نظرية ُدارون من وجهة نظر الفلسفة!
بقلم : د .ادم عربي
تاريخ النشر: 09/04/24 | 13:16مَوْضُوعُ التَّطَوُّرِ فِي الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ مِنْ نَبَاتَاتٍ وَحَيَوَانَاتٍ فِي جَوْهَرِهِ عَلاقَةٌ بَيْنَ الكَائِنِ وَالبِيئَةِ، إِنَّ البِيئَةَ الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا الكَائِنُ الحَيُّ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُلَائِمَةً لَهُ مِنْ أَجْلِ البَقَاءِ وَالتَّكَاثُرِ، وَهَذَا شَرْطُ بَقَائِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَى قِيدِ الحَيَاةِ، وَالكَائِنُ الحَيُّ يُؤَثِّرُ فِي بِيئَتِهِ، يُغَيِّرُ فِيهَا بِطَرِيقَةٍ مَا أَوْ عَلَى نَحْوٍ مَا وَلَحَدٍّ مَا، لَكِنْ!، تَغَيُّرُ بِيئَتِهِ شَرْطٌ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا عَنْ عَيْشِهِ وَتَأْثِيرِهِ بِهَا، هُوَ الأَسَاسُ فِي تَطَوُّرِهِ.
إِنَّ بِيئَةَ الكَائِنِ الحَيِّ تَتَغَيَّرُ بِاسْتِمْرَارٍ وَبِسُرْعَةٍ، وَالمَقْصُودُ بِيئَتُهُ الطَّبِيعِيَّةُ، وَمِنْ ثُمَّ تَتَرَاكَمُ التَّغَيُّرَاتُ فِي بِيئَتِهِ وَتَتَعَاظَمُ وَتَتَحَدَّاهُ مَعَ تَغَيُّرِهَا الْمُسْتَمِرِّ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَيُصْبِحَ أَكْثَرَ مُلَائَمَةً لِبِيئَتِهِ الْجَدِيدَةِ، فَإِنْ تَلَاءَمَ عَاشَ وَإِنْ لَمْ يَتَلَاءَمْ اِنْقَرَضَ. إِنَّ سِرَّ التَّطَوُّرِ يَكْمُنُ فِي مَوْضُوعِ التَّكَاثُرِ، كُلُّ كَائِنٍ حَيٍّ يَلِدُ مِئَاتٍ وَآلَافَ الكَائِنَاتِ مِنْ جِنْسِهِ، إِنَّهُ يَرْمِي بِهِمْ وَيَقْذِفُ بِهِمْ إِلَى مُعْتَرَكِ الْحَيَاةِ، وَمَا مِنْ شَكٍّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الأَبْنَاءَ وَعَلَى كَثْرَتِهِمْ لَيْسُوا مُتَشَابِهِينَ فِي صِفَاتِهِمِ الْمُكْتَسَبَةِ عَلَى الرَّغْمِ أَنَّهُمْ نَوْعٌ وَاحِدٌ، فَبَعْضُهُمْ يَحْمِلُ صِفَاتٍ أَفْضَلَ مِنْ أَقْرَانِهِ مِمَّا يُؤَهِّلُهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مُلَائَمَةً وَتَوَافُقًا مَعَ الْبِيئَةِ الَّتِي يَحْيَا فِيهَا، وَمِنْ ثُمَّ اِبْنًا شَرْعِيًّا لَهَا، أَمَّا الَّذِي يَمْلِكُ صِفَاتٍ سَيِّئَةً فَيَمُوتُ وَلَا يَتَكَاثَرُ.
إِنَّ هَذَا الكَائِنُ الحَيُّ مَالِكُ الصِّفَاتِ الأَفْضَلِ سَيَتَكَاثَرُ وَيَنْقُلُ مَزِيدًا مِنَ الصِّفَاتِ الجَيِّدَةِ لِلْجِيلِ الجَدِيدِ، وَبِاسْتِمْرَارٍ لِنَصْلَ إِلَى تَرَاكُمِ صِفَاتٍ جَيِّدَةٍ مَعَ مُرُورِ الزَّمَنِ، وَالزَّمَنُ هَذَا هُوَ مَلاَيِينُ السِّنِينَ، إِنَّ هَذَا التَّرَاكُمَ الهَائِلَ مِنَ الصِّفَاتِ الجَيِّدَةِ سَيَأْتِي مَعَ مُرُورِ الزَّمَنِ بِجِنْسٍ جَدِيدٍ، وَالتَّطَوُّرُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ إِنَّمَا يَتَّفِقُ مَعَ القَانُونِ الجَدَلِيِّ الَّذِي يُوضِّحُ لَنَا كَيْفَ يَتَحَوَّلُ “الكَمُّ” إِلَى “كَيْفٍ”. وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ تَكَوُّنَ نَوْعٍ جَدِيدٍ يُمَثِّلُ اِنْقِطَاعًا بِالتَّدْرِيجِ وَقَفْزَةً وَهَذَا يَسْتَغْرِقُ مَلاَيِينَ السِّنِينَ.
