالة يركن فيه سيارته ويغادر مع آخر من أصدقائه ويعود لها في ساعةٍ متأخرة ، جرى ذلك بعد أن يأس الرجل من الحلول وخشي عواقب الأمور ، وبات همه الوحيد حماية بناته . لم يعد الموقف لركن السيارة بل تحول الى شبه ملك خاص للحثالة وأصدقائه الذين باتوا مصدر قلقٍ للعائلة ، خاصةً وأن أصواتهم تزعجهم بشكل متعمد ولا يغادرون دون صفيرٍ في ساعات متأخرة من الليل. لم يبق أمام الحثالة إلا اقتحام البيت أمام شعور صاحبه بالقهر والإنهزام والإنكسار وفقدان هيبته أمام بناته. فقد الرجل الأمل في وقوف أهل البلد الى جانبه بعد أن عرف أن حثالة البشر هذا ما هو إلا فردٌ من مجموعة مبتزة خطيرة جبانة مجردة من كل القيم والأخلاق . الآن أدخل في بناءٍ درامي لإكمال القصة الحقيقية ، ففي إحدى الليالي المزعجة وبينما مالت ابنته برأسها على صدره ، مسح والدها بيده على شعرها وقال لا تخافي يا ابنتي ، فنحن في عصرٍ جديد ولن نسمح لهؤلاء الدخلاء أن ينتصروا علينا ، لا تخافي يا ابنتي فأنا ما زلت البطل في عيونك . بدأ الرجل يتحسس لإقتناء سلاحٍ يحمي به أغلى ما يملك وهي الكرامة ، وعندما تمكن من الوصول الى مبتغاه ، كان عليه بيع إحدى سيارتيه لتوفير ثمن قطعة السلاح التي بها يريد أن يشكل حالة ردعٍ ليس إلا. لكن ذلك لم يتحقق ، فقد ألقت الشرطة القبض عليه وهو يترجل من سيارته عند بيته واقتادوه الى التحقيق والإعتقال بتهمة حيازة السلاح ، إقتادوه وابنته ينكسر جزء آخر من كرامتها ، فالحثالة سيارته مركونةٌ أمام منزلها سيعود كما كل ليلة ويقف بعض الوقت يشعل سيجارته ويتبادل الصراخ مع أصدقائه ويطلق العنان للموسيقى الصاخبة سعياً لتطل عليهم الفتاة من النافذة في غياب والدها الذي ترك بيته عرضةً للمجرمين ، وفي أذنيه يتردد صدى صوت ذلك الكذاب الأنثوي الناعم باللغة العبرية “أنا أطالب الشرطة باقتحام القرى وجمع السلاح” ، فعن أي سلاح تتحدثون ؟ لكننا لسنا أغبياء لنكتشف أن القط السمين الكذاب الذي يدعي تمثيل الجمهور هو من الذين يتعاملون من العصابات ، وغيره كثير خاصةً اولئك الذي جمعوا مالاً وعددوه. يخرج الرجل بكفالة من السجن ويتحول الى كائنٍ شرس ويبدأ بالتعامل مع تجار السلاح وينزلق معهم هو وابنه اليافع وصولاً الى اقتناء قطعتي سلاح كان أول رصاصة يطلقها الرجل في صدر الحثالة الذي يشبه الخنزير في شكله ، أرداهُ صريعاً ليعيد لابنته كرامتها وليظهر بطلاً في نظرها كما كان ، لكنه فتح جبهةً مع المجرمين وكان أهلاً لها ويستمر القتال.