متنفَّس عبرَ القضبان (117)
حسن عبادي| حيفا
تاريخ النشر: 09/04/24 | 12:58بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الصديق إبراهيم الخطيب أبو وسيم من الشتات: “وأنا بدوري أحييك أستاذ حسن صديق أسرانا ونصيرهم، على جهدك الدائم لرفع معنويات أسرانا، وتتبع حالاتهم وطمأنتهم على عوائلهم ولحملك رسائل الأهل الأعزاء على قلوبهم إليهم. جهد كبير مشكور لوطني مخلص.”
وعقب الصديق غسان عوض شمس: “الحرية لكافة أسرانا. وفجر الحرية قريب بإذن الله بوركت جهودك ودمت ذخرا لأسرانا البواسل وتحياتي الكبرى للعائلة الطيبة العزيزة آل البرغوتي هذه العائلة الوطنية بامتياز التي قدمت التضحيات الكبيرة من أجل حرية وتحرير وطنا فلسطين لهم مناكل المحبة والتقدير”
وعقّبت الصديقة أم جميل (والدة أسيرة، زوجة أسير، وأخت أسيرين): “الله يفرج كربهم أستاذ حسن بوركت جهودك، لولاك لفطرت قلوبنا أضعافا مضاعفة على أسيراتنا حزنا وألما، تسد رمقنا ببعض الأخبار التي تطمئن قلوبنا”.
وعقّب الشاعر هشام أبو صلاح: “استاذنا الكريم الرائع؛ إن ما قمت به وتقوم به لهو مثال حي على رقي انتمائك وعلو همتك ونقاء سيرتك تجاه فلذات اكبادنا في الأسر، أدامك الله ذخرا وسندا أيها الرائع والصديق الأعز”.
عُدت لزيارة نفحة الصحراوي، رغم مشقة السفر، لمواكبة وضع أحرارنا ومتابعة ما يجري في سجون الاحتلال عن كثب.
نقصان وزن رهيب
غادرت حيفا الساعة الخامسة والنصف صباح الاثنين 11 آذار 2024 ووجهتي سجن نفحة، رغم أني استلمت رسالة من أخت صديق أسير جاء فيها “الأسير بيتعرض للضرب والإهانة والإذلال، من هلا بحكيلك ما رح يطلع للزيارة” وقرأت كلاماً مشابهاً على صفحات التواصل الاجتماعي، وما إن دخلت غرفة المحامين وإذ بالأسير حسن مصطفى عبد الرحيم جرادات بانتظاري، وبعد أن مرحبنا وعرّفته على نفسي وأنّي حضرت طواعية بناءً على طلب حماته سحر، سألته إذا ما تعرّض للضرب في طريقه للقائي فأجابني بعفويّة “فش منّه هالحكي”.
كلمة لا بد منها؛ هذا اللقاء الـ 61 منذ السابع من أكتوبر ولم يبلغني أحد ممّن التقيتهم أنّه تعرّض للضرب في طريقه للقائي، واستفسرت لاحقاً إذا تعرّض أحدهم للضرب في طريقه للعودة فكان الجواب سلباً.
حسن من مواليد 18.07.1983 (من السيلة الحارثية) ومعتقل منذ 21.08.2023 (إداري للمرّة الثالثة على التوالي، المحامي ما عمل إشي، ويوم المحكمة لم يحضر، على حدّ قوله. معقولة؟) ومقطوع عن العالم. انفرجت أساريره حين لمح صور ابنتيه همس وتقى، وابتسم حين قرأت على مسامعه رسالة زوجته تسنيم، سجين الغرفة طيلة ساعات اليوم، خرج منها يوم 23.10 لجلسة محكمة عبر الكاميرات واليوم للقائي.
حدّثني عن أوضاع المعتقل، وزملاء الزنزانة؛ علاء الأعرج، آدم مسلماني، عباس السيد، عبد الرحمن البنا، أحمد أمارة، يوسف محسن، عدي بدوان، علي أبو رحيم، بهاء شديد، سليمان العور ومصطفى مجاهد.
