فلسفة يورغن هابرماس وملاحظاتي عليها!
بقم : ادم عربي
تاريخ النشر: 11/04/24 | 14:59فلسفة يورغن هابرماس تعتبر جزءًا أساسيًا من النظرية النقدية الاجتماعية ،ولمن لا يعرف النظرية النقدية الاجتماعية فهي مدرسة فكرية تهدف إلى فهم وتغيير المجتمعات الإنسانية. تركز على النقد الاجتماعي والثقافي، وتسعى لكشف الأنظمة السلطوية والأيديولوجيات التي تحافظ على الهياكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة. تتضمن النظرية النقدية الاجتماعية تحليلًا للعلاقات السلطوية وتأثيرها على الهوية والثقافة، وتستخدم أدوات من الفلسفة، السوسيولوجيا، والأدب لتحليل الظواهر الاجتماعية واقتراح طرق للتحسين والتغيير الاجتماعي. تشمل موضوعاتها العدالة الاجتماعية، الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتهتم بتمكين الأفراد والمجتمعات لتحقيق مجتمع أكثر عدالة ومساواة وتعتبر مدرسة فرانكفورت هي الأساس . وتركز فلسفة ماس بشكل كبير على “النظرية التواصلية” ، يؤكد هابرماس على أهمية الحوار والتواصل في تحقيق التفاهم والتحرر الاجتماعي، ويعتبر أن اللغة لها دور مركزي في تشكيل العلاقات الاجتماعية والسياسية. وللتوضيح سنأتي بمثال لتوضيح “النظرية التواصلية” : نظرية الفعل التواصلي التي طورها يورغن هابرماس هي نظرية في الفلسفة وعلم الاجتماع تقدم إطارًا لفهم كيفية تواصل الأفراد وتحقيق التفاهم المتبادل من خلال اللغة والتفاعلات الرمزية. تُعتبر هذه النظرية جزءًا من النظرية النقدية الاجتماعية وتهدف إلى تحليل الظروف التي تمكن الأفراد من التواصل بشكل حر ومن دون قيود.
مثال على نظرية “الفعل التواصلي” : لنفترض أنَّ مجموعة من الأشخاص يجتمعون لمناقشة تنظيم حدث مجتمعي ، وفقًا لنظرية الفعل التواصلي، سيسعى كل فرد للتعبير عن أفكاره واقتراحاته بطريقة تسمح للآخرين بفهمها وتقييمها ، الهدف هو تحقيق إجماع من خلال الحوار البناء حيث يتم تبادل الأفكار والحجج بشكل متكافئ وشفاف، مما يؤدي إلى قرارات تعكس مصالح ورغبات جميع المشاركين.
تُظهر هذه العملية كيف يمكن للتواصل أن يسهم في تنسيق الأفعال وتحقيق التفاهم المشترك، وهو ما يُعد أساسيًا للتعاون الاجتماعي والديمقراطية التشاورية. تُعتبر اللغة في هذا السياق ليست مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل هي أداة للتفاعل الاجتماعي والتفاهم العقلاني. لكننا نستطيع دحض هذا المثال بمثال آخر ، من وجهة نظر الماركسية، يمكن اعتبار أن النظرية التواصلية لهابرماس تفتقر إلى الاعتراف بالأساس المادي للعلاقات الاجتماعية وتأثير الصراع الطبقي على التواصل. على سبيل المثال، قد يُشير الماركسيون إلى أن العمال في مصنع قد يشاركون في حوار مع أصحاب العمل حول ظروف العمل، لكن القوة الاقتصادية والسلطة التي يمتلكها أصحاب العمل تؤثر بشكل كبير على نتائج هذا الحوار. وفقًا للماركسية، لا يمكن تحقيق تواصل حقيقي ومتكافئ في ظل وجود علاقات سلطة غير متكافئة، وهو ما يدحض فكرة أن اللغة والتواصل بمفردهما يمكن أن يؤديا إلى التفاهم المتبادل والإجماع الديمقراطي ، لكن من الممكن أنْ تقاطع نظرية الفعل التواصلي لهابرماس مع الماركسية يمكن أن يكون في مفهوم “الفضاء العمومي” الذي يتناوله هابرماس في حل بعض من إشكاليات نظرته . يرى هابرماس أنَّ الفضاء العمومي هو المكان الذي يمكن للأفراد فيه المشاركة في الحوار والنقاش الحر، وهو ما يعزز من الديمقراطية التشاورية. من وجهة نظر ماركسية، يمكن النظر إلى الفضاء العمومي كمجال للصراع الطبقي حيث يمكن للطبقة العاملة أن تعبر عن مصالحها وتناضل من أجل التغيير الاجتماعي. في هذا السياق، تتقاطع النظريتان في الاعتراف بأهمية الحوار والنقاش العام كوسيلة للتغيير الاجتماعي والسياسي، على الرغم من اختلافهما في تحليل القوى الدافعة وراء هذا التغيير.
