الأبوّة الجميلة
زهير دعيم
تاريخ النشر: 08/04/24 | 10:33قرأتُ مرّةً قصّة صغيرة مُعبّرة تحكي عن طفل صغير اسمر البشرة ، يعيش في كوخٍ لا يبعد كثيرًا عن احد المناجم ، ويظهر أنّه اشتاق يومًا ما لوالده الذي يعمل في المنجم فتوجّه الى هناك ، حيث رآه مدير المنجم فسأله :
ماذا تفعل هنا يا صغيري ؟
فردّ الطفل ببراءة : أريد أن أرى ابي واتحدّث اليه ؟
فضحك المسؤول وقال : كيف لكَ ان تعرف أباك وفي المنجم يعمل أكثر من ثمانين عامل ، والسّواد والفحم والغبار يُغطّي وجوههم ؟!
فابتسم الطفل ببراءة قائلًا : أبي هو الذي سيعرفني !!!
لعلّ أبانا السّماويّ هو المقصود الأوّل في هذه الأبوّة الجميلة، ولكن “أبونا” الأرضيّ هو أيضًا حنون ، رؤوف في معظم الأحيان ، فلا يُعقل ان يطلب منه صغيره سمكة فيعطيه عقربًا…
نعم يحنّ ويتعب ويُضحّي ويعطي أطفاله دون حساب … أقول معظم الآباء ، وأعني ما أقول فهناك من لا يستحقّ هذه الصّفة المُقدّسة المباركة ولا يستأهلها ، وكيف يستأهلها ، وهو لا يقوم بواجبه تجاههم؟! ، فيركن الى البطالة والكسل والمراهنات “وكشط” أوراق اليانصيب مُبذّرًا ” قوت العيال” على الاحلام البائسة ، ناهيك عن العنف الذي ” يتحلّى” به فيعاقب ويسبّ ويشتم ويزرع البيت نكَدًا، ويتحكّم ويُجري أحكامه العتيقة البالية على ابنائه وبناته ، ويجيز لنفسه كلّ شيء ؛ فالكلّ مُباحٌ له والكلّ حرام عليهم .
فكم من أب عندنا ( وأخ كبير ) وضع نفسه مكان الله فتعرّض لابنته أو اخته فسرق منها حياتها أو كاد بحجّة واهية وشكوك وارتياب، قد لا يكون له أساس على ارض الواقع..
ثمّ دعونا فابحر أكثر ضدّ التيار فأقول : حتّى ولو كان !!!
فالحبّ عنده ممنوع ، والنظرة جريمة ، والصّداقة حرام ، أمّا هو فمن حقّه أن يُحملق و” يُبصبص” ويغزوَ ” عُذرًا” ثم يروح يفتخر بغزواته.
سنبقى ” مكاننا عُد” إن ظلّ النصف الجميل من مجتمعنا مُقيّدًا ومحبوسًا ومسجونًا في ثياب أفكارنا العتيقة البالية ، ولن نرتفع ولن نطير كما قال الشّاعر العربي قديمًا : وهل الطائرُ إلّا بجناحيْهِ يطيرُ ؟!
وكيف يطير مجتمعنا وهو مكسور الجناح؟
وكيف يطير ونحن نُقيّده بألف قيد وقيد ؟
لسْتُ مع الفوضى والحرية المُطلقة والاستخفاف بالقيم ، ولستُ مع العَبَث والفجور على الاطلاق ، ولكنني مع مجاراة العصر ، فما كان جميلًا ومقبولًا قبل عقديْن من السنين قد يكون اليوم قبيحًا وغير مرغوب فيه.
وخلاصة القول : الانفتاح مطلوب ، والعدالة واجبة ، وتقبُّل الواقع الجميل والغريب بعض الشيء أمرٌ صحيّ.
فهيّا بنا نخرج من بوتقات الماضي المظلمة ونكتفي بالجميل منها ، وندخل الحاضر والمستقبل بعيون الأمل والرجاء والاحلام والبسمات ومجاراة التحضّر .
أملي الحلو والمرنان أن استفيق يومًا ما فأرى الابوّة في شرقنا تتزيّا كلّها بالحنان والعطاء والتفهّم ، وتنبذ ما هو عنيف وظالم..