“زنزانة الأنسولين” تعاني من نقص حاد بالسكر، فش عيادة للأسرى، 3 “مغاشات” رز لـ 240 أسيراً، 8 أبراش والباقي بنام ع الأرض، هناك إجراء جديد في الزنازين: خط “أمان” أصفر ممنوع الاقتراب منه ممّا يزيد الحَشرة ويضطرّ من ينامون على الأرض أن يصفطّوا حالهم على بعض، وكذلك الأمر ساعة الصلاة، الروتين قاتل، وأيّة إشكاليّة بين الشباب يُعاقب الكلّ بما فيه رشّ القسم بالغاز، والعِقابات ع الطالع والنازل، بنطلون واحد من يوم الحرب، نقص حاد بالملابس الداخليّة، منشفة واحدة لكل أسيرين، وسوء تغذية حاد، نقصان وزن رهيب (15-20 كيلو كلّ أسير) و25 سم من خصره نقص، وأشعث الشعر.
أوصلته رسائل أهالي أسرى في نفحة، وأملى عليّ رسالة لبناته وزوجته وحماته والأهل وسلاماته لكلّ من يسأل عنه.
رغم ذلك ودّعني بابتسامة واثقة تبثّ الأمل بغد أفضل وكلها معنويات شامخة.
“أمانة تبوّسلي ولادي”
مباشرة بعد لقائي بالأسير حسن جرادات أطلّ مبتسماً الأسير عبد الله محمد عصفور برغوثي، وبعد المرحبة وتبادل السلامات والتعارف استفسرت إذ تعرّض للضرب في طريقه للقائي ليطمئن قلبي فأجابني بالسلب مستغرباً من تساؤلي.
عبد الله من مواليد 08.01.1995 (من بلدة كوبر/ رام الله) ومعتقل منذ 18.05.2023، طمأنته على أخيه عناد في سجن الجلبوع وأخبرته باعتقال والدته حنان مجدداً وبرفقتها العديد من نساء البرغوثي فابتسم قائلاً بسخرية لاذعة “هاظ ما ظلّش حدا!” فجاءتني مقولة صديقي وليد الهودلي “دار البرغوثي لحالهم بدهم صفقة”، وضحكنا ضحكة أربكت السجّانين المرافقين.
حدّثني عن أوضاع المعتقل، وزملاء الزنزانة؛ رائف الفرا، محمد صباغنة، فواز قنديل، إسماعيل حجازي، محمد مبتسم، محمود نصار، ذياب ناصر، محمد عيسى، محمد المحتسب ونظمي من جنين.
فشّ فورة؛ فقط ربع ساعة للحمّام، والدوشّات بدون ستائر (طلِعت مرّة واحدة، بوسطة للرملة يومين ورجّعوني، “سلبَطَة بسلبطة”)، فش علاج طبي (ذنيّ مسكّرات من أسبوعين وما في علاج)، بنطلون واحد (بغسله وبلبس الشباص تا ينشف)، نقص صارخ بالملابس الداخليّة، فش بشاكير ومناشف (واحد لكلّ 2-3 أسرى)، الأكل شحيح وخبرونا فش تحسينات لرمضان، نزلت بالوزن 30 كيلو!
خبّرني عن قصّة الخط الأصفر (yellow patch) الذي صغّر الغرفة ومن يتخطّاه يُعاقَب. (ستكون لي وقفة قريبة مع ذلك الخط البغيض بعد زياراتي في الأيام القريبة لريمون والنقب ومجيدو).
أوصلته رسائل أهالي أسرى في سجن نفحة لغواليهم، وطلب إيصال رسائل طمأنة لأهالي علاء الريماوي، أبو خالد الرشق، ياسر الفحل، معتصم ومراد.
طلب إيصال سلامات للحجّة أم عناد في الدامون، للوالد (كثير)، لزوجته سماح وأولاده.
حين افترقنا قال لي فجأة: “أمانة تبوّسلي ولادي؛ حنان ونائل”.
لكما عزيزيّ حسن وعبد الله أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.
حيفا آذار 2024