قَدْ يَحْدُثُ مَا لَمْ يُحْمَدْ عُقْبَاهُ وَهُوَ أَنَّ البِيئَةَ الطَّبِيعِيَّةَ لِكَائِنٍ حَيٍّ قَدْ تَتَغَيَّرُ تَغَيُّرًا سَرِيعًا وَمُفَاجِئًا، وَمَا مِنْ شَكٍّ أَنَّ النَّتِيجَةَ لِهَكَذَا وَضْعٍ قَدْ تَكُونُ اِنْقِرَاضَ النَّوْعِ كُلِّهِ لِعَدَمِ مَقْدَرَتِهِ عَلَى التَّكَيُّفِ مَعَ هَذَا الإِنْقِلَابِ البِيئِيِّ، لَكِنَّ!، قَدْ يَنْجَحُ بَعْضُ أَفْرَادِ هَذَا النَّوْعِ فِي التَّكَيُّفِ مَعَ البِيئَةِ الجَدِيدَةِ، لِكَوْنِهَا تَمْلِكُ مِنَ الصِّفَاتِ وَالخِصَائِصِ الَّتِي كَانَتْ كَامِنَةً فِيهَا، مَا يَسْمَحُ لَهَا بِالتَّكَيُّفِ مَعَ البِيئَةِ الجَدِيدَةِ، وَهُنَا لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ أَمْرٍ فِي مُنْتَهَى الأَهَمِيَّةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ يُطَوِّرُونَ مِنَ الأَعْضَاءِ وَالوَظَائِفِ الفِسْيُولُوجِيَّةِ… مَا يَسْمَحُ لَهُمْ بِالبَقَاءِ عَلَى قِيدِ الحَيَاةِ فِي هَذِهِ البِيئَةِ، وَبِالتَّكَاثُرِ.
وَهَكَذَا تُعَادُ نَفْسُ العَمَلِيَّةِ وَالقَفْزَاتُ لِنَصِلَ إِلَى تَفَرُّعٍ أَنْوَاعٍ جَدِيدَةٍ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ وَتَعِيشُ فِي بِيئَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، كُلُّ يَذْهَبُ فِي حَالِ سَبِيلِهِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ مَلاَيِينِ السِّنِينَ، وَقَدْ يَنْقَرِضُ الأَصْلُ وَيَنْشَأُ مِنْ كُلِّ فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِهِ أَصْلًا، إِنَّ هَذَا يَتَوَافَقُ مَعَ قَانُونِ التَّبَدُّلَاتِ الكَمِّيَّةِ الْمُتَرَاكِمَةِ تُؤَدِّي فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ إِلَى تَبَدُّلٍ نَوْعِيٍّ كَيْفِيٍّ، وَلَا بُدَّ لِهَذَا التَّبَدُّلِ قَيْدَ الوَصْفِ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَكْلِ قَفْزَةٍ وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَوْعٌ أَوْ حَلْقَةٌ تَتَوَسَّطُ النَّوْعَ الْقَدِيمَ وَالْجَدِيدَ، وَلِلتَّقْرِيبِ، الْمَاءُ عِنْدَمَا يَتَحَوَّلُ إِلَى جَلِيدٍ، لَا نَعْرِفُ نَوْعًا ثَالِثًا يَتَوَسَّطُهُمَا، فَالْمَاءُ هُنَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَلْبًا أَوْ سَائِلًا وَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْعَجِينَةَ بَيْنَهُمَا.