وأخيرا لنقم باجراء مقاربة ومقارنة في قضية معينة بين نظرية التواصل الاجتماعي لماس وبين الفلسفة الماركسية منها :
لنقم بنقد فلسفة يورغن هابرماس من وجهة نظر ماركسية بناءً على المثال التالي : الحوار حول السياسات البيئية في مؤتمر دولي. وفقًا لهابرماس، يجب أن يكون الحوار مفتوحًا ومتكافئًا للوصول إلى إجماع. لكن من منظور ماركسي، قد يُشير إلى أن الدول الصناعية الكبرى لديها سلطة اقتصادية تمكنها من فرض رؤيتها على الدول الأقل نموًا، مما يعني أن الحوار ليس متكافئًا بالفعل وأن النتائج تعكس مصالح الطبقات الحاكمة أكثر منها إجماعًا ديمقراطيًا.
في مؤتمر دولي حول السياسات البيئية، يُفترض أن يكون الحوار مفتوحًا ومتكافئًا للوصول إلى إجماع وفقًا لنظرية الفعل التواصلي.
النقد الماركسي:
الهيمنة الاقتصادية: الماركسية تُشير إلى أن الدول الصناعية الكبرى تمتلك القوة الاقتصادية التي تُمكنها من التأثير بشكل غير متكافئ على السياسات البيئية. هذا يُظهر أن الحوار ليس متكافئًا بالفعل، وأن النتائج تعكس مصالح الطبقات الحاكمة وليس إجماعًا ديمقراطيًا حقيقيًا.
الصراع الطبقي: النظرية التواصلية تفترض أن الحوار يمكن أن يكون خاليًا من السلطة والهيمنة، لكن الماركسية تُشدد على أن الصراع الطبقي يُشكل الأساس للعلاقات الاجتماعية والسياسية، وبالتالي، يؤثر على الحوار والتواصل.
الأيديولوجيا والسلطة: وفقًا للماركسية، الأيديولوجيا والسلطة تُشكلان الإطار الذي يتم من خلاله تفسير وتقييم الحوار. النظرية التواصلية قد لا تُعطي وزنًا كافيًا لكيفية تأثير الأيديولوجيا والسلطة على الحوار.
المادية التاريخية: الماركسية تُركز على المادية التاريخية وتُعتبر الظروف المادية هي الأساس للتغيير الاجتماعي والسياسي، بينما قد تُعتبر النظرية التواصلية مثالية لتجاهلها هذه الجوانب.
من خلال هذا النقد، يمكن رؤية كيف أن الماركسية تُقدم منظورًا يُركز على العوامل المادية والصراع الطبقي كعناصر أساسية في تشكيل العلاقات الاجتماعية والسياسية، وهو ما يُعتبر نقطة ضعف في نظرية الفعل التواصلي التي تُعطي الأولوية للغة والتواصل.