وَفِي سَعْيِنَا فِي هَذَا الاتِّجَاهِ نَقُولُ أَنَّ الإِنْسَانَ لَمْ يَتَطَوَّرْ عَنْ قِرْدٍ، فَنَحْنُ وَالقِرْدَةُ لَنَا أَصْلٌ وَاحِدٌ أَوْ جَدٌّ مُشْتَرَكٌ وَهَذَا الجَدُّ الْمُشْتَرَكُ اِنْقَرَضَ أَصْلًا وَهُوَ لَيْسَ إِنْسَانًا وَلَيْسَ قِرْدًا.
إِنَّ الحَلْقَةَ الوَسِيطَةَ نَاتِجَةٌ بِلا شَكٍّ عَنْ قَفْزَةٍ نَوْعِيَّةٍ، فَحَسَبَ نَظَرِيَّاتِ التَّطَوُّرِ فَإِنَّ هُنَاكَ حَلْقَةً وَسِيطَةً بَيْنَ الثَّدْيِيَّاتِ وَالزَّوَاحِفِ، وَهِيَ بِحَسَبِ هَذِهِ النَّظَرِيَّاتِ جِسْرُ انْتِقَالٍ مِنَ الزَّوَاحِفِ إِلَى الثَّدْيِيَّاتِ، إِنَّمَا هَذَا النَّوْعُ لَيْسَ مِنْ نَوْعِ الزَّوَاحِفِ وَلَيْسَ مِنْ نَوْعِ الثَّدْيِيَّاتِ، إِنَّهُ نَوْعٌ قَائِمٌ مُسْتَقِلٌّ بِحَدِّ ذَاتِهِ، نَشَأَ كَمَا أَسْلَفْنَا سَابِقًا عَنْ طَرِيقِ قَفْزَةٍ نَوْعِيَّةٍ، فَإِنَّ بَعْضًا مِنْ نَوْعِ الزَّوَاحِفِ تَحَوَّلَ فَجْأَةً إِلَى هَذَا النَّوْعِ الحَيَوَانِيِّ الجَدِيدِ الْمُسَمَّى الحَلْقَةَ الوَسِيطَةَ بَيْنَ الزَّوَاحِفِ وَالثَّدْيِيَّاتِ، وَإِنَّ بَعْضًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْ مِنْ أَفْرَادِ هَذَا النَّوْعِ تَحَوَّلَ فَجْأَةً إِلَى ثَدْيِيَّاتٍ.
من الصعب الحصول في المُتَحَجِّرات على هذا النوع المسمى الحلقة الوسيطة وذلك لأَنَّ العمر الزمني لها مقارنة بالأَنواع المستقرة قليل جداً.
بصورة عامة فإِن موضوع التطور في الكائنات الحية يحكمه قانون الإِنتخاب الطبيعي وحسب هذا القانون يبقى الأَصلح ، مع ملاحظة أنَّ هذا القانون يتوافق مع القانون الجدلي “قانون نفي النفي” وهذا القانون والذي أساسه هيجيلياً وتبنته الماركسية لاحقاً يتضمن ثلاثة عناصر : إلغاء ثُم َّإستبقاء ثُمَّ إضافة ، وعليه ما هو سييء من صفات النوع القديم يُلغى أَي فلسفيا النفي، والحسن والصالح من الصفات في القديم يبقى مستمراً في الجديد وهي الإستبقاء ، والذي لا يمكن أَنْ يخرج للوجود إٍلَّا ومعه صفات جديدة وهي الإضافة.
أَخيراً الكائن الحي يتكاثر ويقدم للبيئة ألاف المرشحين مختلفي الخصائص والصفات ، فتقوم البيئة بعملية الإِنتخاب بإِِختيار الأَصلح تاركة للأَضعف الهلاك .
إنَنَّا ندرس التطورمن خلال السجل الجيلوجي ، وهذا السجل يرصد لنا تطور الكائنات الحية نباتية أو حيوانية ، كل طبقة جيولوجية تمثل حقبة زمنية عاشت فيها أنواع نباتية وحيوانية ، وفي كل حقبة يجد العلماء أَنواع محددة من الحيوانات والنباتات ، على شكل مُسْتَحْجَرات ولو وَجدَ العلماء في طبقة جيولوجية واحدة على مُسْتَحْجَرات لديناصورات وبشر عند ذلك يحق لخصوم وأعداء هذه النظرية الإَحتفاء بسقوطها و النَّيْل منها .